الأمم المتحدة: "اتفاقية باريس" مهدّدة ويجب بذل المزيد وفوراً لمواجهة أزمة المناخ

08 سبتمبر 2023
من تحرّك سابق من أجل المناخ (عبد الحميد هوشباش/ الأناضول)
+ الخط -

شدّد التقرير الأول الخاص بالجهود المبذولة في إطار تطبيق اتفاقية باريس للمناخ المبرمة في عام 2015، والذي نشرته الأمم المتحدة اليوم الجمعة، على وجوب أن تبذل دول العالم بأسره "مزيداً من الجهود وفوراً على كلّ الجبهات" في مجال مكافحة تغيّر المناخ.

فهذا التقييم، الذي أتى تحت إشراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، وفي تقرير مؤلّف من 90 صفحة، استخلص "17 درساً رئيسياً"، وبيّن أنّ "العالم لا يسلك مساراً يؤدّي إلى تحقيق أهداف اتفاقية باريس طويلة الأمد".

وأوضح التقييم أنّه لا بدّ لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من أن تبلغ ذروتها قبل عام 2025 في حال أراد العالم حصر الاحترار المناخي بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بما قبل العصر الصناعي. أضاف أنّ تحقيق الحياد الكربوني يتطلب من جهته تطوير مصادر طاقة متجدّدة، إلى جانب التخلّي عن كلّ مصادر الطاقة الأحفورية من دون احتجاز ثاني أكسيد الكربون.

وتكمن أهميّة هذا التحذير الجديد، الذي يستند إلى التقارير العلمية للهيئة الحكومة الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ التي دقّت ناقوس الخطر، في أنّها سوف تشكّل قاعدة أساسية للمفاوضات الشاقة في خلال النسخة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 28).

ومن المتوقّع أن تتمحور المحادثات في خلال مؤتمر "كوب 28"، الذي يُعقَد في الإمارات ما بين 30 نوفمبر/ تشرين الثاني و12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، حول مستقبل مصادر الطاقة الأحفورية من نفط وغاز وفحم، علماً أنّ هذا المؤتمر يُعَدّ الأكبر من نوعه مع توقّع مشاركة 90 ألف شخص فيه.

وهذا التقييم الأوّل لكلّ الجهود التي بُذلت أو التي لم تُبذل منذ عام 2015 لاحترام اتفاقية باريس، يمثّل المرحلة الفنية الأولى لـ"الحصيلة العالمية" (غلوبال ستوك تايك) التي ينبغي على الدول الموقّعة على اتفاقية باريس إنجازه في مؤتمر "كوب 28".

وينبغي على هذه الدول التوصّل إلى قرار سياسي يكون بمستوى التحديات والرهانات، خصوصاً بعد تسجيل أكثر فصول الصيف حراً في العالم هذا العام مع موجات قيظ متعدّدة وفيضانات وحرائق غابات واسعة النطاق وظواهر جوية متطرّفة أخرى سبّبها تغيّر المناخ.

الصورة
تحرك من أجل المناخ بالتزامن مع قمة مجموعة العشرين في الهند (Getty)
تحرّك مطالب بوضع حدّ للوقود الأحفوري بالتزامن مع قمّة لمجموعة العشرين في الهند اليوم (Getty)

يُذكر أنّ التقييم نُشر اليوم، في حين بدأ قادة مجموعة العشرين بالتوافد إلى نيودلهي للمشاركة في قمّة لا يُتوقَّع منها أن تسمح بتحقيق تقدّم طموح على صعيد مسألة المناخ. وفي حين تتراجع انبعاثات غازات الدفيئة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا منذ سنوات، فإنّها ما زالت ترتفع في الصين التي تُعَدّ المسبّب الأوّل لها، وكذلك في الهند.

ويُعَدّ التقييم الذي يأتي تحت عنوان "حصيلة الجهود العالمية لتطبيق اتفاقية باريس" وثيقة مرتقبة منذ مدّة، الأوّل من نوعه منذ إبرام تلك الاتفاقية قبل ثمانية أعوام.

