وآخر عمليات الاغتيالات في درعا وقعت حين أطلق مجهولون النار على عبد الإله الحريري، رئيس بلدية المسيفرة، أمام منزله في الريف الجنوبي للمحافظة، ما أدى إلى مقتله على الفور، فيما دهس مجهولون بسيارة من نوع "هايلوكس" رئيس بلدية المزيريب غرب درعا، أحمد النابلسي، ما تسبب بمقتله. غير أن مصادر أخرى نفت وفاة النابلسي، وأوضحت أن ما جرى هو مشاجرة على توزيع مادة المازوت الذي يشرف عليه المجلس البلدي، قام خلالها أحد شبيحة النظام، وهو عسكري من مخيم المزيريب، بضرب النابلسي على رأسه، واصفة حالة الأخير بـ"المستقرة".
كما أطلق مجهولون النار على القائد السابق لـ"لواء أحفاد الرسول" التابع لـ"الجيش السوري الحر" الملقب أبو طه المحاميد، في درعا البلد، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة، نقل على إثرها إلى المستشفى الوطني.
وكان مجهولون اغتالوا ليل الأربعاء ــ الخميس، رئيس بلدية قرية اليادودة أحمد المنجر، شمال غرب مدينة درعا، بإطلاق النار عليه من مسافة قريبة.
كما قتل مجهولون في الخامس من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي القيادي السابق في "جيش اليرموك"، عمر الشريف، والقيادي السابق في "فرقة فلوجة حوران"، منصور إبراهيم الحريري، على طريق خراب الشحم بريف درعا الغربي. وسبق ذلك اغتيال القياديين السابقين في المعارضة، مشهور كناكري ويوسف الحشيش، برصاص مجهولين، ضمن حادثتين منفصلتين خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وكان الشريف والحريري قد انضما إلى صفوف الأمن العسكري، إثر سيطرة قوات النظام على المحافظة في تموز الماضي، وذلك بعد "تسوية أوضاعهما" ضمن الشروط التي وضعها النظام وحليفه الروسي.
ولم تعلق قوات النظام على مقتلهما، فيما نعتهما شبكات موالية، منها "الدفاع الوطني".
وبينما ظلت هذه الاغتيالات في ذمة مجهولين، تبنت "المقاومة الشعبية" في درعا عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، إطلاق النار على المقدم في قوات النظام نضال قوجه علي، مدير منطقة نوى بريف درعا الغربي الخميس الماضي، ما أسفر عن اصابته ونقله إلى المشفى.
وقالت "المقاومة الشعبية" في إعلانها: "تمكن أبطال المقاومة الشعبية من استهداف قوجه علي حيث نقل الى المشفى على الفور". وأكدت بعض المصادر وفاة قوجه علي لاحقاً، مشيرة إلى أن الهجوم أسفر أيضاً عن مقتل ثلاثة عناصر من قوات النظام من مرافقة مدير المنطقة.
وقبل يومين من هذه الحادثة، أعلنت "المقاومة الشعبية" أن مجموعة تابعة لها هاجمت ثكنة عسكرية لقوات النظام في مدينة طفس، حيث شوهدت سيارات إسعاف تحضر إلى المكان. كما هاجمت خلال الأسابيع الماضية مواقع عسكرية أخرى للنظام، منها مقر الاستخبارات الجوية في الكرك، وموقع عسكري في غباغب.
وبالتزامن مع الاغتيالات، شهدت الأشهر الماضية، نشاطًا واسعًا للأفرع الأمنية في المحافظة، أدى إلى اعتقال عشرات الأشخاص، منهم نحو 20 قيادياً من فصائل المعارضة السابقة، فيما تعرض آخرون للخطف دون معرفة الجهة المسؤولة عن خطفهم.
وبحسب "مكتب توثيق الشهداء" في درعا، فقد اعتقلت الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري 76 شخصاً في محافظة درعا في شهر كانون الأول الماضي، بينهم 37 كانوا في صفوف فصائل المعارضة سابقاً. وأوضح المكتب أن ثلاثة أشخاص تمّ اعتقالهم من قبل فرع الأمن الجنائي، و40 لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، وعشرة معتقلين لدى إدارة الاستخبارات الجوية، إضافة إلى توثيق 23 شخصاً لم يتمكن المكتب من تحديد الجهة المسؤولة عن اعتقالهم.
ومن بين القادة الذين تمّ اعتقالهم سليمان قداح، القيادي في فصيل "فلوجة حوران"، وجرى اعتقاله في دمشق، وفادي العاسمي القيادي في "جيش الثورة" الذي اعتقله فرع الاستخبارات الجوية في مدينة داعل.
