أونروا تغيب عن رفح... الخيارات تضيق بعد انسحاب وكالة الغوث

23 مايو 2024
مأساة أهالي رفح كبيرة (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في رفح بقطاع غزة، توقف توزيع المواد الغذائية من قبل أونروا بسبب نقص الإمدادات والأوضاع الأمنية، مما يضع السكان أمام خيارات صعبة بين الجوع أو التهجير.
- تعطل الخدمات الصحية بشكل كبير حيث تعمل 7 مراكز صحية فقط من أصل 24، ونزوح حوالي 900 ألف شخص بحثًا عن الأمان والمساعدات.
- أونروا وبرنامج الأغذية العالمي يواجهان تحديات في الاستمرار بالدعم بسبب القيود الأمنية، مما يزيد من الوضع الإنساني سوءًا ويجبر السكان على مواجهة ظروف معيشية قاسية.

يجد السكان والمهجرون في رفح أنفسهم أمام خيار صعب بين الجوع أو التهجير مجدداً، بعد إعلان وكالة أونروا توقف توزيع المواد الغذائية فيها بسبب نقص الإمدادات وغياب الأمن.

أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، يوم الثلاثاء الماضي، عن توقف توزيع المواد الغذائية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، بسبب نقص الإمدادات وانعدام الأمن نتيجة العملية الإسرائيلية شرقي المدينة. وأكدت أنه من الصعب حالياً الوصول إلى مركز التوزيع التابع لأونروا ومستودع برنامج الغذاء العالمي الموجودين في المدينة نتيجة العملية العسكرية الإسرائيلية.
وأوضحت الوكالة أن سبعة مراكز صحية فقط تعمل من بين 24 مركزاً تابعة لها في القطاع، وأنها لم تتلق أي إمدادات طبية خلال الأيام العشرة الماضية بسبب إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم. وتوقف عبور المساعدات من خلال معبر رفح بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه في 7 مايو/ أيار الجاري، فيما أغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم أمام حركة دخول المساعدات في الخامس من الشهر نفسه. وفي ظل ذلك، بات الرصيف البحري الذي أنشأته الولايات المتحدة قبالة شواطئ غزة الممر الوحيد لحركة المساعدات إلى القطاع منذ 18 مايو/ أيار الجاري، لكن لم تدخل عبره سوى كميات محدودة من المساعدات.
وأصبح الغزيون والمهجرون الموجودون في المنطقة الغربية لمدينة رفح تحت تهديد الجوع، إذ إن أونروا وبرنامج الأغذية العالمي هما المنظمتان الوحيدتان اللتان ما زالتا تعملان في المنطقة الغربية وأجزاء من وسط مدينة رفح، بعدما غادرت منظمات خيرية ومؤسسات أخرى مدينة رفح مع المهجرين متوجهة إلى منطقة المواصي ومدينة دير البلح، لتنسحب المنظمتان المتبقيتان بدورهما، ويهدد الجوع الأهالي والمهجرين.
ويعيش عشرات آلاف الغزيين والمهجرين في المنطقة الغربية لمدينة رفح، على غرار حي تل السلطان والحي السعودي وحي كندا والمخيم الغربي ومخيم بدر وحي البراهمة وعدد من الأحياء الأخرى، وسط ضغط ومعاناة على خلفية إعلان أونروا، بعدما أصبحوا مخيرين بين البقاء والجوع أو التهجير باتجاه غرب مدينة خانيونس. ويواجه سكان المناطق الغربية لمدينة رفح أزمة مع انسحاب عدد من الباعة المتجولين إلى مدينة خانيونس ووسط القطاع بعد إدخال الجانب الإسرائيلي شاحنات خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذي يفاقم أزمة أولئك الذين يرفضون التهجير. وأعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك نزوح 900 ألف شخص، أي حوالي 40 في المائة من سكان غزة خلال الأسبوعين الماضيين، والنسبة الأكبر منهم كانت في مدينة رفح وتوجهت إلى شمال مدينة رفح، منهم عائلة محمد قشطة (36 عاماً)، علماً أن عائلته تعد من أكبر عائلات مدينة رفح، وقد نزح إلى منزل عمه في وسط مدينة رفح، قبل أن ينتقل إلى خيمة. 

