بذات المضامين، وعناوين المحاور الرئيسية لبرنامج الحكومة المصرية، المعروض على البرلمان في مارس/آذار 2016، تلا رئيس الوزراء الجديد، مصطفى مدبولي، البيان الخاص ببرنامج حكومته أمام مجلس النواب، يوم الثلاثاء الماضي، للأعوام الأربعة المقبلة، محشوراً بالعديد من المصطلحات الإنشائية، والجمل البلاغية، من دون تضمينه خططاً واضحة للتنمية، أو أرقاماً، وجداول زمنية محددة.
يلفت النظر أكثر، غياب أي حديث عن برنامج سياسي ذي معالم واضحة، سواء ما يتعلق بالسياسة الداخلية، التي تعاني حالة موت غير مسبوقة في مصر، منذ ثورة 23 يوليو/تموز 1952، أو على مستوى السياسة الخارجية، حيث يشهد النظام، برئاسة عبد الفتاح السيسي تراجعاً مستمراً. ويعلق أحد أعضاء تكتل 25/30 البرلماني، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "السيسي يكره السياسة، ويعترف علناً، بل ويتفاخر في خطاب معلن أمام العالم كله، بأنه ليس سياسياً، فكيف نتوقع من الحكومة التي اختارها بنفسه، أو عن طريق مساعديه العسكريين، والأمنيين، أن تقدم برنامجاً سياسياً؟".
ولم يعلن السيسي عن برنامجه الانتخابي خلال دورتيه الرئاسيتين، وهو ما ظهر بوضوح في برامج حكوماته المتعاقبة، التي لا تعدو عن كونها تعهدات لتنفيذ أجندة صندوق النقد الدولي، للحصول على قرضه البالغ إجماليه 12 مليار دولار، والمضي قدماً في مزيد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة، من خلال التوسع في فرض الضرائب، وتحرير أوجه الدعم عن الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
وأحال البرلمان برنامج الحكومة الجديدة، التي حضر جميع أعضائها أمام البرلمان، عدا وزير الدفاع والداخلية، إلى لجنة خاصة لدراسته، برئاسة وكيل المجلس، محمود الشريف، وعضوية كل من: رئيس ائتلاف "دعم مصر"، محمد ذكي السويدي، وممثلي الهيئات البرلمانية لأحزاب "المصريين الأحرار، ومستقبل وطن، والوفد الجديد، وحماة وطن، والشعب الجمهوري، والمؤتمر، والنور، والمحافظين، والسلام الديمقراطي، والمصري الديمقراطي".
وشمل المحور الخامس من بيان الحكومة، تحت عنوان "سياسة مصر الخارجية"، جملاً إنشائية، منها مثلاً: "وتضمن الحفاظ على سياسات متوازنة مع كل القوى العالمية، بما يحقق مصلحة مصر، يحافظ على مكانتها الدولية، وضمان أمن واستقرار منطقة الخليج العربي، وتبني موقف صريح وحاسم في شأن القضايا المثارة بالدول العربية التي تشهد صراعات سياسية وعسكرية، وضمان تحقيق الأمن القومي في المحيطين الإقليمي والأفريقي".
وحمل المحور الرابع عنوان "بناء الإنسان المصري"، وتضمن جملاً إنشائية أيضا على غرار "ترسيخ الهوية الثقافية والحضارية من خلال تفعيل دور المؤسسات الثقافية، ونشر ثقافة العلوم والابتكار"، و"تصحيح المفاهيم الخاطئة، وحماية المجتمع من التطرف الفكري"، و"استعادة منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية، وترسيخ أسس الولاء والانتماء والمواطنة، وتعزيز دور مصر الريادي في نشر سماحة الإسلام".
