تعلّم اللغة الأوكرانية.. فعل مقاومة للناطقين بالروسية في أوكرانيا

16 ابريل 2022
نازار دانتشيشين عن تعلم الأوكرانية: "سيكون بحوزتنا سلاح قوي" (يوري دياتشيشين/ فرانس برس)
+ الخط -

يفتقر الأكاديمي الأوكراني نازار دانتشيشين إلى الخبرة في القتال، لكنه يملك سلاحاً آخر لمواجهة الغزو الروسي، وهو إلمامه باللغة والشعر، وهو يعطي مواطنيه الناطقين بالروسية حصّتين أسبوعياً عبر الإنترنت لتعليمهم اللغة الأوكرانية.

ويقول دانتشينين، البالغ 30 عاماً، "إذا تحدّثنا جميعاً في المستقبل اللغة الأوكرانية سيكون بحوزتنا سلاح قوي في مواجهة العدوان".

في أوكرانيا أقلية لا يستهان بها من الأوكرانيين الذين تعد الروسية لغتهم الأم، وكثير من هؤلاء، لا سيما في الشرق والجنوب، يتحدّثون هذه اللغة بطلاقة، وهو أمر ورثوه عن الحقبة السوفييتية.

لكن بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، وعلى أثر اندلاع نزاع مسلّح في شرق البلاد مع انفصاليين موالين لروسيا، تدعمهم موسكو، زاد التركيز على اللغة الأوكرانية التي أصبحت عنصراً محورياً للوحدة الوطنية.

في عام 2021 أصدرت الحكومة قراراً قضى بجعل الأوكرانية اللغة الوحيدة المستخدمة للتواصل في المتاجر والمطاعم وخدمات أخرى، إلا في حال طلب الزبون غير ذلك صراحة.

وتزايد الإقبال على تعلّم الأوكرانية بوتيرة متسارعة منذ بدأت القوات الروسية غزو أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد سعى لتبرير الهجوم الروسي بعزمه على الدفاع عن حقوق الناطقين بالروسية في أوكرانيا.

وفي مدينة لفيف غربي البلاد، حيث اللغة الأوكرانية هي الأكثر رواجاً، يعرض عدد من الجامعيين، وبينهم دانتيشينين، إعطاء حصص دراسية مجانية لتعلم الأوكرانية.

وخلال ثلاثة أيام تسجّل ألف شخص، لكنّ المنظّمين لم يتمكّنوا من قبول كل الطلبات بسبب النقص في المدرّسين، فاقتصر عدد الذين قُبلت طلباتهم على 800 شخص.

ويقول دانتشينين إنّ "الناس يذكرون أنّ أجدادهم وآباء أجدادهم كانوا يتحدّثون الأوكرانية قبل أن يعتمدوا الروسية"، إبان الحقبة السوفييتية، مضيفاً "كثر يريدون استعادة لغتهم الأم".

لا ضرورة "لحماية روسية"   

أوقعت الحرب في أوكرانيا إلى الآن آلاف القتلى، علماً بأنه لم تصدر أي حصيلة رسمية بعد، وأجبرت المعارك ملايين الأشخاص على مغادرة منازلهم هرباً إلى مناطق أخرى في أوكرانيا أو خارجها.

وفي حين تتزايد الأدلة على وقوع جرائم حرب محتملة، يُشتبه في أنّ القوات الروسية ارتكبتها، اتّهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، موسكو بارتكاب "إبادة جماعية"، علماً بأنّ كثراً يعترضون على استخدام هذا التوصيف.

وقال الرئيس الأميركي "يتّضح أكثر فأكثر أنّ بوتين يحاول ببساطة إلغاء فكرة أن يكون بوسع المرء حتى أن يكون أوكرانياً".

