حميميم... فردوس الجنود في حدود روسيا التي لا تنتهي

13 نوفمبر 2019
في القاعدة غرف للتفريغ النفسي (Getty)
+ الخط -
على عكس الأوضاع المأساوية للخدمة العسكرية في روسيا، ينعم جنودها في قاعدتي حميميم وطرطوس بحياة رغيدة. ويتوفر في قاعدة حميميم، الواقعة في منطقة تصلح لتكون منتجعاً جبلياً، لا يبعد البحر كثيراً عنها، وتحيط بها الأشجار الخضراء، كل ما يلزم لظروف الحياة الكريمة للجنود، حسب ما خلص إليه فريق من نخبة المجتمع الروسي، ضم أطباء وكتاباً وفنانين مرموقين وجنرالات متقاعدين، زاروا قاعدتي حميميم وطرطوس، أول من أمس الإثنين، ضمن جولات لتفقد الأوضاع الحياتية للجنود الروس في ثكناتهم العسكرية المنتشرة في البلاد وخارجها.

وقال عضو المجلس الاجتماعي لوزارة الدفاع الروسية العقيد فاليري فوستروتين، في حوار مع وكالة "تاس" الروسية، إنه كان في سورية قبل أربع سنوات، مشيراً إلى أن "كل شيء تغير بشكل كبير نحو الأفضل مقارنة بالزيارة الأولى". وأضاف: "الظروف المعيشية التي تم توفيرها للجنود، والضباط وأفراد القيادة، وحتى للبحارة العاديين، مثالية. كل شيء يتم التفكير فيه بأدق التفاصيل. الطعام متنوع، وكامل السعرات الحرارية، وصحي. نحن راضون عن هذا وسنبلغ وزير الدفاع" سيرغي شويغو. وعلى مقربة من السلك الشائك المحيط بقاعدة حميميم نصبت لوحة إعلانات معدنية رسم عليها علم روسيا، وعليها عبارة "حدود روسيا لا تنتهي في أي مكان" بتوقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومقتبسة من إجابته منذ أعوام عن سؤال لطفل صغير عن حدود روسيا التي ربما باتت أيضاً في قلب المياه الدافئة شرق المتوسط.

وفي السنوات الأخيرة، تحولت قاعدة حميميم إلى مدينة متكاملة. وفي تقرير لصحيفة "أرفومنتي إي فاكتي" حول زيارة الوفد الروسي إلى سورية، نشرت الصحيفة صوراً للحياة داخل القاعدة. وكتب المراسل العسكري ألكسندر سلادكوف، الذي زار القاعدة أكثر من مائة مرة، أن العسكريين الروس يطلقون على حميميم اسم "خيمكي"، نسبة إلى المنطقة الملاصقة لموسكو شمالاً. وأشار إلى أن "القاعدة تطورت لتصبح مدينة عسكرية حقيقية، بشوارعها وساحاتها التي تحمل أسماء الجنود والضباط الروس الأبطال. يوجد شارع باسم بطل روسيا أوليغ بيشكوف، وآخر باسم بطل روسيا الطيار رومان فيليبوف، وثالث باسم بطل الاتحاد السوفييتي الجنرال فاسيلي مارغيلوف، وساحة بطل روسيا الجنرال فاليري أسابوف".

ونقل تقرير الصحيفة الروسية عن أعضاء في المجلس الاجتماعي، المعني بمراقبة جودة ظروف الخدمة، قول بعضهم إن "ما يثير الفضول هو أن الجنود هنا لديهم ظروف معيشية أفضل من ظروف الضيوف من موسكو. لدى الجنود كابينات استحمام، وغسالات، وصالات رياضية مزودة بأجهزة رياضية، وغرف التفريغ النفسي. هذا جيشنا اليوم". وقال أحد المراقبين: "ما يلفت النظر هو أن المكان ليس بلدنا، ليس روسيا، خصوصاً النظافة والترتيب الجيد. في منتصف القاعدة الجوية هناك ساحة يزرع فيها الضيوف البارزون الأشجار. وأيضاً توجد نافورة جميلة، إنه الفردوس، وبالإضافة إلى الكنيسة هناك فرن للخبز والمعجنات الروسية، وملاعب رياضية ومكتبات".

