ساحات التدوير وتجديد الحبس في مصر: رحلة تعذيب لأهالي المعتقلين

ساحات التدوير وتجديد الحبس في مصر: رحلة تعذيب لأهالي المعتقلين

07 سبتمبر 2022
يتم تجديد حبس المتهمين على خلفية قضايا سياسية أو تدويرهم (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

روت المحامية الحقوقية المصرية، ماهينور المصري، مشاهد مبكية في آخر تواجد لها بمعهد الأمناء، حيث يتم تجديد حبس المتهمين على خلفية قضايا سياسية أو تدويرهم على ذمة قضايا جديدة بعد انقضاء مدد حبسهم الاحتياطي

وكتبت ماهينور، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن ثقل الأيام التي تحضر فيها مع متهمين في معهد الأمناء، لكن آخر حضور لها كان ثقيلاً للغاية حسب وصفها من كثرة مشاهدتها لمعاناة المتهمين التي تحدثوا عن فترات الانتظار التي تسبق صدور القرار بحقهم. 

وقالت ماهينور المصري: "الحقيقة أن كل يوم يكون صعباً، لكن الأمس وكأنه خلاصة أعمار الناس التي تضيع بلا سبب، لدرجة أننا في لحظة لم نتمالك دموعنا وهذا شيء لا يحدث كثيراً".

المشهد الأول الذي حكت عنه المصري، يتعلق بمجموعة من السيدات بلباس السجن الأبيض، وقفن يتساءلن عن موعد خروجهن بعد مضي سنوات في الحبس. إحداهن تحدثت عن أطفالها الأربعة المحرومين منها. وأخرى تحدثت عن تدهور حالتها الصحية. ثم حضرت كل من تقوى عبد الناصر ولؤيا صبري المحبوستان منذ يونيو/حزيران 2019 على ذمة "قضية الأمل" وبعد حصولهما على قرار إخلاء سبيل؛ تم تدويرهما على ذمة قضية جديدة.

وأضافت ماهينور "بدأت تقوى الشابة الصغيرة تبكي وتقول ليه تقعد 3 سنين وشوية بعيد عن والدتها، وإنها لا تريد أن تكبر بعيداً عنها وأن وضع السجن أصبح صعباً جداً"، وتابعت ماهينور "الحقيقة في تلك اللحظة لم نستطع أن تتمالك دموعنا".

المشهد الثاني الذي حكت عنه ماهينور، يهمّ سعيد عز الدين، المهندس المحبوس منذ يوليو/تموز 2020 وزوجته التي جاءت من الإسكندرية لزيارته في السجن فوجدت أنه نقل أو تغرب -التغريب هو مصطلح حقوقي يطلق على النقل التعسفي من سجن لآخر في ما يعادل تغريبة جديدة- دون معرفة السبب، ثم اتضح عندما تحدث زوجها أمام القاضي، أنه طلب نقله من غرفة كبيرة لغرفة أصغر لأنه يعاني من مشكلة  في أذنه تجعله لا يتحمل الضوضاء لفترة طويلة، وعندما طالب برعاية صحية دون استجابة، فوجئ بتغريبه إلى سجن الاستقبال. 

المشهد الثالث الذي روته ماهينور، يتعلق بالمحامي والناشط الاشتراكي، هيثم محمدين، والذي دخل إلى معهد الأمناء وسط مجموعة كبيرة من المتهمين، ورغم أنه غير معهود عليه بالشكوى من أي شيء في الحبس، إلا أنه هذه المرة تحديداً اشتكى من تدهور أوضاعه الصحية، وطالب برعاية طبية وأنه مصاب بتنميل في الجهة اليسرى من الوجه والأطراف ودوار وزغللة ومشاكل في التنفس، وأكدت ماهينور أن جميع هذه المطالب تم تقديمها للنيابة.

ومع مجموعة المتهمين، اشتكى الصحافي هشام عبدالعزيز، الصحافي في قناة الجزيرة القطرية، والمحبوس من 39 شهراً من فقدان السمع في أذنه اليسرى وفقدان البصر في إحدى عينيه. وتحدث عن تدهور كبير في حالته الصحية، حسب ما قالته ماهينور. 

المشهد الرابع، الذي حكت عنه ماهينور، لمجموعة كبيرة من المحامين المحبوسين، دخلوا المعهد ومن بينهم المحامي أسامة بيومي الذي كان يدافع منذ وقت قريب عن متهمين في المكان نفسه، قبل أن يتحول من محام إلى متهم منذ عدة أشهر.

وتحدث محام آخر عن عدم السماح لهم بالتريض في السجن، وأن باب الزنزانة يفتح لهم فقط من أجل إدخال الطعام ثم يغلق مباشرة، كما لو كانوا حيوانات، حسب وصف المحامي الذي نقلته ماهينور. 

ثم تطرقت المحامية الحقوقية التي خرجت من السجن، مؤخراً، بموجب عفو رئاسي، عن عدد من رجال أعمال مؤيدين تماماً للنظام ولكن تم اتهامهم بمعاداة النظام بعد عدة معاملات تجارية. وتطرقت كذلك لشاب قبض عليه لأن ضابط شرطة كان يغازل خطيبته وعندما فتح هاتفه المحمول وجد منشورات قديمة عن ثورة 25 يناير. 

وحكت ماهينور كذلك عن متهمين ألقي القبض عليهم على خلفية منشورات عن وضع وباء فيروس كورونا في مصر، ومتهمين تم تدويرهم على ذمة قضايا جديدة لمجرد مطالبتهم برعاية صحية في السجن.

اختتمت ماهينور شهادتها قائلة "الحقيقة أن القائمة طويلة وكلها ظلم. وخلال أسبوع واحد عرض نحو ألف متهم أمام القضاء، فهل ليس من بينهم مظلوم، أو ظروفه الطبية أو الشخصية تسمح بخروجه، أو متهم تخطى مدة الحبس الاحتياطي".

وفي مارس/آذار الماضي، أدخل النظام المصري، تغييرات ظاهرية على قانون تنظيم السجون، وغيّر مصطلحات السجون والسجناء ومأمور السجن إلى "مراكز إصلاح وتأهيل عمومية أو مراكز إصلاح جغرافية أو مراكز إصلاح وتأهيل خاصة"، و"نزلاء" و"مديري مراكز تأهيل"، في تعديلات وصفتها العديد من الجهات الحقوقية بأنها شكلية تعطي انطباعاً وهمياً بأن ثمة إصلاحاً يحدث في ملف السجون، رغم استمرار الانتهاكات الانتقامية ضد السجناء بشكل شبه يومي. 

وبينما ترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء في مصر؛ تشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ حوالي 114 ألف سجين، أي ما يزيد عن ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي قدّرها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر/كانون الأول 2020، بـ55 ألف سجين، حسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في يناير/كانون الثاني 2021.

بينما تقدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان-منظمة مجتمع مدني مصرية- عدد السجناء والمحبوسين احتياطياً والمحتجزين في مصر حتى بداية مارس/آذار 2021 بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، وحوالي 54 سجيناً ومحبوساً جنائياً، ونحو ألف محتجز لم تتوصل لمعرفة أسباب احتجازهم.

ومن ضمن السجناء والمحتجزين، بلغ عدد السجناء المحكوم عليهم إجمالًا نحو 82 ألف سجين، وعدد المحبوسين احتياطياً حوالي 37 ألف محبوس احتياطي.

المساهمون