قشطة هو أحد الذين كانوا يراقبون وجود المنظمات الدولية في مدينة رفح، وكان كثيرون يحاولون الاقتراب من أي مكان يوجد فيه علم الأمم المتحدة أو منظمات أخرى، لاعتقادهم أنها توفر بعض الأمان، وإن استهدفت طواقمها وسقط ضحايا. يقول لـ"العربي الجديد" إن "معظم أفراد عائلتي كانوا يعيشون في الأحياء الشرقية لمدينة رفح، ومنهم من دمر الاحتلال الإسرائيلي منازلهم وهجرهم إلى منازل أخرى، بينما كنا من العائلات التي استقبلت الكثير من المهجرين. لكن مع استمرار العدوان، أصبحنا فقراء ولا نستطيع الحصول على طعام وشراء حاجياتنا الأساسية، وبتنا نعتمد على المساعدات ككثيرين".
يضيف: "ما يحصل في مدينة رفح الآن لا يختلف عما حصل في شمال القطاع من تجويع متعمد، ويراد من ذلك تهجير سكان مدينة رفح من منازلهم وقطع الإمدادات عنهم بهدف احتلالها والسيطرة على معبر رفح. بعضهم هُجّر مثلي لأنني أب ومعي والدتي وأبناء شقيقي الشهيد أحمد الذي استشهد خلال هذا العدوان، فيما بقي من استطاع تأمين الطعام لأيام قليلة على أمل انتهاء العدوان". 
كما هجرت عائلة أبو داوود من مدينة رفح بعد إعلان أونروا، وكان أفرادها والمهجرون وعددهم 70 يعيشون في بيته المكون من أربعة طوابق. ويوضح هاني أبو داوود (42 عاماً) أنهم هجروا خوفاً من دخول الجيش الإسرائيلي إلى المدينة وحصارهم وتجويعهم. بينما بقى شقيق أبو داوود أسامة (52 عاماً) في المنزل، وهو يرفض مغادرة مدينة رفح في ظل انعدام الأمان حتى في المنطقة الإنسانية، ولا يوجد من يحميهم حتى المنظمات الدولية والدول. ودع الشقيقان بعضهما بعضاً وهما لا يعرفان إن كانا سيلتقيان مجدداً.  

طفل جريح في رفح (فرانس برس)
طفل جريح في رفح (فرانس برس)

ويقول أبو داوود لـ"العربي الجديد": "في رفح، كنا نتقاسم الطعام مع أقاربنا من المهجرين، وعشنا ظروفاً خانقة، لكننا الآن تحت التهديد والفقر المدقع. حتى لو جرى إدخال بضائع من المعبر الذي يتحكم به الاحتلال، فلا نملك المال لشراء أي شيء. خسرت وأشقائي أعمالنا بسبب العدوان، ولم نعد نملك شيئاً. خلال الشهر الأخير، كنا نلاحق المساعدات حتى لا نجوع".
يضيف: "كنا نحصل على مساعدات بسيطة جداً تكاد لا تكفي فرداً واحداً، لكنها كانت تسند الموجودين. نأكل الطعام للبقاء على قيد الحياة فقط. كنا نستبعد عملية عسكرية في مدينة رفح، لكننا خذلنا مرة جديدة. وصلت إلى منطقة المواصي لنعيش الذل في الخيام حيث لا توجد مراحيض، وبالكاد نحصل على المياه للاغتسال، وننتظر الطعام". 
ولا يزال عدد من سكان مدينة رفح يبحثون عن وسائل لنقلهم إلى مناطق في مدينة خانيونس ومدينة دير البلح، إذ إن المعوقات الكثيرة تحول دون وصولهم إلى تلك المناطق التي امتلأت بالمهجرين، كما يقول جهاد أبو سمهدانه (33 عاماً). كان قد هدم منزله في المنطقة الشرقية لمدينة رفح في الثامن من الشهر الجاري، ويقيم في منزل أحد أقربائه في الحي السعودي. يقول لـ"العربي الجديد": "أبحث منذ 10 أيام عن مكان للإيجار بلا جدوى. والدي ووالدتي مسنان ومصابان بأمراض. وفي الوقت الحالي، نتعرض لضغط نفسي كبير لأننا لا نملك شيئاً. الجميع ينزح من مدينة رفح حتى لا يموت. وجدت خيمة من أجل زوجتي وابني الوحيد (4 سنوات)، وأنا على استعداد للمبيت في الشارع، على أن يُوفَّر طعام لعائلتي وغرفة لوالدي، لكن الأمر صعب". 

