الشمال السوري... الواقع الصحي وسط العجز (2- 4)

عبد الله البشير

avata
عبد الله البشير
17 يونيو 2018
BCD4F3FA-8C85-4005-9D1E-67352C47BF42
+ الخط -

مذ بدأت الأزمة الأمنية تتفاقم في سورية، راح الوضع الصحي يتدهور. فسُجّل نقص في المستلزمات الطبية المختلفة، لا سيّما الأدوية، وكذلك في الطواقم الطبية مع الهجرة الكبيرة في صفوف الأطباء والممرضين والتقنيين وغيرهم. إلى ذلك، لحق الدمار بمستشفيات وعيادات ومراكز طبية من جرّاء القصف الذي استهدفها. كلّ ذلك جعل الواقع الصحي مأزوماً، بالإضافة إلى إصابات الحرب والإعاقات. اليوم، مع عدد النازحين الكبير إلى الشمال السوري، تهدد أزمة صحية جديدة ليس النازحين فقط إنّما السكان الأصليين كذلك في حال صُمّت الآذان. في ما يأتي الحلقة الثانية من ملف "الشمال السوري"...

ضغوطات ومصاعب كبيرة تواجهها الكوادر الطبية في الشمال السوري، مع الأزمة السكانية المفاجئة التي سبّبتها موجة النزوح الأخيرة التي شهدتها مناطق الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وجنوب دمشق والنقص الحاد في الموارد الطبية، كالأجهزة والمعدّات المختلفة المقدّمة من جهات دولية أو محلية، الأمر الذي خلّف تحديات قد تفوق قدرة تحمّل تلك الكوادر.

يتحدّث معاون مدير الصحة في إدلب الدكتور مصطفى العيدو لـ"العربي الجديد" عن الواقع الطبي في محافظة إدلب بعد النازحين، موضحاً أنّه "لم تتوفّر أيّ استجابة أو آلية تعامل أو حتى خطة طوارئ مع وصول العدد الكبير من النازحين، من قبل المنظمات المعنيّة، مثل منظمة الصحة العالمية أو منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أو أيّ جهة دولية أخرى. فالاستجابة كانت مقتصرة على الجهات المحلية، فقط ضمن الإمكانات المتواضعة والمتاحة لها". يضيف: "أمّا بالنسبة إلى عدد المستشفيات في ريف إدلب وحلب فهو كافٍ لجهة التعامل مع المرضى والإصابات والأطفال والحالات النسائية. والمستشفيات تغطي تلك النواحي حالياً، غير أنّ ذلك لا يأتي بالشكل المطلوب فعلياً".

ما تبقى من صيدلية المستشفى (عمر حاج قدور/ فرانس برس) 


ويتابع العيدو أنّه "بالنسبة إلى الدور الذي تؤدّيه مديرية الصحة حالياً فهو قيادي، وهي تسعى من خلاله إلى تنظيم العمل الصحي وبناء نظام صحي وتحقيق إنجازات كبيرة. وهي تهدف كذلك إلى توحيد نظام العمل والسياسات والإجراءات الطبية، من أنظمة الإحالة والإسعاف وتنتقل من الكمية إلى النوعية. فمن غير المطلوب منها تأمين دعم إلزامي للمستشفيات بل يقتصر دورها على مراقبة الجودة في الخدمات والإشراف عليها. وعند حدوث نقص في الأدوية أو بعض الفجوات كتوقف دعم إحدى المنشآت، فإنّ المديرية تتدخل وتطالب كذلك بتأمين الأدوية التي فُقدت أو الناقصة، فيجرى طلبها عبر منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية أو منظمة يونيسف وغيرهما في محاولة تأمينها وسدّ العجز أو النقص فيها.

ويشير العيدو إلى أنّ "ثمّة دوراً فاعلاً للمنظمات الطبية الدولية في المجتمع، غير أنّها لا تتحمّل العبء كاملاً. فثمّة منظمات محلية ومنظمات مجتمع مدني ومديريات صحة، إلى جانب شخصيات مؤثّرة وفاعلة على الأرض، كذلك ثمّة منشآت قديمة كانت موجودة كالمستشفيات والمستوصفات، وكلّها تتشارك في تطوير النظام الصحي وتطوير الخدمات الصحية في الوقت الحالي والتعامل مع المرضى والمصابين، ولها دور فعّال في التعامل مع النازحين خلال الفترة الأخيرة".

ويشرح العيدو أنّ "التنسيق بين المديرية ومنظمات دولية وعالمية يكون عبر منصات في تركيا، وثمّة اجتماع دوري كل 15 يوماً بين المنظمات والمديريات بحضور منظمة الصحة العالمية، وتُستعرَض كل الفجوات والمشاريع المقدّمة وسبل تطوير العمل الصحي والخدمات الطبية في المناطق المحررة، بالإضافة إلى مناقشة كيفية مواجهة المشاكل والصعوبات والتحديات المرحلية. بالإضافة إلى ذلك، ثمّة تنسيق على مستوى الداخل عبر اجتماعات دورية بين المنظمات المحلية، وعلى مستوى مشاريع الشراكات بين تلك المنظمات والمديرية".


