"فورين بوليسي": إيران تريد البقاء في سورية إلى الأبد

02 يونيو 2018
أهداف بعيدة المدى لإيران في سورية (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي تتشابك فيه خيوط "الصفقة" المرتقبة في جنوب سورية، بين الولايات المتّحدة والأردن وروسيا، إلى جانب إسرائيل، يبدو أن الأطراف جميعها متفقة على ضرورة إبعاد إيران ومليشياتها الموالية عن الجنوب، حيث الحدود مع الأراضي المحتلة. وفي الوقت الذي لا تبدي فيه إيران، أقله ظاهريًا، مانعًا حيال الطرح الروسي في الجنوب؛ يظهر أنّها لا تخطّط للانسحاب أبعد من ذلك، وإنما للبقاء طويلًا في البلد الذي كانت أحد مهندسي الحرب الدائرة فيه، وتعويض "استثماراتها من الدماء والثروة" هناك، وفق وصف مجلة "فورين بوليسي".


تلك "الاستثمارات" الضخمة، التي ضخّتها إيران في سورية دفاعًا عن نظام حليفها بشار الأسد، والتي بلغت أكثر من 30 مليارًا حتى الآن، إضافة إلى أكثر من 2000 قتيل في صفوف جنودها، وفق ما خلص إليه كاتب المقال، تواجه اليوم تحديًا حقيقيًا، أساسه رغبة الولايات المتّحدة، ومن ورائها إسرائيل، في إخراجها من سورية بالكامل، وذلك كان أحد الشروط الـ12 التي وضعها وزير الخارجيّة الأميركي، مايك بومبيو، من أجل التوصّل إلى اتفاق جديد مع إيران.

غير أن المسؤولين والخبراء الإيرانيين، وفق الكاتب، يعتقدون أن الدولة "استثمرت الكثير من الدماء والثروة"، وهو ما يجعل من الصعب عليها الرضوخ للمطالب الدولية، بمعزل عن الضربات الجوية الإسرائيلية، أو حتى الضغوط الممارسة عليها من موسكو. وبعد أن حققت إيران بالفعل مثل هذا "الاستثمار الضخم"، وفق تعبير الكاتب، فإنها الآن عازمة على جني المكاسب الاستراتيجية المحتملة على المدى الطويل داخل سورية، حتى ولو كان ذلك على حساب المزيد من الأرواح والأموال على المدى القصير.


وتنقل المجلة عن رئيس تحرير "إحدى أهم المنصات الصحافية في طهران"، الذي تحدّث تحت ظرف السريّة، أن إيران، وفق اعتقاده، "لا تنوي التخلي عن وجودها في سورية"، معلّلًا ذلك بأن الأمر "يمنح إيران نفوذًا جيّدًا ضد إسرائيل. الأرض مهمة جدًّا، وإيران ماهرة جدًّا في إدارتها؛ فهي المساحة الوحيدة التي يبدو فيها الروس أنفسهم ضعفاء. الشخص الذي يتحكم بالأرض لا يأخذ أولئك الذين لا يتحكمون بها على محمل الجد".

ويشير كاتب المقال إلى أن "الاستثمارات" الإيرانية في سورية، على مدى السنوات السبع الماضية، تصاعدت إلى مليارات الدولارات، ضمن مساعٍ عسكرية واقتصادية متشابكة، جنّدت ودرّبت إيران خلالها مليشيات من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ونشرتهم في سورية.

ووفقًا لحسابات الدبلوماسي الإيراني السابق والباحث المقيم في الولايات المتّحدة منصور فارهانج، فإن إيران أنفقت ما لا يقل عن 30 مليار دولار في سورية في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية، وهي أرقام متحفّظة جدًّا قياسًا بما يقدّره، مثلًا، نديم شحادة، الباحث في كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس، إذ يخلص إلى أن حجم الإنفاق الإيراني إجمالًا في سورية يبلغ ما مقدراه 15 مليار دولار سنويًا، ونحو 105 مليارات دولار في المجموع.

وتعمل القوات الإيرانية، حاليًا، في 11 قاعدة عبر جميع أنحاء سورية، فضلًا عن تسع قواعد عسكرية للمليشيات المدعومة من إيران، موزعة عبر محافظات حلب، وحمص، ودير الزور. وإلى جانب ذلك أيضًا، فثمة 15 قاعدة لـ"حزب الله" اللبناني، ونقاط مراقبة تتوزع على امتداد الحدود مع لبنان، وفي حلب أيضًا، وفقًا للأبحاث التي أجراها نوار أوليفر، وهو باحث في الشؤون العسكرية بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية العامل في إسطنبول.


ويلاحظ كاتب المقال أنه خلال الأشهر الأخيرة، فازت الشركات الإيرانية بصفقات سورية تتضمن تزويد البلاد بجرارات زراعية، وفوسفات التعدين، وإصلاح شبكات كهرباء، وتنقية السكر، استنادًا إلى تقديرات قدّمها مسؤولون إيرانيون.

ويظهر كذلك أن إيران تصدّر ما قيمته 150 مليون دولار من المنتجات إلى سورية سنويًّا، بحسب المقال، كما أنّها أقرضت دمشق ما قيمته 4.5 مليارات دولار، على الأقل، منذ عام 2013.

ومن ضمن العوامل التي قد تدفع إيران إلى التشبث بالبقاء حقيقة أنها تسيطر، مع حلفائها في سورية والعراق، على معظم المنطقة الحدودية بين البلدين، وهي المنطقة التي تمر عبرها مواد البناء وواردات الطاقة، ما يمنح طهران، وفق تقدير الكاتب، الكلمة الفصل في معظم المحطات المستقبلية بالنسبة إلى سورية، ويوفّر لها طريقة لاسترداد استثماراتها الطائلة.

تضاف إلى تلك العوامل كلها، كما يرى الكاتب، أن الطرف الممسك بزمام العلاقة مع سورية داخل النظام الإيراني تمثّله شخصيّات تقع في صلب الدولة العميقة داخل إيران، ومنها قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، وهو ما قد يجعل تأثير الحكومة الإيرانية ضعيفًا في هذا الملف.

ذلك ما يتّفق معه الباحث في معهد "تشاثام هاوس" في بريطانيا سانام فاكيل، إذ يقول: "لا أعتقد أن هذا الجزء من النظام سوف يوافق على فك الارتباط بشكل دائم مع سورية. أعتقد أن هذا الجزء من النظام مستعد للمخاطر. سوف يحاولون لعب اللعبة الطويلة البطيئة والثابتة. ليس من حيث القواعد بالضرورة، وإنما عبر الأفراد وبعض المليشيات والاستثمارات الاقتصادية".

وبين استراتيجية المناورة تلك، وعدم ممانعة الانخراط في مواجهة مباشرة، لا يبدو أن الانسحاب الكليّ من سورية وارد في حسابات المخططين الاستراتيجيين في طهران. ذلك ما يؤكده أيضًا أحد المحللين العسكريين للصحيفة، متحفّظًا على ذكر اسمه، حين يصف سورية بأنها "صراع وجودي" تراه إيران ضروريًا، مضيفًا: "فقط هزيمة عسكرية كاملة للنظام السوري يمكنها أن تدفع إيران إلى المغادرة".