يؤدّي تأزّم الأوضاع في مصر إلى بروز ظاهرة الانتحار. ولعلّ الأسوأ هو إقدام الأطفال (لغاية 18 عاماً) على الانتحار بشكل يدعو إلى القلق، خصوصاً وأن هؤلاء يشكّلون ثلثَي المجتمع المصري وهم يُعدّون رمزاً للمستقبل. وقد وثّق التقرير الذي صدر أخيراً عن المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، انتحار 22 طفلاً مصرياً منذ بداية عام 2015. وكانت الفئة العمرية الأعلى للأطفال المنتحرين هي لمراهقين تراوحت أعمارهم ما بين 16 و18 عاماً، مع 11 حالة. وأعاد التقرير الأسباب، التي تؤدي بالأطفال إلى الانتحار، إلى أسباب اقتصادية وأسرية ونفسية وتقليد لبعض الأفلام الكرتونية وظروف غامضة وظروف صحية.
يقول أستاذ الاقتصاد في كلية التجارة في جامعة القاهرة، الدكتور عبد الله عبد السلام، إن "السبب الأساسي وراء هذه النسبة، هو الفقر المدقع الذي يعيشه المصريون، إذ إن 26.3% من المصريّين يعانون من الفقر في حين يعيش 4.4% تحت مستوى الفقر". ويشير إلى أن "الفقر كدافع أساسي لانتحار الأطفال، يشير إلى مصطلحَي فقر المستوى الاقتصادي وفقر المستوى الثقافي على حدّ سواء. ويتركز ذلك في الريف، نظراً لما يعانيه أهله من تردّي الخدمات وارتفاع نسبة البطالة وعدم توفّر مهن مستقرة وثابتة للفلاحين. هم بغالبيتهم يرتبطون بالأعمال الموسمية البسيطة إلى جانب انتشار الأمية، وضعف الأسس التربوية السليمة. كل ذلك يجعل الأسرة الريفية مفككة ويزرع الإحباط في نفوس أطفالهم الذين لا يجدون ما يكفي احتياجاتهم المعيشية وتطلعاتهم المستقبلية".
من جهتها تشير عضو الائتلاف الأوروبي لحقوق الإنسان، داليا لطفي، إلى "الاعتقال كأحد الأسباب الرئيسية لانتحار الأطفال. وتشدّد على أن اعتقال الأطفال التعسفي يدمّر مستقبلهم ويمتدّ ضرره النفسي طوال حياتهم، الأمر الذي يدفعهم إلى الانتحار أو الانخراط في الإرهاب أو تعاطي المخدرات. وهذا يتنافى مع اتفاقية حقوق الطفل والمواثيق العالمية التي لا تتعارض مع حق الطفل في التعبير عن نفسه وتعطيه الحق في إبداء رأيه السياسي بكل الوسائل السلمية الممكنة".
اقرأ أيضاً: صفر الإملاء.. 300 ألف تلميذ في مصر
ويرى أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر، الدكتور هاشم بحري، أن "السبب النفسي وراء زيادة نسبة حوادث الانتحار في الآونة الأخيرة بين المراهقين والأطفال هو معاناتهم من الضغوط النفسية وعدم تفهمهم للحياة وشكّهم في النجاح وعدم شعورهم بالأمان والإحساس الدائم بالخوف من الحاضر والمستقبل". يضيف أن ذلك يأتي "إلى جانب انتشار ظاهرة الطلاق، ما ينتج عنه زوجة أب أو زوج أم. وعلى سبيل المثال، حاولت مراهقة الانتحار عبر تناول حبوب مخدرة، نتيجة ظروف عيشها الصعبة. أبوها طلّق أمها وتزوّج من صديقتها، الأمر الذي أثر على نفسية الأم فراحت تتناول الأقراص المهدئة كدواء. وبين والدَيها، لم تعد تعرف إلى من تلجأ. وهذا ما دفعها إلى تقليد والدتها وتناول الأقراص المهدئة، ولكن ليس بغرض الشفاء إنما بهدف الانتحار".
وتعليقاً على اعتبار الفقر وتدني المستوى المعيشي دافعين وحيدَين لانتحار الأطفال، يخبر بحري عن "طفلة تبلغ من العمر ثمانية أعوام ونصف العام، والداها ميسوران ويحملان درجة الدكتوراه، حاولت الانتحار مرتين. الأولى عبر إلقاء نفسها من النافذة، والثانية بعد أسبوع من الحادثة الأولى وقد ألقت بنفسها أمام سيارة. أما السبب، فالاكتئاب نتيجة عزلتها وقسوة معاملة والدها لها".
ويتحدّث بحري أيضاً عن "إحدى الفتيات التي حاولت الانتحار عبر تناولها مادة سامة في قرية تابعة إلى مركز القرنة جنوب محافظة الأقصر، وذلك حزناً على صديقتها، التي توفيت نتيجة تناولها الزبادي الفاسد".
من جهة أخرى، يرفض أستاذ الشريعة في كلية دار علوم جامعة القاهرة، الدكتور محمد المنسي "مصطلح انتحار الأطفال، مشدداً على أن الأطفال قبل بلوغهم العاشرة، لا يحاسَبون على أفعالهم. هم لا يحاسَبون قبل سن البلوغ. والانتحار قرار فردي ومن المبكر الحكم عليه بأنه ظاهرة. والأطفال لا يستطيعون اتخاذ قرار الانتحار بمفردهم، بالتالي لا يمكننا إلقاء اللوم عليهم. من المؤكد أنهم وقعوا تحت وطأة التعذيب أو الحياة القاسية". يضيف: "فلنلقِ اللوم على البيئة التي احتكّوا بها ونشأوا فيها، ولنحاسب أولياء الأمور قبل أن نحاسب الصغار. هذا هو العدل الذي أمرنا به ديننا الحنيف".
إلى ذلك، تقول الاستشاريّة في الصحة النفسية، ميرفت صبري، تعليقاً على عدم وجود رقابة على أفلام الرسوم المتحركة، إن "الإنسان يتعلم بالمحاكاة والقدوة والمثال والأنموذج في مرحلة الطفولة، ويكتسب من خلال ذلك القيم والأخلاق ومهارات التعلم". وتشير إلى "ضرورة أخذ القيم الإيجابية من هذه الأفلام وتجاهل السلبيّة منها، حتى لا يلتفت الطفل إليها، خصوصاً وأن هذه الأفلام هي المتوفرة حالياً وما من إمكانية لإنتاج أخرى محلياً". وتضيف: "لذا فإن الحل هنا في يد الأسرة. مناقشة محتوى هذه الأفلام مع الطفل أمر ضروري. صحيح أن رقابة الدولة ضرورة لا بدّ منها، إلا أن الرقابة الأسريّة والوازع الديني وتوعية الأطفال عوامل أساسية لحماية هؤلاء من تأثير بعض هذه الأفلام السلبية".
اقرأ أيضاً: الألعاب قد تقتل أطفال مصر