قمة السيسي والبشير: مصالحة إثيوبيا وإريتريا فرضت تقديم الموعد

19 يوليو 2018
ترغب القاهرة بإعادة توحيد موقفها مع الخرطوم حول السدّ(الأناضول)
+ الخط -
يبدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الخميس، أوّل زيارة له إلى العاصمة السودانية الخرطوم، منذ عامين، تنفيذاً لاتفاق سابق مع نظيره السوداني عمر البشير، خلال زيارته للقاهرة في مارس/آذار الماضي. وتهدف الزيارة إلى كسر الجليد بين سلطتي البلدين وتطوير العلاقات الثنائية بينهما، وتحقيق المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية لكل منهما، فضلاً عن استمرار التفاوض للتوصّل إلى حلّ دائم لأزمة سدّ النهضة الإثيوبي، بعيداً عن الخلاف المحتدم بين البلدين حول وضعية مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه. وتأتي هذه الزيارة في سياق إقليمي جديد يتمثّل في ظهور رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بانفتاحه غير المسبوق على دول الجوار، وزيارته لجميع العواصم الكبرى في المنطقة، فضلاً عن بعض العواصم الخليجية، منذ بداية حكمه خلفاً لسلفه هايله ميريام ديسالين، وصولاً لاتخاذه خطوة لم تكن متوقعة بزيارة العاصمة الإريترية، أسمرة، وتدشين علاقات صداقة مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وإتمام مصالحة تاريخية بعد 20 عاماً من القطيعة بين البلدين.

ومن المنتظر أن تلقي سياسات آبي أحمد الجديدة داخلياً وخارجياً، بظلالها على المحادثات المرتقبة بين السيسي والبشير والتي ستستغرق يومين.

وعن هذا الموضوع، تقول مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوى لـ"العربي الجديد"، إن هناك قلقاً مصرياً بالغاً بسبب اتفاق المصالحة الأخيرة بين إثيوبيا وإريتريا، لأنه "قد يعيد رسم التوازنات المنطقة بالكامل، بسبب تأثير ذلك الاتفاق على منطقة القرن الإفريقي". وأوضحت المصادر: "في السابق كانت إثيوبيا تعتبر دولة حبيسة لكونها غير مطلة على البحر الأحمر، وهي الأهمية التي كانت تمتلكها جارتها إريتريا، وهو أيضاً ما كان يجعل إثيوبيا في حاجة دائمة لعلاقة استراتيجية مع السودان". لذلك ترى هذه المصادر أن اتفاق المصالحة الأخير بين أديس أبابا وأسمرة يعد بمثابة زلزال لمصر والسودان، وهذا من أسباب استعجال القمة اليوم وهي التي لم تكن مدرجة على أجندة الرئيسين. وفي هذا السياق، تكشف المصادر أن أول زيارة رسمية كانت متفقاً عليها بين البشير والسيسي يحل توقيتها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وحول الدور الخليجي وبالتحديد الإماراتي والسعودي في رعاية كل من إثيوبيا وإريتريا مالياً عبْر ودائع بالدولار ومساعدات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة وعما إذا كان ذلك يخدم مصر، قالت المصادر إن "الإمارات في هذا الملف تعمل لصالحها فقط، هي تريد توسيع نفوذها وتأمين مصالحها في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، ومجاراة السباق مع تركيا في تلك المنطقة.

فبشكل أساسي، يسعى الرئيس المصري لبلورة مقترح محدّد لحلّ الخلاف حول فترة ملء خزان سدّ النهضة، تمهيداً لاتفاق حاسم بين الدول الثلاث، وذلك على ضوء ما توصّلت إليه حتى الآن مباحثات ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية" التي شُكّلت بصورة سرية من 15 عضواً، بواقع 5 ممثلين لكل دولة. وتختص المجموعة بتقديم توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكّد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف.

واجتمعت هذه المجموعة البحثية، غير البعيدة عن الأبعاد الدبلوماسية والاستخباراتية، نهاية الشهر الماضي لأيام عدة في الخرطوم، بعيداً عن أعين وسائل الإعلام. ولم تعلن أي نتائج توصّلت لها، لكن ما تمّ تسريبه من معلومات للقاهرة يفيد بطرح عدد من الأفكار، كالتوصّل لحل وسط لفترة ملء الخزان خلال 5 سنوات، بدلاً من 3 فقط، حسب المقترح الإثيوبي، و7 أو 9 حسب المقترح المصري، وكذلك تقسيم فترات الملء خلال العام الواحد بالتنسيق بين مصر وإثيوبيا حسب حاجة الأولى ومستوى المياه المخزّنة في بحيرة السدّ العالي.


وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية تحدّثت لـ"العربي الجديد"، ترغب القاهرة في البناء على هذين المقترحين، وإعادة توحيد موقفها مع الخرطوم استغلالاً للتقارب الرسمي الحاصل منذ بداية العام الجاري، بعد شهور من الفتور الذي كان يقلق مصر بشدة والمتعلّق بتنسيق إثيوبي-سوداني يؤدي لإهدار حقوق مصر بشكل كامل، خصوصاً أن الجانب السوداني يبدو حالياً متعاطياً بإيجابية مع الشواغل المصرية أكثر من أي وقت مضى.

