توقف التمويل الأميركي لـ"أونروا": تداعيات سياسية وأمنية منتظرة

02 سبتمبر 2018
قضية اللاجئين تعرضت لهجوم أميركي أخيراً (جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -
تدل كل المؤشرات على أن قرار الإدارة الأميركية بوقف مساهمة الولايات المتحدة في موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" سيفضي إلى تداعيات سياسية وأمنية عدة، من بينها تقليص هامش المناورة أمام السلطة الفلسطينية، والمسّ بفرص نجاح الجهود الهادفة إلى التوصل لاتفاق تهدئة بين المقاومة في غزة وسلطات الاحتلال.

ويقطع قرار وقف التمويل الطريق على أية إمكانية لأن توافق السلطة الفلسطينية على الانخراط في أي تحرك يهدف إلى حل الصراع مع إسرائيل برعاية أميركية، على اعتبار أن التعاطي بإيجابية مع هذا التحرك يعني تسليماً فلسطينياً باغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين، على اعتبار أن هذا ما يهدف إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وراء وقف المساعدات للوكالة.



القرار الذي اتخذته واشنطن يؤكد المخاوف الفلسطينية من الخطة التي أعدتها واشنطن لحل الصراع، والتي أطلق عليها "صفقة القرن"، لا سيما بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة والاعتراف بها كعاصمة للاحتلال، في انعكاس لقرار إدارة ترامب بإخراج المدينة من دائرة التفاوض على الحل الدائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وينتظر أن يؤثر قرار واشنطن على المحاولات التي تُجرى حالياً لترميم العلاقة بين الولايات المتحدة والسلطة، إذ جاء في ظل الحديث عن محاولات لترتيب لقاء بين رئيس السلطة محمود عباس والرئيس دونالد ترامب، على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر/أيلول الحالي.
كما يتوقع أن يمس القرار بمصداقية قيادة السلطة الفلسطينية داخلياً، إذ هذه القيادة التي نددت بقرار ترامب بشأن أونروا، التزمت الصمت حيال قرار واشنطن مواصلة ضخ عشرات الملايين من الدولارات لأجهزة السلطة الأمنية، وذلك بهدف ضمان قدرتها على مواصلة التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال بشكل يفضي إلى تجفيف بيئة المقاومة في الضفة الغربية.
ونظراً لأن الفلسطينيين يعارضون "صفقة القرن" لأنها تهدف بشكل أساس إلى تصفية القضية الفلسطينية بما في ذلك تحسين قدرة إسرائيل على اقتطاع الضفة الغربية نهائياً لصالحها، فإن قبول السلطة الفلسطينية الدعم الأميركي لأجهزتها الأمنية يمثل تعاوناً غير مباشر مع هذه الصفقة، على اعتبار أنه حتى كبار قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل يقرّون بدور تعاون السلطة الأمني في تحسين بيئة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. مع العلم أن المشاريع الاستيطانية والتهويدية تعد أداة إسرائيل الرئيسة في حسم مصير الضفة.
إلى جانب ذلك، فإن القرار الأميركي سيحرج الدول العربية التي تراهن إدارة ترامب على دعمها في تسويق خطتها لـ"التسوية"، إذ إنه سيكون من الصعب على أنظمة الحكم في هذه الدول التجاوب مع التحرك الأميركي في ظل تراكم المؤشرات على الدوافع الحقيقية التي تدفع واشنطن لتقديم صفقة القرن، لا سيما تصفية قضايا الحل الدائم، وعلى رأسها، قضيتا اللاجئين والقدس.

إلى جانب ذلك، فإن القرار الأميركي سيصعب مهمة التوصل لاتفاق حول مسار التهدئة بين إسرائيل والمقاومة في قطاع غزة. فحتى لو تم التوصل لاتفاق بشأن مسار التهدئة، على الرغم من رفض قيادة السلطة للتهدئة وفي ظل الفجوة التي تفصل مواقف المقاومة وإسرائيل بشأن الشروط، فإن قطع المساعدات الأميركية لـ"أونروا" سيقلّص من فرص إحداث تحول على الواقع الإنساني والاقتصادي في القطاع بعد انجاز هذا المسار.
آلاف الأسر الفلسطينية تعيش على الرواتب التي تدفعها "أونروا" لأرباب هذه الأسر من العاملين في مؤسساتها المختلفة، فضلاً عن أن عشرات الآلاف من الأسر المعوزة في القطاع تعتمد على الوكالة في الحصول على مساعدات مالية وعينية.
وسيلزم القرار الأميركي الجهات الدولية والإقليمية الداعمة لمسار التهدئة الاستعداد بزيادة إسهاماتها المالية لضمان إنجاح تطبيق هذا المسار، في ظل عدم وجود مؤشرات على هذا الاستعداد.
وفي أحسن الأحوال، فإن الجهات الدولية والإقليمية ستعمل على معالجة مظاهر التدهور الاقتصادي والإنساني الناجم عن العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على القطاع، سواء على صعيد تقليص رواتب الموظفين أو الموازنات والمخصصات لتشغيل المؤسسات المختلفة.
وهذا يعني أن فرص معالجة مظاهر التدهور الاقتصادي والإنساني الناجمة عن القرار الأميركي متدنية إلى حد كبير، وهذا يهدد استقرار أي اتفاق تهدئة يتم التوصل إليه.
إلى جانب ذلك، فإن القرار الأميركي يزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية، على اعتبار أن مؤسسات "أونروا" تشغل آلافا من الموظفين هناك.
ولعل الخوف من تأثير القرار الأميركي قد أفضى إلى حدوث استقطاب داخل إسرائيل بين المستوى السياسي والمؤسسة العسكرية.
ففي حين يؤيد المستوى السياسي القرار على اعتبار أنه يساعد على تصفية قضية اللاجئين، فإن المستوى العسكري الإسرائيلي يتحسب من التداعيات الأمنية بعيدة المدى التي يمكن أن تنجم عن الخطوة الأميركية، لا سيما في ظل سيادة حالة من انعدام اليقين في الضفة، نتيجة تقارير الاستخبارات الإسرائيلية التي تفيد بحدوث تدهور على الوضع الصحي لرئيس السلطة محمود عباس.
وبغض النظر عن تداعيات القرار الأميركي المختلفة، فإنه يؤسس لتجذير القناعة الفلسطينية بضرورة تجاوز الولايات المتحدة تماماً والتعاطي معها كطرف من المشكلة وليس مركباً من مركبات الحل.