خافت العاملة سومي أختر على سلامتها في مصنع الملابس، لكنّها اضطرّت لبدء ورديّتها خوفاً من خسارة أجرها اليومي. وما هي إلا ساعة واحدة فحسب حتى كانت سومي تصارع للبقاء على قيد الحياة تحت الركام. لم تكن هذه المرأة تبلغ من العمر سوى 18 عاماً عندما بدأت العمل في مصنع "رانا بلازا" المؤلف من سبعة طوابق في ضاحية قرب العاصمة دكا في بنغلادش، والذي يُعرف اليوم بأنه موقع واحدة من أسوأ الكوارث الصناعية في العالم.
وقضى أكثر من 1130 شخصاً في انهيار المبنى في حصيلة نجمت عن مطالبة الإدارة للموظفين بمواصلة العمل، على الرغم من بوادر حصول كارثة وشيكة. وقالت أختر إنّ "كلّ ما أريده هو العدالة". وكانت والدتها أيضاً تعمل في المصنع وقضت وهي عالقة تحت الأنقاض.
وعشية انهيار المبنى، تردّدت الأم وابنتها في العودة إلى العمل غداة إخلاء المصنع بعد ظهور تشققات فيه. أضافت: "كان بإمكانهم القول: لا تدخلوا إلى المبنى. كان بالإمكان إنقاذ حياة الكثير من الناس".
وتحلّ الإثنين المقبل الذكرى السنوية العاشرة لانهيار المصنع، في كارثة سلّطت الضوء على اعتماد صناعة الأزياء العالمية على العمالة في الدول النامية التي تعمل في ظروف خطرة ومميتة في بعض الأحيان.
ويفاخر مالكو المصانع في بنغلادش الآن بجهودهم لتحسين إجراءات السلامة في المصانع. وتراجعت الحوادث المميتة في السنوات العشر الماضية. لكن بالنسبة لأكثر من ألفي شخص نجوا من الكارثة، فإنّ محنتهم لم تنته أبداً. ولا يزال أكثر من نصفهم عاطلين عن العمل ويعاني كثيرون من صدمات نفسية عميقة، وفقاً لاستطلاع أجرته منظمة "أكشن إيد".
وبترت ساق سومي أختر بعد أسابيع على انهيار المبنى، بينما كانت لا تزال في حالة حداد على والدتها. ولم تعد قادرة على العودة إلى العمل، وهي بحاجة إلى علاج مستمر تتجاوز تكاليفه المبلغ الذي حصلت عليه كتعويض. وتقول: "نحن على قيد الحياة. لكنّنا نموت يوماً بعد يوم".
كارثة
ودانت محكمة في بنغلادش 38 شخصاً بتهمة القتل بسبب دورهم في انهيار المبنى، من بينهم سهيل رانا وهو سياسي سابق في الحزب الحاكم كان يملك المصنع. وتعرّضت المحاكمة لتأخيرات متكررة ويشكّ المدعي العام بيمال سمادر في إمكانية التوصل إلى حكم في السنوات المقبلة. وقال إنّ الشهود أوضحوا أنّ العديدين لقوا حتفهم في الكارثة بسبب "إجبارهم" على العمل في المبنى، على الرغم من المؤشرات على عدم سلامته. أضاف: "عمد المديرون ومالكو المصنع ومالك المبنى إلى تهديدهم بعدم دفع أيّ رواتب لهم في حال لم يقوموا بالعمل".
أما الصحافي نجم الهدى الذي قام بتصوير تصدّعات في هيكل المبنى، فيشعر بالإحباط لعدم استدعائه حتى الآن للإدلاء بشهادته في المحكمة. واحتجزت الشرطة هدى عام 2016 بعد تقارير عن احتجاجات على الرواتب في مصانع الألبسة، وقضى شهوراً في السجن في إجراء يعتقد أنه كان انتقامياً بسبب "رانا بلازا". ويرى نجم الهدى أنّه "لو لم تكن لديّ لقطات موثّقة لتمكّن مالكو المصنع وسهيل رانا من الادّعاء أنّ المبنى كان سليماً من الناحية الهيكلية"، مشيراً إلى أن اللقطات أثبتت أنها كانت "كارثة من صنع بشر".
دفع انهيار مبنى "رانا بلازا" العلامات التجارية الأجنبية والنقابات والمصنّعين إلى إنشاء هيئات لمراقبة ظروف العمل، وقد نجحت نسبياً في تحسين معايير السلامة. ولا تزال الحوادث الصناعية شائعة في بنغلادش، لكنّ قطاع النسيج والألبسة شهد مذاك حوادث أقل بكثير. ويؤكد نفيس أدولا، وهو مالك مصنع نسيج، أن الكارثة خلقت زخماً لتنظيف الصناعة التي كانت سيئة التنظيم. ويقول: "بعدها، أدركنا جميعاً أن الطريقة التي كنا ندير بها مصانعنا غير صحيحة".
وتحذر مجموعات تدافع عن حقوق العمال من أنّ نظام تدقيق السلامة الجديد له حدود. وحذرت لورا بورجوا من جمعية "شيربا" للمناصرة من قدرة مديري المصانع على التأثير في مقابلات العمال وحتى "عمليات تدقيق مزورة في المصانع". وبحسب دولا، فإن كلفة إصلاح معايير السلامة كلفت المصنعين أكثر من ملياري دولار، لكنّهم شهدوا أيضاً نمواً هائلاً في طلبات التصدير من العلامات التجارية الأجنبية نتيجة لذلك.
وتضاعفت صادرات الملابس من بنغلادش لتصل إلى 45 مليار دولار في العقد الماضي، وتضاعفت أجور العمال ثلاث مرات مما جذب الملايين من النساء من المناطق الريفية للانضمام إلى سوق العمل. ومن بين هؤلاء لاكشمي سورين التي تقف في الصف مع عشرات من السيدات بحثاً عن عمل في أحد المصانع، آملة أن تتمكن من إرسال المال إلى قريتها النائية لإعانة طفليها. وبالقرب من هناك، قطعة أرض فارغة مكان "رانا بلازا" التي لم يعد فيها أيّ شيء سوى نصب تذكاري لضحايا الانهيار أقامته النقابات العمالية. وبحسب سورين، "لم تعد رانا بلازا تخطر ببال أحد. لا أحد يتحدث عن ذلك بعد الآن لكنّ قلبي يتألّم عندما أمرّ بالقرب من الأنقاض".
(فرانس برس)