"الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر، ويخوضون في موضوعات سياسية لا تتلاءم مع موضوع الخطبة". من هنا، ارتأى وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، تعميم فكرة "الخطبة الموحدة المكتوبة". فأتى قراره خطوة قمعيّة جديدة.
وقد ألزمت الأوقاف، بحسب بيان صدر الأحد الماضي، جميع الأئمة بقراءة خطبة الجمعة مكتوبة، معلّلة ذلك بأنّ بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنابر، سواء بالإطالة التي تخالف سنّة النبيّ، أم بالخروج عن الموضوع إلى موضوعات أو جزئيات متناثرة لا علاقة لها بالموضوع، الأمر الذي يُربك المستمع ويشتّت ذهنه فيضيع المعنى المقصود، أم بالدخول في أمور سياسية أو حزبية لا علاقة لها بمضمون خطبة الجمعة.
وتفيد مصادر من داخل الوزارة بأنّ وزير الأوقاف طلب من وكلاء المديريات تنفيذ قرار قراءة الأئمة لخطبة الجمعة من ورقة مكتوبة، والتنبيه على الجميع الالتزام بالقرار وتهديدهم بالعقوبات والحرمان من كادر الأئمة وقيمته 700 جنيه مصري (نحو 80 دولاراً أميركياً) لكلّ من يخالف.
تكميم أفواه... فغضب
أثار القرار غضب آلاف الخطباء والأئمة، انطلاقاً من أنّ "الخطبة المكتوبة" تحوّلهم إلى مجرّد قرّاء للخطبة. وقد وصل الاستياء العام إلى مديري المديريات أنفسهم، فضلاً عن الأئمة، الذين رأوا في القرار تجميداً للإمام واجتهاده يحوّله إلى مجرّد مؤدٍّ. وشنّت نقابة الدعاة هجوماً على وزير الأوقاف على خلفيّة "السياسات القمعية لتكميم أفواه الأئمة"، وقال النقيب الشيخ محمد عثمان البسطويسي، في تصريحات صحافية، إنّ "وزير الأوقاف حوّل الإمام في مصر إلى آلة متحرّكة يحرّكها كيفما شاء".
من جهته، قال أمين عام نقابة الدعاة ونقيب الغربية، الشيخ عادل بدوي، في تصريحات صحافيّة، إنّ "جمعة لو بقي عاماً آخر، فلن يكون هناك إمام واحد أو داعية يصلح للدعوة في الأوقاف. فالوزير كلّ ما يهمه هو تطبيق الخطبة الموحّدة التي ثبت فشلها فشلاً ذريعاً وأبعدتنا عن الناس، والقصد منها أمني بحت، ولإثبات الوجاهة الإعلامية للوزير".
إلى ذلك، أصدرت "حركة أبناء الأزهر الأحرار" بياناً، الاثنين، دانت فيه القرار، مشيرة إلى أنّ "عبد الفتاح السيسي، هو من أمر وزير الأوقاف بإلزام خطباء الجمعة بالقراءة من ورقة الأوقاف بناء على تعليمات أمنية وسياسية". وأوضحت الحركة أنّ "القرار جاء عبر المستشار الديني للسيسي، أسامة الأزهري، خلال زيارته لمقرّ وزارة الأوقاف السبت الماضي". أضافت الحركة أنّ "القرار سيؤدي إلى تجميد الخطاب الديني وليس تجديده، وإهانة وتضييع هيبة الإمام والخطيب، ومحو شخصيته وسط جمهوره، وسيقضي على التميّز والتفوّق وعدم التحضير، وسيضعف الخطيب علمياً، ويُقتل الإبداع، فتصبح الخطبة بلا روح".
ماذا عن الخطباء المكفوفين؟
من جهة أخرى، يسأل الشيخ علاء س، من مديرية أوقاف القاهرة، عن كيفية تعامل وزارة الأوقاف مع الأئمة المكفوفين في حال تطبيق قرار الخطبة المكتوبة. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأئمة سوف يتحوّلون إلى مجرّد ديكورات أو مناظر للدعاة، وسوف يثبت أنّ الدعاة في مصر لا يصلحون للخطابة. وهذا ما بدأ الناس بقوله، بسبب التحكم في كل تصرفات الإمام في الصلاة والدروس الدينية وخطب الجمعة". ويرى أنّ القرار "يصبّ في مصلحة الدعاة من الحركات الإسلامية غير المنتمين إلى وزارة الأوقاف، الذين يحدّثون الناس بواقعهم ويناقشون مشكلاتهم الحياتية التي تختلف من قرية إلى أخرى، بل من حيّ إلى آخر".
أمّا أستاذ الدعوة في كلية أصول الدين في القاهرة، الدكتور سعيد محمود، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخطبة المكتوبة خطوة تالية لتأميم المنابر والمساجد الذي اعتمدها جمعة منذ اعتلائه سدّة الوزارة، بعد سلسلة خطوات من قبيل إغلاق الزوايا والمساجد الصغيرة ومنع آلاف الخطباء من الخطابة بتقارير أمنية، ومنع الدروس الدينية الأسبوعية وغيرها من الخطوات القمعية".
مع تصاعد الغضب والاستياء، كان اجتماع للوزير جمعة مع وكلاء الوزارة على مستوى الجمهورية لشرح فكرة وآليات تنفيذ خطبة الجمعة المكتوبة. وقال، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إنّه سيكون أوّل من يلتزم بنصّ خطبة الجمعة المكتوبة. وأشار إلى اللجنة العلمية التابعة للوزارة، الموكلة إعداد وصياغة موضوعات خطب الجمعة بما يتوافق مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وإنسانية وحياتية وواقعية. ومن المتوقّع أن تبدأ عملها قريباً، مع الاستمرار في توحيد خطبة الجمعة وتعميمها مكتوبة.
برامج تأهيل "متميّزة"
تجدر الإشارة إلى أنّ المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، السفير علاء يوسف، كان قد صرّح الأحد بأنّ وزير الأوقاف عرض خلال اجتماع مع السيسي، خطة الوزارة في المجال الدعوي، خصوصاً ما يتعلق بإعداد الأئمة وتأهيلهم من خلال برامج وصفها بالمتميّزة. أضاف يوسف أنّ وزير الأوقاف عرض أيضاً وضع استراتيجية لإعادة صياغة ورفع مستوى الفهم الديني الصحيح المستنير من خلال خطة دعوية على مرحلتين، بما يكفل الوصول بالمنهج الإسلامي الوسطي السمح إلى كلّ المسلمين في مصر والمنطقة العربية والعالم الإسلامي. ولفت إلى أنّ "تلك الجهود تأتي بهدف تصحيح الصور والمفاهيم الخاطئة التي ارتسمت في الأذهان نتيجة تصرفات وسلوكيات خاطئة يقوم بها البعض، نتيجة عدم فهمهم صحيح الدين".