مصابون جرح قصف إسرائيلي استهدف رفح (هاني الشاعر/ الأناضول)
مصابون جرح قصف إسرائيلي استهدف رفح (هاني الشاعر/ الأناضول)

وتعمد أونروا إلى الانسحاب من المناطق التي يعلن الجيش الإسرائيلي أنها مناطق قتال ويطلب من سكانها الانسحاب، حتى لا تفقد المزيد من موظفيها. لكن هذه المرة، كان عدد من موظفيها في مدينة رفح من أجل إتمام عمليات توزيع المساعدات في ظل الضغط الإسرائيلي لكن بنطاق محدود، على أمل أن تسفر الجهود الدولية في إيقاف التوسع الإسرائيلي في مدينة رفح أو التوصل إلى هدنة قريبة.

تعمل سبعة مراكز صحية فقط من أصل 24 مركز تابعة لأونروا في القطاع، وذكرت أنها لم تتلق أي إمدادات طبية خلال الـ12 يوماً الماضية بسبب إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم، ولم يسمع الاحتلال الإسرائيلي إلا لعدد محدود من الشاحنات التابعة للقطاع الخاص بدخول مدينة رفح جنوبي القطاع مرتين في 15 و18 مايو/ أيار الجاري. ويقول مصدر في أونروا لـ"العربي الجديد" إن مساحات عمل الوكالة قيدت كثيراً، وأصبحت 80 في المائة من مقارها في القطاع في مناطق خطرة يصعب الوصول إليها، وتسعى إدارة الوكالة إلى الحفاظ على أرواح عامليها بعد استشهاد 189 عاملاً عدا المفقودين والمصابين. ويوضح المصدر لـ"العربي الجديد" أنه "بناءً على تقييم المخاطر في مناطق مدينة رفح ومراكز وجود أونروا، فإن نسبة الخطورة تقدر بـ60 في المائة أثناء مهام العمل، بالإضافة إلى نقص معدات طبية ومواد غذائية كثيرة في مدينة رفح، وانسحاب معظم أهالي مدينة رفح والمهجرين منهم إلى شمال المدينة"، مضيفاً أن "استمرار العملية العسكرية زاد من الظروف الإنسانية الصعبة".
وتشير أونروا إلى وقوع 382 حادثة أثرت على مبانيها والأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء العدوان، بعضها شهد حوادث متعددة أثًرت على نفس الموقع، بما في ذلك ما لا يقل عن 53 حادثة استخدام عسكري، أو كما وصفته تدخلاً في منشآت أونروا، وقد تأثرت 172 منشأة مختلفة تابعة لأونروا جراء تلك الحوادث. وتقدر أنه بالإجمال، قتل ما لا يقل عن 449 نازحا لاجئين في ملاجئ أونروا وأصيب 1472 آخرون على الأقل منذ بدء الحرب. ولا تزال أونروا تتحقق من عدد الإصابات التي وقعت بسبب الحوادث التي أثرت على مرافقها، وتشير إلى أن هذه الأرقام لا تشمل بعض الإصابات التي أُبلغ عنها حيث لم يتسن تحديد عدد الإصابات.

المساهمون