السماء سقفهم... غزيون يبيتون في عراء المواصي

16 مايو 2024
بعض العائلات المهجرة لا تزال بلا خيام (بحر حامد النال/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عائلات من رفح وقطاع غزة تم تهجيرها قسراً إلى المواصي بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما أدى إلى نقص الخيام وغياب المساعدات، واضطرارهم للنوم في العراء ومواجهة تدهور الأوضاع المعيشية والصحية.
- بسام الخطاب وعائلته يمثلون نموذجاً للمهجرين الذين يعانون من النزوح المتكرر والافتقار إلى الخدمات الأساسية مثل المراحيض ومياه الشرب، بالإضافة إلى الاعتماد على المساعدات القليلة للبقاء.
- الجهود الفردية والمبادرات المحلية تساهم في توفير المأوى للمهجرين عبر جمع الأخشاب والجلود لإقامة مخيمات، لكن النقص في الخيام والمساعدات الإنسانية يبقى مشكلة مستمرة، مما يجبر المهجرين على العيش في ظروف قاسية.

عائلات كثيرة من التي هجرت قسراً من رفح إلى منطقة المواصي جراء العملية العسكرية الإسرائيلية وجدت نفسها تبيت في العراء بسبب عدم توفر الخيام وغياب المساعدات، وجل ما تتمناه هو أن تصحو من هذا الكابوس.

تزداد معاناة المهجرين الغزيين في مخيمات اللجوء والأراضي الفارغة التي تحولت إلى تجمع خيام، في ظل ضيق المساحات المتاحة أمامهم للتنقل أو البقاء. واضطرت أعداد كبيرة من أهالي قطاع غزة إلى مغادرة رفح من دون الخيام بسبب اهترائها نتيجة العوامل المناخية وكثرة التنقل وغيرها، ليصبح عدد كبير منهم بلا مأوى... أي بلا خيمة.
خلال الأيام الأخيرة، بات عدد من المهجرين من دون خيام في ظل تشديد العمليات العسكرية الإسرائيلية على جنوب القطاع والمنطقة الشمالية المحاصرة، وتبيت عائلات كثيرة من دون سقف، ويحاول أفرادها قضاء حاجياتهم اليومية داخل خيام أخرى، لكنهم ينامون في العراء. أما في المنطقة الشمالية، فيبحث البعض عن أسقف في البيوت التي باتت شبه مدمرة.  
امتلأت المساحات الفارغة في منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، بالمهجرين والخيام المصنوعة من القماش أو تلك الخشبية التي تصمم على شكل أكشاك في المنطقة، لعدم وجود خيام عادة ما كانت توزع على المهجرين من قبل المنظمات المعنية بسبب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح. وانتقل المهجرون إلى مناطق وأراض زراعية فارغة في مدينة دير البلح مجبرين.
في منطقة المواصي، تفترش عائلة بسام الخطاب (51 عاماً) إحدى التلال الرملية على مقربة من الخيام بهدف النوم ليلاً، بعدما هُجّرت من إحدى المدارس الحكومية في منطقة الجنينة شرقي مدينة رفح. لم تتمكن العائلة من النزوج في وقت مبكر بسبب عدم وجود أماكن لتنزح إليها. ودفع اشتداد القصف الإسرائيلي على المنطقة أفرادها إلى السير على الأقدام للوصول إلى المنطقة الغربية، ومنها إلى منطقة المواصي لعدم توفر المال ووسائل النقل والعربات.
يبيت بسام الخطاب مع ثمانية رجال من العائلة في العراء، فيما استضافت إحدى العائلات النساء والأطفال في خيمة مجاورة في المنطقة. يقول إنه وصل والعشرات في الوقت نفسه، وناموا من دون خيام في اليوم الأول، وسرعان ما انتقل عدد ممن كانوا معه إلى مناطق وسط قطاع غزة مستعينين بأقاربهم. أما هو، فليس لديه أقارب في وسط القطاع، فهو من سكان حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.

يشير الخطاب إلى أنها المرة العاشرة التي ينزح فيها، وكانت عائلته من بين العائلات التي نجت من مجزرة حي الشجاعية التي دمرت فيها مربعات سكنية كاملة في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ثم نزح إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مدينة غزة مرات عدة. كما نجا من مجزرة في مخيم البريج ولاحقه القصف إلى مخيم المغازي ومدينة خانيونس، ليجد نفسه أخيراً في منطقة المواصي. يقول لـ"العربي الجديد": "لا مراحيض في المكان، ولا مياه شرب. نجلس في أرض تشبه الصحراء. الشمس فوق رؤوسنا. نحاول الذهاب إلى مناطق فيها ظلال خلال النهار حتى نهرب من أشعة الشمس والحرّ. نحن فقراء ولا نملك المال لشراء شيء. حصلت على مساعدة قليلة من الناس لإطعام أسرتي فقط". يضيف: "ما من أحد يرحمنا. هربنا من القصف مراراً، وكنت أرفض الخروج من مدينة رفح لأنه ليست لدي طاقة للنزوح من جديد. لكن زوجتي كانت تقول إننا نحمل أمانة، أي الأبناء وعائلة شقيقي وأطفاله. نبحث نهاراً عن مياه لدى النازحين في الخيام، وننتظر أن نحصل على خيمة أو سقف يحمينا كحال الكثير من العائلات في المنطقة".
تجلس عائلات كثيرة في منطقة المواصي على أراضٍ رميلة وأخرى زراعية، وينتظر المئات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) الحصول على خيام، كما يقول الخطاب. وينتظر الناس إدخال خيام عبر معبر كرم أبو سالم كما يقول مصدر من "أونروا" لـ "العربي الجديد"، في ظل غياب التنسيق بين الوكالة والاحتلال الاسرائيلي الذي يحاول متعمداً إعاقة عمل الأولى منذ بداية العدوان.