وفي الدروس التي يعطيها دانتشينين استناداً إلى كتب الجامعة الوطنية التطبيقية في لفيف، تركيز على الشاعر الأوكراني تاراس شيفتشنكو (1814-1861) وعلى قائدة الأوركسترا المعاصرة أوكسانا لينيف المتحدّرة من لفيف.

ومن بين الطلاب فولوديمير كراسنوبولسكي وهو جامعي ناطق بالروسية ومتحدّر من لوغانسك، إحدى المدن الرئيسية في منطقة دونباس. وحين سيطر الانفصاليون الموالون لروسيا على هذه المدينة، في عام 2014، انتقل كراسنوبولسكي إلى مدينة روبيجني الصغيرة التي تبعد مئات الكيلومترات إلى الشمال الغربي وبقيت تحت السيطرة الأوكرانية.

لكن بعد سقوط أول صاروخ في روبيجني في 24 فبراير/ شباط، لجأ كراسنوبولسكي مع ابنته، وهي طالبة جامعية تتخصص في الطب، إلى قبو لازماه أسبوعين إلى أن تمكّنا من الهرب غرباً.

وفي تواصل مع "فرانس برس" عبر الرسائل النصية، أوضح كراسنوبولسكي أنّ "أشخاصاً من أصول مختلفة كانوا معنا لكنّهم كانوا جميعاً يشعرون بأنهم أوكرانيون".

وتابع "إن تعلّم الأوكرانية أمر مهم بالنسبة إلي لأنه يظهر للجهة المعتدية (أي روسيا) أنني أوكراني ناطق بالروسية، متحدّر من عائلة ناطقة بالروسية لكنّي لست بحاجة إلى حمايتها. لدي بلدي"، وأضاف "أعتقد أنّ الأمة الأوكرانية بصدد التشكّل بمعزل عن أصول الأشخاص".

"الكلمات هي سلاحي"  

شدّدت لوليا (51 عاماً)، وهي مديرة مدرسة وأستاذة رياضيات، على أنها تسجّلت لتعلّم الأوكرانية بعدما أجبرت على الهرب من القصف الذي طاول مدينتها خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا. وغالبية سكان خاركيف القريبة من الحدود مع روسيا من الناطقين بالروسية.

وقالت إنها تعتزم العودة "حالما يكون ذلك ممكناً"، وهي تستخدم الأوكرانية في الحصص التعليمية التي تعطيها لكنّها تتحدث الروسية في حياتها اليومية، وتوضح لوليا "أقرأ اللغة الأوكرانية وأكتبها بطلاقة، لكنّي أواجه صعوبات في التحدّث بها"، مشددة على "أهمية تنمية القدرات الشخصية في الوقت الراهن".

وتحت قبة جامعة لفيف، اعتبرت إيرينا فاريون، نائبة سابقة ومدافعة شرسة عن اللغة الأوكرانية، أنّ هذه الدروس المجانية تندرج في إطار "المعركة المستمرة للأوكرانيين من أجل حقّهم في أن يكونوا أوكرانيين".

وتدمع عينا فاريون عندما تروي أنها سمعت أنّ الروس حاولوا أن يفرضوا على المدارس في ماريوبول، المدينة الأوكرانية الجنوبية التي سيطروا عليها في بداية الحرب واعتقلوا مؤقتاً رئيس بلديتها، التعليم بالروسية، وقالت "إن لم ندافع عن لغتنا سيصل بوتين إلى هنا إلى هذا المبنى".

نصوص
التحديثات الحية

وبالإضافة إلى الدروس التي تعطى عبر الإنترنت، تعتزم فاريون تدريس اللغة الأوكرانية للأهالي الذين نزحوا من مناطقهم واستقروا في مناطق ناطقة بالروسية، لتمكينهم من متابعة الواجبات المنزلية لأولادهم المسجّلين في مدارس الناطقين بالأوكرانية في لفيف، وبانفعال تقول فاريون "هذه جبهتي، الكلمات هي سلاحي".

(فرانس برس)

المساهمون