وقال مدبولي أمام البرلمان إن "حكومته لن تترك فرداً فقيراً يتكفف الناس، وستستمر في برامج حماية الفئات الأولى بالرعاية، وتوحيدها في برنامج (تكافل وكرامة) الذي يحوي ثلاثة ملايين ونصف المليون أسرة بتمويل سنوي يصل إلى 20 مليار جنيه (1.12 مليار دولار)، من بينها 5 مليارات (281 مليون دولار) لذوي الاحتياجات الخاصة"، منوهاً إلى "إطلاق برامج تشغيل كثيفة العمالة، مع التوسع في القروض الصغيرة لزيادة دخل الأسر في الريف، ودعم خطط التنمية في المحافظات، وعلى رأسها مناطق الصعيد وسيناء".
ونبه كذلك إلى أن "مرفق السكك الحديدية سيشهد تطوراً كبيراً خلال العام المقبل، من خلال ضم 250 جراراً جديداً، و300 عربة بضائع، إلى جانب الانتهاء من الربط الالكتروني للإشارات، وإنشاء القطار فائق السرعة الذي يربط عددا من المناطق، منها العين السخنة والعاصمة الجديدة و6 أكتوبر، فضلاً عن استكمال شبكة الطرق القومية، بتكلفة 20 مليار جنيه (1.12 مليون دولار)، وإنشاء 20 كوبري لتقليل معدل الحوادث".
وتصدر "حماية الأمن القومي" محاور برنامج الحكومة، متضمناً جملا "فضفاضة" مثل "تحقيق الاستقرار الأمني في الداخل، وحماية وتأمين حدود البلاد الخارجية، ومكافحة الإرهاب، والالتزام بتعزيز حقوق الإنسان، وصون حرياته الأساسية في إطار القانون، وتنشيط الحياة السياسية، وتقوية الأحزاب، وزيادة المشاركة الشعبية في الحياة العامة، واستصدار القوانين ذات الصلة بحقوق الإنسان، وفقاً للاستحقاقات الدستورية".
وشمل المحور التعهد بتحقيق الأمن المائي، والحفاظ على حقوق مصر المائية، من خلال تنمية وترشيد استخدام الموارد المائية المتاحة، فضلاً عن توفير مخزون كاف من السلع الإستراتيجية في المدى القصير، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية في المدى المتوسط، وتأمين التغذية الكهربائية لكافة طالبيها بجودة عالية، وبسعر منافس، والتوسع في استخدام العدادات مسبوقة الدفع والعدادات الذكية.
وتعهدت الحكومة بـ"إطلاق برنامج جديد للتشغيل كثيف العمالة يستهدف المرأة والشباب، ويوفر 100 ألف فرصة عمل، علاوة على التوسع في الإقراض متناهي الصغر للمرأة الريفية، من خلال إتاحة 100 ألف قرض في المجالات الزراعية والتجارية والخدمية لزيادة دخل الأسرة في الريف، وتحسين ورفع مستوى الخدمات في ألف قرية تضم ما لا يقل عن 10 ملايين مواطن".
وجاء المحور الثالث في البرنامج تحت عنوان "التنمية الاقتصادية ورفع كفاءة الأداء الحكومي"، وأوردت الحكومة فيه "تنفيذ 85 في المائة من برنامج الإصلاح الاقتصادي"، متعهدة بزيادة الإيرادات الحقيقية للموازنة العامة للدولة (الضريبية وغير الضريبية)، وتوجيهها إلى الخدمات المقدمة للمواطنين كبديل حتمي للحد من الاقتراض من الداخل والخارج، مع التزامها باتخاذ إجراءات عاجلة لدعم المواطن، وتخفيف الآثار المصاحبة للإجراءات الاقتصادية.
وأشار بيان الحكومة إلى "استهدافها خفض نسبة الدين الحكومي وأعبائه إلى معدلات مستدامة، لا تتعدى 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو/حزيران 2020، وتصل إلى ما بين 80 – 85 في الماءة بنهاية البرنامج، وخفض معدلات العجز الكلي إلى 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والحفاظ على تحقيق فائض أولي يقترب من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.