أعداد المهجرين تزداد يوماً بعد يوم (فرانس برس)
أعداد المهجرين تزداد يوماً بعد يوم (فرانس برس)

ويشير المصدر نفسه إلى غياب التنسيق الإنساني كما هو منصوص عليه في القوانين، فقد خرجت أعداد من النازحين من مدارس الإيواء في مدينة رفح والمناطق الشمالية إلى مناطق لا تتوفر فيها منازل أو خيام من دون أية حماية. وتغيب المؤسسات، وعلى رأسها الوكالة، عن إرشادهم إلى المناطق الإنسانية. ويعتمد الناس على الخرائط التي ألقاها جيش الاحتلال عبر طائراته.
عند مدخل بلدة الزوايدة على حدود مدينة دير البلح، يجلس أفراد من عائلات مع أغراضهم على الأرض كونهم لا يزالون من  دون مأوى، بعدما امتلأت الأراضي الفارغة بالنازحين والخيام. عبادة أبو زين (30 عاماً) ووالدته وشقيقاته هم من الذين ينتظرون الحصول على مأوى، وبالتالي ما زالوا يبيتون في الشارع منذ حوالي خمسة أيام. يحكي أن عدداً من العائلات التي تملك خياماً سمحت له ولعائلته الاستحمام داخلها، وتبديل ملابسهم، والنوم نهاراً، وهو ما تقدمه عائلات تملك خياماً لتلك التي لا تزال بلا مأوى. يشار إلى أن الكثير من الخيام التي حصل عليها البعض في إطار المساعدات بداية هذا العام اهترأت نتيجة عوامل عدة، وبالتالي لم يتمكنوا من نقلها لتمزق أطرافها. 

غزة (مجدي فتحي/ Getty)
تهجير وحر وجوع (مجدي فتحي/ Getty)

يقول أبو زين لـ"العربي الجديد": "أتمنى أن أصحو من هذا الكابوس، وأستيقظ وأنا شهيد لأنني عاجز على مدار أيام عن تأمين الطعام والشراب وأي شيء. نريد الحصول على خيمة أو أي مكان وتسجيل أسمائنا لدى برنامج الأغذية العالمي وأونروا للحصول على المساعدات. إذا استمر بنا الحال على هذا النحو، فسنموت جراء الحر والجوع". يضيف: "نبيت في العراء وتوقظنا أصوات الناس أو أشعة الشمس التي نحاول الهرب منها في كل مكان، ونتوجه يومياً إلى شاطئ البحر حتى نتنفس. وأنا، من بين الآلاف المسجلين لدى أونروا، أنتظر الحصول على خيمة منذ بدء العملية في رفح. استشهد والدي في بداية العدوان، وليس لدي مصدر دخل. أنا خريج جامعي منذ سنوات وعاطل عن العمل". 
أسعار الخيام المرتفعة تجعل غزيين عاجزين عن شرائها بعدما فقد معظمهم مصادر رزقهم. وتعمد بعض الأسر إلى بيع الخيام للمهجرين للحصول على المال، فيما تلجأ أخرى إلى حشر نفسها في خيمة واحدة. ويحاول الناس تأمين المأكل والمشرب بعد أيام على عدم حصولهم على أية مساعدات.  

كان سعيد أبو عمران (36 عاماً) يملك مبلغاً مالياً بسيطاً، وحاول البحث عن خيمة لكنه وجد سعرها مرتفعاً. سعى إلى الاستدانة من أي شخص إلا أن أوضاع الناس متشابهة. ثم اضطر إلى دفع المبلغ الذي كان يملكه لتأمين عربة لنقل أغراضه. في الوقت الحالي، يبيت وشقيقه في العراء من دون سقف، بينما تبيت زوجته في إحدى الخيام التي خصصت للنساء والأطفال في منطقة المواصي. يقول لـ"العربي الجديد": "في الليلة الأولى، نمت وشقيقي وزوجاتنا وأطفالنا في العراء، ثم تم تأمين خيمة مبيت للنساء والأطفال، وهو ما طمأنني لأنني لا أريد لزوجتي أن تعيش في جو خانق. نعيش كابوساً كبيراً. أنتظر أن تنتهي الحرب كل دقيقة. أقسى أحلامنا اليوم هو تأمين خيمة ننام فيها بعيداً عن الحر والبعوض".
في السياق، تحرك عدد من المبادرين لجمع أخشاب وجلود من مصادر عدة بهدف إقامة مخيمات، معتمدين على المتبرعين من أصحاب الأراضي في مدينة دير البلح بهدف إيواء المهجرين. إلا أن أعداد المهجرين تزداد يوماً بعد يوم منذ بدء العملية العسكرية في رفح، إذ إن القصف مستمر على مناطق وسط مدينة رفح، وقد طاول عدداً من المناطق الغربية. أحد القائمين على تلك المبادرات يدعى حسن البحيصي، وهو من سكان مدينة دير البلح، يقول إنهم يرصدون يومياً عائلات تبيت في العراء وتبحث عن مأوى أو تسعى إلى تقاسم الخيمة مع عدد من العائلات. لكن رغم ذلك، لا تزال أعداد كبيرة من العائلات المهجرة من دون مأوى، ومنهم من يبيت تحت مظلات المنازل في المخيم وبين أزقته.

المساهمون