لبنان: "النصرة" تريد حرية جمانة حميّد

12 اغسطس 2014
دوريات للجيش اللبناني على طريق عرسال (حسين بيضون)
+ الخط -
هل تذكرون جمانة حميّد؟ في فبراير/شباط الماضي، أوقف الجيش اللبناني سيارة فيها ثلاث نساء وتقودها جمانة، وتبيّن لاحقاً أن السيارة مفخخة. أطلق سراح السيدتان لاحقاً لعدم ثبوت تورطهما بالملف، وبقيت جمانة في السجن بسبب دورها في نقل سيارات مفخخة إلى بيروت وتسليمها لانتحاريين. كانت السيارات تصل من جرود القلمون إلى عرسال، ومنها تنقلها حميّد للانتحاريين.

حميّد، هي المطلب الأول لـ"جبهة النصرة" للمبادلة مع العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى "النصرة" وتنظيم "داعش"، الذي لا يزال يصرّ على إطلاق سراح أبو أحمد جمعة، قائد لواء فجر الإسلام الذي بايع "داعش" منذ ستة أسابيع. وصلت هذه المطالب إلى الوفد المفاوض الذي انتدبته هيئة العلماء المسلمين لإكمال المفاوضات بعد إصابة الشيخ سالم الرافعي، الذي ترأس الوفد، خلال دخوله إلى طرابلس. لكنها لم تُنقل بعد إلى السلطات اللبنانية. يسعى المفاوضون إلى الحصول على تنازلات من الجهات الخاطفة، خصوصاً لجهة إطلاق سراح حميّد، لأن هذا الأمر إذا ما حصل، قد يؤدي إلى إشكال كبير في لبنان.

المفاجأة الأخرى في عمليّة التفاوض، هي دخول المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، على خط التفاوض. دخول إبراهيم ليس جديداً، إذ إنه بدأ عمليّة التفاوض منذ اللحظة الأولى مع "أبو طلال"، وهو نائب جمعة. وبحسب ما نقل "أبو طلال" للوفد المفاوض، فإن إبراهيم قال له إنه على استعداد لإطلاق جمعة خلال 72 ساعة، مقابل إطلاق سراح العسكريين.

وتعود معرفة إبراهيم بهذه المجموعة إلى مرحلة معركة يبرود والمفاوضات على إطلاق سراح راهبات معلولة المخطوفات. وقاد إبراهيم هذه المفاوضات بنجاح، رغم الشرط الذي وضعه الخاطفون في الساعات الأخيرة وهو إطلاق سراح المواطنة العراقية سجى الدليمي وأطفالها، والتي تبيّن لاحقاً انها على صلة قرابة بأحد قياديي "داعش".

مطالبة "النصرة" لإطلاق سراح حميّد، مضافاً إلى الخطوات التي قامت بها هذه الجبهة، في معارك عرسال يُثبت أنها النسخة الأكثر ذكاء من "القاعدة" حتى الآن، وهو ما يجعلها الأخطر. فإذا كان "داعش" النسخة الأكثر دمويّة، والذي لا يأبه لأوضاع المدنيين، وهو أمر تكرر في عرسال، وفي سورية والعراق، فإن "النصرة" هي النسخة الأكثر استفادةً من تجارب "القاعدة". وفي إعادة قراءة هادئة لمعارك عرسال، لا بد من تسجيل النقاط الثلاث التالية:

1 ــ لم يكن الجيش اللبناني مستعداً لهكذا مواجهة. وتبين أن هناك نقصاً استخبارياً جدياً، أو أن هناك من يُريد أن يُخطف العسكريين؛ فرغم مناشدات أهالي عرسال لحواجز الجيش بأخذ الحذر، وإبلاغهم بأن المسلحين باتوا محيطين بهم، فإن أي إجراء لم يُتخذ، ولم تصل أي تعزيزات عسكرية رغم وجود فاصل من خمس ساعات بين اعتقال القيادي في "داعش"، أحمد جمعة وبدء الاشتباكات.

2 ــ أثبت "داعش" مجدداً، أن مصالحه تتقاطع أحياناً كثيرة مع مصالح النظام السوري، وأن الطرفين يُقدمان خدمات متبادلة. سلوك يُمارسه التنظيم، حتى يتمكّن من هذه المنطقة أو تلك. فمعركة عرسال وجهت ضربة قاسية لحرب العصابات التي كان مقاتلو القلمون (كتائب سورية معارضة وجبهة النصرة) يخوضونها ضد الجيش السوري وحزب الله.

3 ــ قدّمت النصرة لمن يُمكن أن يتقبلها لبنانياً، أوراق اعتمادها. فعند بدء معارك عرسال، دخل مقاتلو "داعش" إلى البلدة واصطدموا بأهلها. في المقابل، دخلت "النصرة" وعملت على إخراج مقاتلي "داعش"، ووضعت حماية المدنيين السوريين واللبنانيين ودخول المساعدات الطبية كأولوية لها خلال المفاوضات. كما لم يتواجه عناصرها مع أبناء عرسال.

انطلاقاً من هذه النقاط، لا بدّ من التساؤل حول سبب عدم إرسال تعزيزات للجيش إلى المراكز المتقدمة له. لكن الأهم، تفرض القراءة الهادئة لأحداث عرسال وضع خطة وطنية لمواجهة خطر تمدد "النصرة" في لبنان، وإمكانية وصول "داعش" بأعداد كبيرة إلى الحدود اللبنانية السورية. يقول مسؤولون أمنيون سابقون، عملوا بشكلٍ كبير على ملف الجهاديين في لبنان، إن البلد يمرّ بأخطر مرحلة لجهة خطر الجهاديين عليه. ويلفت هؤلاء إلى أن الخطورة الأبرز هي أن أي تعاطٍ خاطئ مع الموضوع، قد يؤدي إلى تحوّل الأمر إلى انقسام داخلي لبناني. لذلك يقول هؤلاء، إن الحلول الامنيّة ليست حلولاً وحيدة، بل يجب أن تكون جزءاً من سياسة وطنية.

المساهمون