وكشفت المصادر أنّ السيسي يأمل في موافقة السودان على مقترح تقسيم فترة ملء السدّ لفترات أصغر على مدار العام، حسب التنسيق بين الدول الثلاث، كما يأمل في تأجيل بدء فترة الملء الرسمية لأطول فترة ممكنة "نظراً لبدء الحكومة المصرية في مشاريع ينفذها الجيش بدعم مالي خليجي (سعودي تحديداً)، لزيادة ثروة مصر من المياه الجوفية القابلة للاستخدام في الزراعة والري والشرب". وتنفّذ هذه المشاريع على مستوىً عال من السرية، وقد سبقتها دراسات مطوّلة أجرتها وزارة الري على قطاع المياه الجوفية خصوصاً في محافظات الصعيد والوادي الجديد ومطروح.

وأعلنت وزارة الري المصرية، الثلاثاء، حصولها على قرض بقيمة 50 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي "لتمويل مشاريع رفع كفاءة محطات المياه وحفر الآبار واستيراد مضخات مياه قوية للمياه الجوفية في سيناء والمناطق الحدودية، بغرض تقليل الاعتماد على مياه النيل"، بحسب بيانها، علماً بأنها سبق وأعلنت سعيها للحصول على قرض مضاعف بقيمة 100 مليون دولار من الصندوق السعودي للتنمية للغرض ذاته.

ويعكس هذا التزامن محاولات مصرية لما وصفته المصادر الدبلوماسية سابقاً لـ"العربي الجديد" بـ"التعطيل التكتيكي" للمفاوضات الروتينية بين الدول الثلاث، بحثاً عن حلّ دائم على أسس واضحة، وبالتزامن مع اتخاذ إجراءات داخلية سريعة لتلافي الأضرار التي ستصيب حصة مصر من المياه، بمجرّد بدء عملية ملء الخزان.

وفي هذا السياق، قال مصدر في وزارة الري المصرية لـ"العربي الجديد"، إنّ "زيارة السيسي للخرطوم في الفترة نفسها التي تشهد تأجيلاً لعقد الاجتماع التساعي بين وزراء الخارجية والري والاستخبارات بالدول الثلاث، الذي كان مقرراً عقده الشهر الماضي بالقاهرة، يؤكّد أنّ المفاوضات تجري حالياً على مستوى القمة بين السيسي والبشير وآبي أحمد، مع تصاعد وتيرة اتصالات استخباراتية بين الأطراف الثلاثة للتوصل لحل سياسي بالأساس، مرتبط بشكل أقل بالاعتبارات الفنية التي سيطرت على المفاوضات في العامين الماضيين، لا سيما أن المكتب الفني لم يقدّم حتى الآن التقرير المكمل الذي ترغب الدول الثلاث في التوافق عليه قبل الاتفاق بشكل نهائي على مسألة ملء الخزان.

وأشار المصدر إلى أنّ الدوائر المصرية الرسمية، بما فيها الدبلوماسية والاستخباراتية، ما زالت تنتظر كيفية تصرف آبي أحمد في هذا الملف بعيداً عن التصريحات الودية التي أطلقها خلال زيارته للقاهرة. فحتى الآن لم يجلس، هو أو أي من وزرائه الجدد، على طاولة تفاوض واحدة مع المصريين، الأمر الذي يتطلّب مزيداً من الانتظار، أخذاً في الاعتبار انشغال آبي أحمد والحكومة الإثيوبية بالتقارب مع إريتريا، وما يصحبه من توترات حدودية بين القبائل واعتراضات على مستوى الجبهة الداخلية، وخوض مفاوضات مطولة حول النقاط الحدودية محلّ النزاع.

وبعيداً عن ملف سدّ النهضة، تبرز أمام السيسي والبشير ملفات التنسيق الأمني على الحدود، ومشاريع التنمية الزراعية والتبادل التجاري، وتسليم المتهمين السودانيين بالتسلل، وبالعمل على استخراج المعادن بشكل غير شرعي، مقابل تسليم الخرطوم بعض المطلوبين المصريين على خلفيات سياسية. والإجراء الأخير كانت قد بدأت فعالياته مباشرة بعد زيارة البشير السابقة للقاهرة، بتسليم عدد من الأشخاص المتهمين بالانتماء لجماعة "الإخوان المسلمين"، والذين استقبلتهم مصر باتهامات جديدة بالضلوع في تمويل عمليات إرهابية.

وبحسب المصادر الدبلوماسية، فإنّ المباحثات لن تتطرّق لموضوع النزاع الحدودي على حلايب وشلاتين الذي تتمسّك السودان بحقها برفعه للتحكيم الدولي أو الأمم المتحدة، في مقابل الإعداد لعقد لقاء آخر للجنة العليا المشتركة برئاسة رئيسي البلدين في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بالتوازي مع دورية عقد آلية التشاور السياسي والأمني التي تضم وزيري الخارجية ورئيسي جهازي الاستخبارات في البلدين، بما يعزّز التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وحلّ أي شواغل قد تطرأ بين البلدين.