وعن الواقع الصحي في الشمالي السوري، يقول العيدو إنّه "من الممكن تقسيمه إلى مستويات عدّة. على مستوى الرعاية الصحية الأولية، فإنّ الوضع مقبول إلى جيّد. أمّا على مستوى الرعاية الصحية الثانوية وما يليها، فثمّة ضعف كبير في الإمكانات، بدليل أنّه ما بين 20 و25 حالة تحوّل يومياً إلى المستشفيات التركية. وبعض الحالات في حاجة إلى انتظار قد يطول ويصل إلى شهر كامل، قبل التحويل ودخول مستشفى تركي". ويلفت إلى أنّ "العجز الطبي بأكثره هو في علاج الأمراض السرطانية والجراحات الدقيقة وجراحات القلب. حتى اليوم، من غير الممكن السيطرة على هذا العجز أو ضبطه في الداخل المحرر. وبعد وصول المهجرّين من غوطة دمشق وحمص ازداد الواقع سوءاً، ويجري التعامل مع المهجرّين والمرضى بالإمكانات التي كانت متاحة سابقاً".

عقبات بالجملة

من جهته، يقول الطبيب ليث الذي يعمل في ريف حلب الشمالي لـ"العربي الجديد "، إنّ "ثمّة عقبات كثيرة نعاني منها على المستوى الصحي، وأبرزها التغذية المحدودة بالتيار الكهربائي التي تتحمّل مسؤولية في سوء تخزين الأدوية. ويؤدّي سوء التخزين إلى نقص في فعالية الأدوية في حين يجري تلف معظمها". يضيف أنّ "الأدوية بمعظمها تصل من المانحين مع مدة صلاحية محدودة أو تكون قد شارفت على الانتهاء، وهذا ما نعاني منه كثيراً وما يتسبب في فجوات دوائية. وثمّة نقص في الأدوية المضادة للالتهاب، فالاعتماد الأولي هو على الحقن العضلية والوريدية، ومعظمها ناقص أو منتهي الصلاحية. كذلك لدينا نقص كبير في الأدوية الجلدية، الأمر الذي تسبب في انتشار أمراض جلدية كثيرة". إلى ذلك، يتحدّث ليث عن "انتشار الأمراض المعدية وحالات الإسهال المزمنة، نظراً إلى ضعف أو غياب الرقابة الصحية عن مياه الشرب وبعض المواد الغذائية، خصوصاً الخضراوات. ومع الإصابة بهذه الأمراض، نضطر إلى إعطاء المرضى أحياناً أدوية ذات فعالية منخفضة أو أخرى مضى على انتهاء صلاحيتها ستة أشهر. وهذا أمر مرفوض كلياً، طبياً وعلمياً".

في مستشفى كفرنبل (عامر السيد علي) 


ويتحدّث ليث عن "غرف العمليات الجراحية الميدانية التي تعاني من نقص كبير ومن تهالك المعدات، فمعظم الأجهزة والمستلزمات قديمة نسبياً أو مستخدمة لفترات معيّنة في دول أوروبية قبل أن تصل إلينا. أمّا الأجهزة الجديدة التي زوّدت بها المستشفيات الميدانية عبر منظمات غربية، فقد مضت عليها سنوات في الخدمة. وقد استخدمت بكثافة بسبب قلّة عدد الأجهزة، بالتالي فإنّ العمر الافتراضي لعدد كبير منها انتهى. يُذكر أنّها تحتاج إلى صيانة دورية ومستمرة بتكاليف عالية". ويشير ليث إلى "مشكلة تعاني منها النقاط الطبية والمستشفيات بمعظمها، وهي عدم ضمان التعقيم الجيد، وهذا يعود إلى اعتماد مصادر كهربائية متدنية الكفاءة وذات كلفة تشغيلية كبيرة. فمن غير الممكن تشغيل المولدات على الدوام، وهي تحتاج إلى صيانة تتطلب وقتاً طويلاً نسبياً، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود اللازم لتشغيلها".



