غزّيات في بريطانيا... عجز وغضب وعذاب نفسي

04 نوفمبر 2023
دعم لأهالي غزة من لندن (مارك كيريسون/Getty)
+ الخط -

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تروي مديرة مركز منح الدكتوراه في جامعة كامبريدج البريطانية هبة حمد، لـ"العربي الجديد"، الصعوبات التي يواجهها أهلها، وتقول: "اختار والداي اللذان تجاوز عمرهما السبعين البقاء في منزلهما بحي الرمال في مدينة غزة. والدي يحارب سرطان البروستاتا، بينما تعاني والدتي من مشاكل في القلب، وقرارهما دفع شقيقي إلى إرسال زوجته وابنه إلى الجنوب بحثاً عن الأمان، ليبقى هو إلى جانبهما". 
يتفاقم الوضع الإنساني في غزة بشكل كارثي، وتبكي هبة خلال حديثها على شقيقتها الكبرى التي نزحت مع أطفالها الصغار بالإضافة إلى خمس عائلات أخرى من منطقة مشروع عامر في شمال غزة إلى رفح في الجنوب. تضيف: "ضعف شبكة الإنترنت وانقطاع التواصل يزيدان القلق، ولا تنحصر المعاناة في أصوات القذائف والموت الذي يحيط بهم، وهلع الأطفال، فهم يعانون أيضاً بسبب قلة مياه الشرب والطعام، وكثيراً ما يحرمون أنفسهم من الطعام لسد جوع الأطفال بما تيسّر. قلت لأختي أن تطبخ المعكرونة أو العدس، فردت ان هذه الأطعمة تحتاج إلى المياه لطهيها. هذا الوضع يسلط الضوء على حجم المأساة التي تواجهها العائلات في غزة، عدا عن طوابير المياه والخبز، الطويلة والشاقة". 
وتشير إلى أن انقطاع الإنترنت يجعلها عاجزة عن معرفة أحوال شقيقتها الصغرى التي تقطن في خانيونس (جنوب). في آخر محادثة بينهما، أخبرتها شقيقتها بأن زوجها يأخذ الصبيين معه للإقامة في المستشفى بينما تبقى هي مع ابنتهما في البيت مع بقية أفراد العائلة بسبب اكتظاظ المكان. 
وتقول هبة: "منذ بداية الحرب في غزة، أجد نفسي مسمّرة أمام شاشة التلفزيون لمتابعة الأحداث، وأزداد قلقاً مع مرور الأيام. لم تؤثر الحرب على حياتي الشخصية فحسب، بل على إنتاجيتي في العمل أيضاً. لا رغبة لدي في الخروج حتى للترفيه عن أطفالي، وقد ألغيت رحلتنا التي حجزتها منذ أشهر إلى الأردن".
ولتسليط الضوء على الجانب الإنساني للصراع، شاركت هبة في إطلاق صفحة على فيسبوك باسم "مش أرقام"، الهدف منها نشر وجوه وقصص الضحايا ومعاناتهم، ليرى العالم بأسره أنّهم ليسوا مجرد أرقام، بل هم بشر لهم أحلام وطموحات وحكايات إنسانية تستحق الاستماع إليها. 

الصورة
غضب حيال الإبادة الإسرائيلية في غزة (مارك كيريسون/ Getty)
غضب حيال الإبادة الجماعية في غزة (مارك كيريسون/Getty)

فضلت الفلسطينية ألفت ذكر اسمها الأول فقط، وهي محاضرة في كلية وستمنستر سيتي. تقول إن أهلها يكررون الانتقال من منطقة إلى أخرى، علماً أنّهم يقيمون في رفح، والمفترض أن تكون منطقة آمنة، لكنها ليست كذلك. تسأل: "إلى أين يرحل أهل جنوب غزة؟ انتقل أهلي من حي السلام حيث كانوا يقيمون إلى أحياء أخرى، وكلما وصلوا إلى حي يأتيهم إنذار بالإخلاء. في الماضي، كان الإسرائيليون يتصلون هاتفياً بالأشخاص لإبلاغهم بإخلاء المنزل، أمّا اليوم، فيوزعون منشورات تتضمن خريطة لإخلاء مناطق بكاملها".
تضيف ألفت: "يعمل أخي في قسم التحاليل الطبية بأحد المستشفيات، ويعجز عن وصف ما يراه من إصابات وأشلاء وجثث. معظم الجرحى بحاجة إلى بتر أعضاء. ويعانون آلاماً مبرحة بعدما نفد المخدّر من المستشفى. رغم حزني وقلقي على أهلي، لم اطلب إجازة كوني أساهم في رفع مستوى الوعي لدى طلابي حول القضية الفلسطينية. هناك تفاوت في مواقف الزملاء، فالبعض يرفض التواصل معي، فيما يبدي آخرون اهتماماً ولو على استحياء، ربما خوفاً من التعرّض للانتقاد نظراً إلى طبيعة القضية. في حين يقف البعض إلى جانبي، وبعضهم يشاركون في التظاهرات الداعمة لفلسطين. يسهل ملاحظة الاختلاف بين كيفية تعامل الإدارة مع الموظفين في بداية حرب أوكرانيا وبين تعاملهم اليوم مع الحرب في فلسطين".

من جهتها، تقول عازفة العود ريم: "الحرب ليست جديدة عليّ. عشت ثلاث حروب وانتفاضتين في غزة، وآخرها كانت حرب 2014. التفكير في إمكانية استشهاد أي من أفراد عائلتي الموجودة في غزة في أي لحظة مؤلم للغاية. نزح أخي الأصغر ثلاث مرّات، ثم عاد إلى منزله في منطقة العباس رغم تعرّضه للقصف، وشقيقي الأكبر يقيم مع زوجته وأطفاله الثلاثة في وسط غزة بين منطقتي الشاطئ والنصر، والتي استهدفت بشدة، وكلهم يتحدّثون عن انقطاع الإنترنت، ونقص الطعام والمياه، بينما تعاني ابنة شقيقي التي لم تتجاوز الحادية عشرة من صدمة، ولم تنطق بكلمة واحدة منذ بداية الحرب. شهد هؤلاء الصغار على موت الآلاف، وهم يخشون الموت في أية لحظة، فمن يعيد هؤلاء الأطفال إلى حياتهم الطبيعية؟". 
وتعرب ريم عن غضبها مما ينشره الإعلام بشكل عام، وتستهجن عدم اتخاذ قرارات دولية حازمة، على الرغم من استهداف الأطفال بأبشع الوسائل. تضيف: "وحدها غزة إنسانية في عالم لا إنساني. أهل غزة كانوا دائماً سباقين للتضامن مع ما يحدث حول العالم".

المساهمون