وكانت دول العالم قد تعهّدت، في إطار هذه الاتفاقية، باحتواء الاحترار المناخي العالمي دون درجتَين مئويتَّين بكثير مقارنة بالمستويات المسجّلة ما قبل الثورة الصناعية، والسعي إلى حصره بحدود 1.5 درجة مئوية.

وقد ارتفعت حرارة الأرض حتى الآن بنحو 1.2 درجة مئوية، وبات العالم يعاني من ظواهر جوية قصوى من موجات قيظ وجفاف وفيضانات وحرائق غابات هائلة ضربت مناطق مختلفة من العالم في هذا الصيف الذي يُعَدّ أكثر مواسم الصيف حراً على الإطلاق.

وجاء في التقييم أنّ "ثمة فرصة قد تتلاشى سريعاً لتعزيز الطموحات وتطبيق الالتزامات المعلنة لحصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية". ودعا مجدّداً إلى مضاعفة الجهود على صعيد التمويل وتوفيره خصوصاً للدول النامية وخفض الانبعاثات واتّخاذ إجراءات للتكيّف مع تغيّر المناخ.

ويتطلب تحييد أثر الكربون تحوّلات عميقة في كلّ القطاعات والمجالات، "بما في ذلك تطوير مصادر طاقة متجدّدة والتخلّي التدريجي عن مصادر الطاقة الأحفورية من دون احتجاز ثاني أكسيد الكربون" بحسب ما جاء في التقييم.

وبهدف تحقيق هذه الأهداف، لا بدّ من أن تخفّض البشرية "الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة بنسبة 43 في المائة بحلول عام 2030 وبنسبة 60 في المائة بحلول عام 2035 مقارنة بمستويات عام 2019"، وتحقيق الحياد الكربوني في عام 2050، بحسب ما شرح التقييم.

في سياق متصل، كان الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ سيمون ستيل لوكالة فرانس برس، أمس الخميس، إنّ "الدول الـ197 الموقّعة على اتفاقية باريس لا تحترم حتى الآن المبادئ الأساسية (للاتفاقية)، إلا أنّ الجزء الأكبر للاستجابة يقع على عاتق عشرين دولة" في إشارة إلى مجموعة العشرين.

وقد صاغ التقرير الخاص بالتقييم خبيران من جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأميركية، بعد مشاورات استمرّت سنوات مع خبراء الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ.

وبحسب التقييم، ثمّة حاجة إلى توفير تريليونات الدولارات، علماً أنّ نحو 1342 مليار دولار سنوياً (استثمارات ودعم) موّلت الوقود الأحفوري في عامَي 2019-2020. وفي الوقت نفسه، بلغ تمويل العمل من أجل المناخ 803 مليارات دولار سنوياً، أي ثلث الاحتياجات اللازمة لتنفيذ اتفاقية باريس.

وعلّقت السفيرة فاتومانافا باوليلي لوتيرو، التي ترأس تحالف الدول الجزرية الصغيرة، قائلة إنّ "هذا التقييم يوجّه لنا ضربة قاسية جديدة"، لكنّها أشارت غلى أنّه يقول كذلك "إنّنا لم نفقد كلّ شيء". أضافت "لكنّه يتوجّب علينا أن نكون واقعيّين (...) وأن نتوقّف عن وضع الأرباح قبل الناس".

من جهته، قال كافيه غيلانبور من مركز "سي 2 إي إس" للأبحاث حول المناخ إنّ "نجاح مؤتمر كوب 28 مرهون في جزء كبير منه بطريقة تفاعل العالم مع نتائج الحصيلة العالمية. لكنّ ساعة الحقيقة سوف تُدَقّ مطلع عام 2025، عندما ينبغي على الدول طرح أهداف مناخية جديدة" مثلما تنصّ اتفاقية باريس.

(فرانس برس)

المساهمون