وعن الأطباء يقول ليث إنّ "وضعهم المعيشي متردٍّ، وهم يعيشون كما الكادر الطبي عموماً في ظل ظروف قاسية تشمل المسكن في كرفانات". أمّا "المشكلة الحقيقية"، بحسب ليث، فهي "النقص الكبير في الكادر الطبي. فالأطباء الاختصاصيون بمعظمهم يفضلون العيش في المناطق الآمنة نسبياً أو خارج سورية، بعيداً عن القصف والحرب. وهذا ما حرم كثيرين من تلقي العلاج التخصصي والمتابعة، نظراً إلى عدم توفّر كادر طبي متوازن يغطّي كل الاختصاصات. وهذا يتطلب من المريض المحتاج إلى اختصاص معيّن السفر لمسافات طويلة حتى يتمكّن من الحصول على العلاج اللازم". وبالنسبة إلى مداخيل الطبيب والكادر الطبي، يوضح ليث أنّه "يتعلق بالمنظمات الخارجية الإغاثية التي تتحكّم براتب الطبيب. وثمّة معاناة من جرّاء انخفاض الدخل تفرض على الطبيب ترك العمل والبحث عن مصدر دخل أفضل في المستشفيات الميدانية، نظراً إلى الظروف القاسية وغلاء الأسعار".


تنسيق عبر "واتساب"

يُعدّ مشفى الداخلية التخصصي في إدلب الذي يعمل منذ نحو ثلاثة أعوام ونصف العام، الوحيد عملياً في المناطق المحررة في الشمال السوري. يقول الطبيب عمر الاختصاصي في الأمراض الداخلية الذي يعمل فيه لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخدمات كانت نوعاً ما تقدّم للمرضى بمعظمهم ومجاناً. وكانت ثمّة حالة اكتفاء، وكانت المستلزمات الطبية متوفرة بشكل كبير. أمّا حالياً، فثمّة معاناة من العدد الهائل للسكان وكذلك للنازحين الذين تدفقوا على الشمال السوري، الأمر الذي أدّى إلى استهلاك زائد من دون مقابل أو زيادة في الدعم الصحي. بالتالي يُسجّل ضعف في تقديم الخدمة الصحيحة للمريض أو مساعدته في ظل الظروف الاقتصادية السيئة، ليتحمل هو أعباء المعالجة والدواء. وكثر هم المرضى الذين من الممكن أن يتذمّروا أو يضطروا إلى الانقطاع عن العلاج، إذ إنّه مرتفع الثمن أو غير متوفّر". ويشير عمر إلى أنّ "ثمّة تنسيقاً بين المستشفيات عبر تطبيق واتساب، وأيّ طلب يجري من خلال المجموعة من قبيل نقل المرضى. وثمّة منظومات إسعافية تؤمّن ذلك، لأنّ المستشفيات أحياناً تفقد القدرة على استيعاب أعداد إضافية من المرضى".

عيادة متنقلة في إدلب (زين الرفاعي/ فرانس برس)


حاجة إلى طرف صناعي

في السياق، يروي شريف والي الذي كان قد أصيب خلال الحرب الدائرة في البلاد، معاناته لـ"العربي الجديد" فيقول: "أصبت في قدمي اليمنى وكانت إصابتي بالغة، الأمر الذي استدعى البتر. لم يكن بترها أزمة بالنسبة إليّ بقدر ما كانت معاناتي مع الاختصاصيين. كانت المعاناة الأولى في دخول المستشفى في تركيا، إذ رُفض إدخالي من دون كفيل على الرغم من أنّني كنت أنزف. لكنّ صديقاً رافقني، قدّم في النهاية الأوراق المطلوبة غير أنّهم رفضوا أن يرافقني". يضيف: "خرجت بعد مدّة وبدأت معاناة جديدة بعد عودتي إلى سورية. الوقت يمر وأنا في حاجة إلى طرف صناعي لأتمكّن من المشي. ورحت أتواصل مع المعنيين لتحديد دخولي الجديد إلى تركيا من أجل تركيب الطرف، فكانوا يعدونني باتصال في اليوم التالي لأتلقاه بعد شهر".


ويتابع والي: "تمكّنت من الدخول في النهاية وبدأت المرحلة الثالثة من المعاناة في مراكز الأطراف الصناعية. كان عليّ تقديم بطاقة الحماية المؤقتة (كملك) وأوراق ثبوتية أخرى وتقارير طبية، وأنا لا أملكها. وبدأت أحاول استخراج بطاقة كملك، وحتى اليوم أحاول تأمين الوثائق المطلوبة من دون جدوى". ويكمل والي أنّه "للسنة الثانية أنا من دون طرف صناعي، وثمّة جرحى كثيرون يعانون مثلي التقيت بهم في الشمال السوري. بالنسبة إليّ، صار المشي حلماً أتخيّل تحقّقه".

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
تخشى النساء على أجنتهن ومواليدهن الجدد (كارل كورت/ Getty)

مجتمع

تواجه النساء الحوامل النازحات إلى مراكز الإيواء المختلفة في لبنان خوفاً كبيراً في ظل غياب الفحوصات الدورية والاستشارات الطبية، ويقلقن على صحتهن وصحة أجنتهن.