وثائق مسرّبة تكشف صفقات روسية بـ13 دولة أفريقية لتمكين "عملاء" من الحكم

11 يونيو 2019
بوتين يبحث عن موطئ قدم (Getty)
+ الخط -
نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية تحقيقاً مطولاً حول التدخل الروسي في القارة الأفريقية بناء على وثائق سربها مركز أبحاث روسي معارض، كشفت وجوداً روسياً في 13 دولة أفريقية على الأقل، يقوم على علاقات مع الأنظمة التي تحكم هذه الدول، أو من خلال صفقات عسكرية أو حتى من خلال تحضير "قادة" و"عملاء" لحكم البلاد.

ويقود الحملة الروسية رجل الأعمال الروسي، يفغيني بريغوجين، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتشير الوثائق إلى أن أحد أهداف التوسع الأفريقي يتمثل في الضغط على الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية السابقة مثل بريطانيا وفرنسا بهدف طردها من المنطقة. كما نهدف أيضا إلى منع أي ثورات "مؤيدة للغرب".
وكان المحقق الأميركي الخاص في التدخل الروسي المحتمل بالانتخابات الأميركية، روبرت مولر، قد اتهم بريغوجين بقيادة "مصنع المتصيدين" أو "الترولز" المتمركز في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، والذي خاض حملة شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم دونالد ترامب خلال سباق الرئاسة عام 2016. كما تشير الصحيفة إلى أن مليشيا واغنر الروسية التي تقاتل في أوكرانيا وسورية مرتبطة برجل الأعمال ذاته.
وتكشف الوثائق أيضاً عن مدى الطموح الروسي في أفريقيا، حيث تسعى موسكو من خلال علاقاتها إلى جعلها موطئ قدم استراتيجيا. ويتم تنسيق هذه الأنشطة من خلال موظفين في وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين.
وكان بوتين قد أبدى القليل من الاهتمام بأفريقيا بداية القرن الماضي، إلا أن العقوبات الغربية المفروضة بعد ضمه للقرم عام 2014 دفعت موسكو للبحث عن أصدقاء استراتيجيين جدد، وطرق أبواب صفقات أعمال جديدة.
وتمتلك روسيا وجوداً عسكرياً في جمهورية أفريقيا الوسطى، والتي تصفها الوثائق بأنها "ذات أهمية استراتيجية" وتفصل بين "الشمال المسلم والجنوب المسيحي". وتسمح لموسكو بالتوسع "عبر القارة" وفي الوقت ذاته إبرام صفقات ضخمة للتنقيب عن المعادن.
وكان الكرملين قد أعلن عن إرسال فريق من قواته إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة نهاية الشهر الماضي. ووفقاً للمتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف فإن هذه القوات استشارية تهدف لتشغيل الأسلحة الروسية.
وتبع ذلك بخمسة أيام إعلان روسي عن نية موسكو عقد أول قمة روسية أفريقية في أكتوبر/ تشرين الأول في منتجع سوتشي على البحر الأسود، حيث سيترأس الجلسات بوتين والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبحضور 50 رئيساً أفريقياً.
وتشير الوثائق إلى أن أوثق العلاقات الروسية في القارة هي مع جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومدغشقر، ويتبع ذلك ليبيا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا، ومن ثم تأتي جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد وزامبيا.
كما تشير الوثائق إلى وجود فئة من الدول يجري التخطيط للعمل معها وتشمل أوغندا وغينيا الاستوائية ومالي. أما ليبيا وإثيوبيا فهي دول توجد يمكن العمل معها.

وتكشف خريطة اطلعت عليها الصحيفة البريطانية، وتعود لديسمبر/ كانون الأول 2018، عن عدة درجات من التعاون بين "الشركة" والحكومات الأفريقية، وتشمل الروابط السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتدريب الشرطة، والمشاريع الإعلامية والإنسانية، و"التنافس مع فرنسا". وقامت بتصنيف العلاقات على سلم من خمس درجات، أعلاها الرقم خمسة.

وتشير الخريطة إلى أن العلاقات مع جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومدغشقر تصنف في الدرجة الخامسة، بينما منحت أربع درجات للعلاقات مع ليبيا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا. وتأتي جنوب السودان عند الدرجة الثالثة، فيما تكون تشاد وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية عند الدرجة الثانية.

وتشير وثائق أخرى إلى كل من أوغندا وغينيا الاستوائية ومالي على أنها "دول نخطط للعمل معها". أما ليبيا وإثيوبيا فهي دول "التعاون فيها ممكن". وكان الكرملين قد عزز من عملياته مؤخراً في ليبيا. كما كان قد وجه دعوة للواء المتقاعد خليفة حفتر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، للقاء وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وهو اللقاء الذي حضره أيضاً بريغوجين. أما العلاقات مع مصر فوصفت على أنها "داعمة تقليدياً".

وتشير الوثائق أيضاً إلى عدد من "الإنجازات" التي حققتها "الشركة". فهي تزعم أنها تخلصت من سياسيين "ذوي ميول فرنسي"، بمن فيهم ممثلون في المجلس الوطني، ووزير الخارجية، في إشارة محتملة إلى شارل أرميل دوبان الذي طرد من الحكومة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وتزعم أيضاً أنها "عززت من قوة" الجيش وأنشأت صحفاً ومحطة راديو. وتصف روسيا نفسها "صديقاً بنسبة 83 في المائة".

