تعتبر مدينة حارم، التي تقع في أقصى شمال محافظة إدلب على الحدود مع تركيا، من المدن الأكثر تضرراً بالزلزال الذي ضرب مناطق تركيا وسورية، وأسفر عن أكثر من 100 ألف قتيل وجريح، في حصيلة ما زالت غير نهائية مع استمرار عمليات رفع أنقاض الأبنية المنهارة. يقول مدير المجلس المحلي لمدينة حارم بريف إدلب الشمالي، محمد نواف، الذي اعتبر بين المتضررين من الزلزال أيضاً، لـ"العربي الجديد": "دمر الزلزال بشكل كامل 30 مبنى مؤلفا من 4 طوابق يضم الواحد منها بين 3 و4 شقق في مدينة حارم. وتجاوز عدد الشقق التي دُمرت بالكامل 380 شقة، كما دُمرت بالكامل 10 أبنية مشيّدة بهندسة عربية وتتألف من طابق واحد أو طابقين. أما عدد الأبنية التي تصدعت فبلغ 50، بينها 20 باتت غير صالحة للسكن، والباقي يمكن إصلاحها". ويشير نواف إلى أن عدد الوفيات والمفقودين جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة بلغ 1600، في حصيلة غير نهائية تشمل مدينة حارم وحدها وليس مناطقها في الريف. ويوضح ناشطون أن غالبية الأبنية المنهارة في مدينة حارم تعرضت لقصف من النظام السوري سابقا وكانت متصدعة، لذا كانت الكارثة كبيرة.
وتولت مستشفيات عدّة في منطقة حارم، بينها الأمل والسلام وحارم العام وعدي وسلقين المركزي، معالجة المصابين بالزلزال، لكنها واجهت نقصاً حاداً في كل المستلزمات الطبية، لأن أعداد المصابين الذين استقبلتهم كانت أكبر من قدرات القطاع الصحي، نتيجة الصعوبات التي تعانيها المدينة من الحصار والقصف المستمرّ ونقص التمويل اللازم لاستمرار عمل القطاع الطبي".
وتصنّف حارم بأنها مدينة أثرية تضم مواقع فريدة، وتنتشر آثار كثيرة في المدينة ومحيطها، وتقع على الشريط الحدودي مع تركيا شمالي محافظة إدلب، وبلغ عدد سكانها نحو 21.934 عام 2008، في حين بلغ إجمال عدد السكان في المدينة وريفها نحو 175.482، بحسب تعداد سكاني أجري عام 2004.
وكان سكان مدينة حارم شاركوا في الانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري عام 2011، وسيطروا مع فصائل "الجيش السوري الحر" التابع للمعارضة على المدينة في 25 ديسمبر/كانون الأول عام 2012. وقُتل العديد من أبنائها في المعارك ضد قوات النظام، لا سيما معركة تحرير قلعة حارم، التي اعتبرت بين أعنف المعارك التي شهدتها المدينة حينها.
كما شارك أبناء المدينة في معارك عدة ضد قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لروسيا وإيران التي ساندته في أرياف حلب وحماة وإدلب الجنوبية والشرقية وتلال الكبانة وجبل التركمان شمال شرقي محافظة اللاذقية، في حين تعرضت المدينة نفسها إلى قصف متقطع من قبل قوات النظام وسلاح الجو التابع له، إضافة إلى سلاح الجو الروسي خلال أعوام الثورة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 250 مدنياً بينهم نساء وأطفال وجرح المئات، معظمهم نتيجة الغارات الجوية.
ويؤكد نواف أن الواقع الخدماتي في مدينة حارم كان جيداً جداً قبل الزلزال، في ظل إشراف مجلس المدينة ونجاحه في إنشاء شبكة لتزويد المنازل بالمياه واحتياجات الصرف الصحي. كما نفذ المجلس مشاريع لتزفيت طرقات وتنفيذ عمليات إصلاح وترميم، ومشاريع لإنشاء حدائق ومراكز استراحة. وكل هذه الأمور تضررت بسبب الزلزال، وباتت تحتاج إلى إعادة تأهيل، علماً أن الأهم حالياً إصلاح الطرقات وشبكات الصرف الصحي، خاصة أن نصف المدينة بات بلا كهرباء بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكة التغذية، ونحن نواجه صعوبات كبيرة في إصلاحها خلال الوقت الحالي".
ويقول سهيل أبو خالد (40 عاماً) لـ"العربي الجديد": "نزحت من ريف حمص الشمالي عام 2014، وتنقلت بين بلدات ومدن عدة في ريف إدلب الشمالي وصولاً إلى مدينة حارم عام 2016 التي شجعني عدد من الأصدقاء على العيش فيها، وهو ما فعلته بعدما استأجرت بيتاً وافتتحت بقالة قريبة منه. وكانت الحياة فيها مستقرة بالنسبة لي، ولم أشعر بأنني غريب بين سكانها، علماً أنها تضم نازحين من كافة المدن ما جعلها أشبه بسورية مصغرة. والحياة جيدة عموماً والسكان طيبون". يضيف: "يتملكني الحزن من وقوع الكارثة، وفقدت كثيرا من أصدقائي في المدينة، بعضهم دفنوا تحت الأنقاض وانتشلت جثث آخرين. حاولت مثل غيري أن أساعد في إنقاذ البعض، لكن الكارثة كانت كبيرة، ولم نعد قادرين على البكاء من هول الصدمة وحجم المصاب الكبير للغاية".