تم تسمية أحد الشوارع باسم الطيار رومان فيليبوف 



وفي السنوات الأخيرة، وسعت روسيا القاعدتين كثيراً، وباتت حميميم قادرة على استقبال الطائرات العسكرية الضخمة، وزودتها بأجهزة تستطيع مسح كامل الأراضي السورية، بالإضافة إلى لبنان وإسرائيل والعراق وإيران حسب مسؤولين في غرفة المراقبة. ليخلص التقرير إلى أن "جيشنا جاء إلى هنا ليبقى لفترة طويلة". ولم يخف فريق التفتيش انبهاره بمركز التحكم في القاعدة. وجاء في التقرير أن "هذا خيالي بشكل عام، كما في أفلام الخيال العلمي. كل أراضي سورية على شاشات ضخمة، إذا لزم الأمر، يتم تكبير المكان لرؤية أي مكان حتى لو كان محلاً صغيراً، والكهف حيث يوجد المسلحون".



ويتقاضى الجنود والموظفون في حميميم أربعة أضعاف ما يتقاضاه المتعاقدون داخل روسيا. وقال أحد مقاتلي "تيغر"، من مدينة بوديونوفسك، إن الراتب يبلغ 1800 دولار أميركي مقابل 26 ألف روبل (400 دولار) في روسيا، مشيراً إلى أن كُثراً من زملائه مددوا عقودهم عدة مرات بعد انتهائها. وتختتم صحيفة "أرفومنتي إي فاكتي" تقريرها بأنه "يجب أن نفخر بالجيش الذي لدينا اليوم في سورية من الجنود إلى الجنرالات". وفي المقابل، ما زالت قضية قتل مجند روسي ثمانية زملاء له تثير جدلاً في المجتمع الروسي، حول ظروف الخدمة السيئة في معسكرات الجيش الروسي شرق البلاد والإهانات التي يتعرض لها المجندون الجدد.

لوحة كتب عليها: حدود روسيا لا تنتهي بأي مكان 


واضح أن روسيا التي باتت تتحكم بمعظم الأراضي السورية، وتنظم "حركة مرور الطائرات"، وترسم خطوط التماس بين القوى على الأرض تطمح إلى وجود دائم في المنطقة تؤسس له بالقاعدتين، اللتين تتجاوز مهمتهما "محاربة الإرهاب" في سورية. وحسب علماء النفس، فإن في كل مزحة جزءاً من الحقيقة. ففي حفل توزيع الجوائز للفائزين بجائزة الجمعية الجغرافية الروسية، نهاية 2016، سأل بوتين، في حوار مع ميروسلاف أوسكيركو (9 سنوات)، الذي أصبح نجماً على الإنترنت بفضل معرفته بعواصم جميع دول العالم، "أين تنتهي الحدود الروسية؟"، ليجيب في حوار نقلته التلفزة الروسية: "تنتهي حدود روسيا عند مضيق بيرينغ، حيث تقع الولايات المتحدة"، ليرد بوتين ضاحكاً: "حدود روسيا لا تنتهي في أي مكان"، مستدركاً: "لكن هذه مزحة". وبين هذا وذاك ربما باتت حميميم، أو سورية بأكملها، جزءاً من "العالم الروسي" غير المحدود الذي يروج له القوميون الروس. ومعلوم أن وزارة الدفاع الروسية ذكرت، في بيان في 21 أغسطس/آب 2018، أن أكثر من 63 ألف جندي روسي اكتسبوا خبرة قتالية في سورية، بينهم 26 ألف ضابط و434 جنرالاً. وأكد الجيش الروسي أنه جرب وطور أكثر من 300 نوع من الأسلحة بالاستفادة من الميدان السوري.