وتزعم الخريطة أيضاً أن الرئيس الجديد لمدغشقر، أندري راجولينا، قد نجح في الانتخابات "بدعم من الشركة"، وأن روسيا تطبع وتوزع أكبر صحيفة في الجزيرة، والتي تبيع نحو مليوني نسخة شهرياً. وينفي رئيس مدغشقر الدعم الروسي.


أما السودان فيعد أحد مفاتيح العلاقات الروسية في القارة. فقد رسم الأخصائيون الروس برنامجا للإصلاح السياسي والاقتصادي في السودان نهاية العام الماضي، بهدف الإبقاء على الرئيس المخلوع عمر البشير في السلطة. وشملت الخطة تشويه سمعة المتظاهرين ضد الحكومة، في نسخ تام للاستراتيجية التي تتبعها السلطات الروسية ضد معارضي بوتين. بل إن الصحيفة البريطانية تشير إلى أن إحدى الوثائق ذكرت اسم روسيا بدلاً من السودان عند الحديث عن هذه الاستراتيجية.

وتشير الوثائق إلى أن إحدى الطرق المتبعة هدفت لنشر الأخبار الكاذبة والتسجيلات المزورة لتصوير المتظاهرين في الخرطوم والمدن السودانية الأخرى على أنهم "معادون للإسلام" و"مؤيدون لإسرائيل" و"مؤيدون لحقوق مجتمع الميم (المثليين)". وأوعز للحكومة السودانية برفع أسعار المطبوعات الصحافية مما يصعب على المعارضين نشر أفكارهم، إضافة إلى "اكتشاف أجانب" في التظاهرات المعادية للحكومة.

وفي رسالة مسربة يشتكي بريغوجين للبشير من فشل الأخير في اتباع النصائح الروسية، ويدين بريغوجين فيها "عدم تحرك" الحكومة السودانية و"موقفها شديد الحذر".

وكان الجيش السوداني قد أطاح بحكومة البشير في انقلاب عسكري في أبريل/ نيسان. بينما قامت قوات التدخل السريع (الجنجويد) بارتكاب مجزرة ضد المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية، متسببة بمقتل العشرات. وكان المستشارون الروس قد حثوا المجلس العسكري السوداني على قمع التظاهرات "بأقل قدر من القتلى"، وفقاً لتصريح لمصدر حكومي سابق لـ"سي إن إن".

وفي الوقت ذاته تسعى موسكو لاستغلال النزاع الحدودي في جزر القمر. وتسيطر فرنسا مباشرة على واحدة من أربع جزر في المحيط الهندي، وهي جزيرة مايوت. وتكشف الوثائق أن موظفي شركة بريغوجين سافروا إلى جزر القمر عبر بيلاروسيا، وكان هدفهم استكشاف فيما إذا كانت "التقنيات السياسية" قادرة على تأزيم الوضع بين فرنسا وجزر القمر.

وتقول الوثائق أيضاً بوجود عدد من المشاريع الروسية العابرة للدول مثل بناء شبكات طرق وسكك حديدية. وتشمل هذه المشاريع شبكة تربط دكار في السنغال بمدينة بورسودان في السودان، على طول "طريق الحج القديم". كما يوجد مشروع آخر منفصل بطول 3700 كيلومتر لربط بورسودان بدوالا في الكاميرون. ولا تزال هذه المشاريع حبراً على ورق.

وتوجد أيضاً خطط روسية لإعادة إحياء "الوعي الأفريقي" بصورة مشابهة لفكرة "العالم الروسي". وهذه الفكرة اكتسبت شعبية خلال عهد بوتين وتشير إلى انتشار القوة الروسية وثقافة روسيا خارج حدودها الحالية.

وتزعم إحدى الوثائق ذات العنوان "العالم الأفريقي"، والمؤرخة مارس/ آذار 2018، عن نيتها تطوير "الهوية الذاتية الأفريقية". وتوصي بجمع قاعدة بيانات عن الأفارقة المقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي قد تستخدم لتشكيل "زعماء مستقبليين" و"عملاء ذوي نفوذ". ويكمن الهدف النهائي في خلق "سلسلة من الممثلين ذوي الولاء عبر الأراضي الأفريقية".

وتوجد تفاصيل أخرى في هذه الوثائق عن معايير أكثر عملية تشمل إعداد منظمات غير حكومية تتحكم بها موسكو في الدول الأفريقية وتقوم بتنظيم اجتماعات محلية.

وليس جلياً عدد مبادرات بريغوجين التي تم تطبيقها على أرض الواقع. فهناك أدلة على وجود مشاريع إعلامية مذكورة في الوثائق وموجودة عملياً، ولكنها ذات تأثير هامشي. وتشمل هذه المبادرات موقع الصوت الأفريقي اليومي Africa Daily Voice، والذي يتخذ من المغرب مقراً له. كما يوجد أيضاً خدمة إخبارية ناطقة بالفرنسية تدعى بانوراما أفريقية Afrique Panorama، ومقرها في عاصمة مدغشقر.

كما توجد وثائق أخرى تقترح بناء قواعد روسية عسكرية في عدد من الدول الأفريقية المقربة.