ويرى بعض الناشطين في درعا، من الذين تواصلت معهم "العربي الجديد"، أن قوات النظام وأجهزته الأمنية تقف وراء معظم هذه الاغتيالات، والتي تستهدف تصفية بعض الشخصيات الموالية للنظام من المسؤولين الصغار بهدف اتهام معارضيها بقتلهم، وبغية التذرع بأن اغتيال هذه الشخصيات هو السبب في عدم تقديم الخدمات للمنطقة التي تعاني من نقص في معظم الاحتياجات الأساسية من وقود وغاز وكهرباء وطحين ومياه.
غير أن الصحافي حسين الزعبي، رجح في حديث مع "العربي الجديد" أن يكون المسؤولون هم "بقايا عناصر جبهة النصرة في محافظة درعا الذين يقومون بعمليات اغتيال غبية، تنسجم مع أفكارهم المتطرفة، حيث يسعون الى إبقاء المحافظة في حالة فوضى".
ورأى الزعبي، وهو قريب رئيس بلدية المسيفرة الذي تمّ اغتياله، أن الشخصيات التي يتم استهدافها هي شخصيات مجتمعية، اختارت البقاء في البلد في كل الظروف سواء في مرحلة التظاهرات السلمية، أم هيمنة "جبهة النصرة" على المحافظة أو دخول قوات النظام.
كما استبعد الزعبي أن تكون "المقاومة الشعبية" وراء مثل هذه الاغتيالات، أو أن يكون عناصر "النصرة" لهم علاقة بهذا التنظيم، لأن كلمات "المقاومة" و"الشعبية" ليس من مفرداتهم، و"حتى الهجمات على النظام ليس أسلوبهم".
وأكد الزعبي أنه لا يبرئ النظام من عمليات الاغتيال، لكن رأى أن مثل هذه الاغتيالات وفي هذا التوقيت قد لا يكون النظام المسؤول عنها، لأن الفوضى في درعا ليست في مصلحته، حيث السلاح ينتشر في كل مكان، وقواته محدودة العدد، وهو بالتالي لا يحتاج الى فوضى جديدة بدرعا.
واللافت أن عمليات الاغتيال تترافق مع حركة نشطة لقادة الفصائل السابقين، سواء باتجاه العودة الى محافظة درعا بترتيب مع الجانب الروسي، أم للخروج من درعا.
وقالت مصادر محلية إن عماد أبو زريق، القائد العسكري لما كان يعرف بـ"جيش الثورة"، عاد إلى الجنوب السوري عبر معبر نصيب الحدودي قادماً من الأردن بتنسيق مع فرع الأمن العسكري برئاسة لؤي العلي، وذلك بعد تسليمه العديد من مستودعات السلاح عن طريق قريبه غسان أبو زريق، والتي كانت موجودة في إحدى المزارع المحيطة بمعبر نصيب، وذلك في بادرة "حسن نية" من جانب أبو زريق مقابل عودته.
وكان أبو زريق غادر الجنوب السوري بطريقة غير شرعية بصحبة قائد "جيش اليرموك" بشار الزعبي، والعديد من القادة مثل أبو سيدرا قائد فوج المدفعية ورائد الراضي القيادي في فرقة "فلوجة حوران"، بعد سيطرة قوات النظام على معبر نصيب.
وقالت مصادر مطلعة في محافظة درعا لـ"العربي الجديد" إن ثمة تنافسا بين بعض "قادة المصالحات" لكسب ود النظام، عن طريق الكشف عن أماكن مستودعات السلاح مقابل بعض الامتيازات مثل تسليمهم مناصب والحصول على بطاقات أمنية وسيارات.
وفي الوقت ذاته، غادر قائد "غرفة عمليات البنيان المرصوص" في درعا سابقاً، جهاد المسالمة، إلى الإمارات في ظروف "غامضة"، مع قرب انتهاء اتفاق التسوية الذي دخلت فيه المحافظة.
وقالت مصادر محلية إن المسالمة وصل إلى الإمارات قبل أيام ضمن تفاهمات مع روسيا، التي ضمنت له ذلك شرط إنجاز أمور عدة، خاصة باتفاق التسوية.
وتعتبر "غرفة عمليات البنيان المرصوص" أبرز التشكيلات العسكرية التابعة لـ"الجيش الحر" في مدينة درعا سابقاً، وهي قادت العمليات العسكرية في درعا البلد منذ كانون الأول 2015 حتى آب 2018.