أدانت الأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، الاستراتيجيات التسويقية "غير الأخلاقية" التي يعتمدها مصنّعو المنتجات البديلة من حليب الأمّ الطبيعي، متّهمة تلك الجهات بأنّها "تُعلي مصالح المساهمين فيها على مصلحة الأطفال والصحة العامة".
ولطالما شجّعت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) النساء على الرضاعة الطبيعية لما لها من فوائد صحية طويلة الأمد للأمّ والطفل على حدّ سواء. لكنّ تقريراً لم يسبق نشره أُعدّ بتكليف من هاتَين المنظمتَين خلص إلى أنّ الجهات الفاعلة في القطاع والتي تحقّق إيرادات سنوية تبلغ 55 مليار دولار أميركي تُنفق ما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار على حملات ترمي إلى التأثير على قرار الوالدَين أو النساء الحوامل.
وأوضح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أنّ "هذا التقرير يُظهر بوضوح أنّ تسويق البديل من حليب الأمّ ما زال منتشراً بشدّة ومضللاً وعدوانياً". أمّا كاثرين راسل التي ترأس "يونيسف" منذ الأوّل من فبراير/ شباط 2022 فقالت: "نحتاج إلى سياسات وتشريعات واستثمارات قوية على صعيد الرضاعة الطبيعية لضمان حماية النساء من ممارسات التسويق غير الأخلاقية".
"We have been targeted with marketing from formula milk companies."
— World Health Organization (WHO) (@WHO) February 22, 2022
Over half of parents & pregnant women exposed to formula milk marketing, violating international standards and harming child health
-🆕 WHO, @UNICEF survey
➡️ https://t.co/86Bf69PSeK#EndExploitativeMarketing pic.twitter.com/BuhQPgM3OX
وفي سياق متصل، يقول طبيب الأطفال نايجل رولينز الذي أشرف على الدراسة لحساب منظمة الصحة العالمية، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس": "نرى التسويق في كلّ مكان. نرى طرقاً مختلفة تكون أحياناً شفافة، وفي أحيان أخرى تكون أكثر تركيزاً على المجال الرقمي، في حين يُستهدَف في حالات أخرى اختصاصيّو الرعاية الصحية" بفعل قدرتهم على التأثير.
وقد شملت الدراسة مقابلات مع 8500 شخص من الأهل والنساء الحوامل، بالإضافة إلى 300 من المتخصصين الصحيين في ثماني دول هي جنوب أفريقيا وبنغلادش والصين والمغرب والمكسيك ونيجيريا والمملكة المتحدة وفيتنام. وقد اختير هؤلاء ليكونوا ممثلين جغرافياً ومنوّعين إلى حدّ ما، في ما يتعلق بنسب الرضاعة الطبيعية. يُذكر أنّه في المملكة المتحدة، تعرضت 84 في المائة من النساء اللواتي شملهنّ الاستطلاع لتسويق بدائل حليب الأمّ، فيما بلغت النسبة 92 في المائة في فيتنام و97 في المائة في الصين.
وعلى الرغم من الفوائد الصحية المعروفة، فإنّ 44 في المائة فقط من الأطفال دون ستة أشهر يتغذّون حصرياً من الرضاعة الطبيعية، وفق منظمة الصحة العالمية ومنظمة "يونيسف". لكنّ الهيئتَين الأمميتَين تشيران إلى أنّ "معدّل الرضاعة الطبيعية في العالم زاد بشكل طفيف جداً في السنوات العشرين الماضية، فيما تضاعفت مبيعات حليب الأطفال في خلال الفترة نفسها تقريباً".
Having a baby? They already know.
— UNICEF (@UNICEF) February 23, 2022
To protect children's health, UNICEF and @WHO are calling for the immediate end of exploitative formula milk marketing.#EndExploitativeMarketing pic.twitter.com/JsmOsYX5Ws
ويلفت رولينز إلى أنّ "الأمهات في كلّ أنحاء العالم يقلنَ إنّهنّ يرغبنَ في تقديم الأفضل فقط لأطفالهم (...) وترى الجهات العاملة في الصناعة والتسويق فرصة تجارية في ذلك". يضيف أنّ "بكاء الطفل وعدم نومه أمران مؤلمان جداً للوالدَين، ويستغلّ المصنّعون هذه اللحظات ليقولوا: لدينا الحلّ لمثل هذه المشكلات". ويشدّد رولينز على أنّ "حملات التسويق تعتمد في أحيان كثيرة على معلومات غير مؤكدة علمياً ولا تستند إلى أيّ بحث متين، لكنّها تتيح للشركات العاملة في القطاع زيادة أرباحها".
وقد أبدت منظمة الصحة العالمية ومنظمة "يونيسف" قلقهما، خصوصاً إزاء استهداف المصنّعين للعاملين الصحيين "الذين يتمّ الاتصال بهم للتأثير على توصياتهم للأمهات اللواتي أنجبنَ حديثاً". ويشمل ذلك مروحة واسعة من الخيارات، من بينها تقديم عيّنات مجانية وهدايا ترويجية وتمويل أبحاث وندوات، لا بل كذلك تقاسم الأرباح في بعض الأحيان.
وسط كلّ ذلك، يشدّد رولينز على أنّ "الحلّ لا يكمن في سحب حليب الأطفال من المتاجر، إذ إنّ ثمّة أهالي لا يملكون ببساطة أيّ خيار آخر". لكنّه يعبّر عن اعتقاده بضرورة "إصدار تشريعات بهدف تجنّب الممارسات المسيئة والمضللة".
تجدر الإشارة إلى أنّ جمعية الصحة العالمية، وهي الهيئة التقريرية العليا في منظمة الصحة العالمية، تعتمد مدوّنة لقواعد السلوك منذ عام 1981 لكنّها لم تُحوَّل في أحيان كثيرة إلى تشريعات وطنية أو لم تدخل حيّز التنفيذ.
وتوصي منظمتا الأمم المتحدة كذلك ببرامج دعم للرضاعة الطبيعية، من قبيل منح أيام كافية من إجازة الأمومة، بالإضافة إلى منع العاملين الصحيين من الحصول على رعاية من هؤلاء المصنّعين. كذلك تطالب المنظمتان المصنّعين بالالتزام العلني باحترام مدوّنة السلوك.
(فرانس برس)