تقرير يحمّل السلطات المصرية مسؤولية العمال بليبيا

13 فبراير 2015
أوضاع العمالة المصرية متردية في ليبيا(العربي الجديد)
+ الخط -
حمّل مركز البيت العربي للبحوث والدراسات ـ منظمة مجتمع مدني مصرية ـ السلطات المصرية مسؤولية ما يتعرض له العمال في ليبيا من قتل واختطاف.

وشدد المركز، في تقرير مفصّل له عن أوضاع المصريين في ليبيا، صباح اليوم الجمعة، على أن ما تعرّض له المصريون في ليبيا من قتل واختطاف ليس له علاقة بكونهم أقباط، ولكنه تعبير عن تردي أوضاع العمال المصريين في ليبيا إلى جانب الصراع السياسي الذي ألقى بظلاله على الأوضاع الاقتصادية والأمنية لمصر، وانعكس بشكل كبير على أحوال العمالة المصرية الموجودة بالدولة الشقيقة.

ووفقاً لإحصاءات غير رسمية، يتجاوز عدد العمال المصريين في ليبيا المليون ونصف مليون عامل، لكن حسب تصريحات وزيرة القوى العاملة والهجرة المصرية، ناهد العشري، فإنه لا يوجد حصر رسمي للعمالة المصرية بسبب وجود أعداد ليست بالقليلة، بطرق غير شرعية ويدخلون عن طريق المنافذ البرية التي لا يمكن معها حصر تلك العمالة.


وقدّرت العمالة المصرية الموجودة حالياً ما بين 800 إلى 900 ألف عامل مصري، منتشرين على قطاعات مختلفة في ليبيا، معظمهم يعملون في أعمال الإنشاءات والمقاولات والعمالة العادية، بخلاف الأطباء والمهندسين وبعض المدرسين منقسمين ما بين التعليم الجامعي وما قبله. أما في ما يخص العمالة الموجودة بشكل غير رسمي، فأكدت العشري أنهم يعملون في أي أعمال تعرض عليهم.

جذور تردي أوضاع المصريين في ليبيا

يشير تقرير المركز إلى أن تردي أوضاع العمالة المصرية في ليبيا له جذور طويلة الأمد ممتدة منذ أكثر من ثلاثة عقود، بعدما وقعت الدولتان المصرية والليبية اتفاقية في شأن التنقل والإقامة والعمل في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول العام 1990، والتي نصت بنودها على حق التنقل والإقامة والعمل بين الدولتين لجميع المواطنين بدون تأشيرات وباستخدام بطاقة الهوية وفتح الحدود ما بين الجانبين.

وينص البند السابع من الاتفاقية على أنها تتجدد من تلقاء نفسها بعد مرور خمس سنوات من إبرامها ولمدة مماثلة، ما لم يخطر أحد الطرفين برغبته في تعديلها، وهذا الوضع كانت له نتائجه المباشرة على تدفق العمالة المصرية إلى الدولة الليبية وسط غياب قدرة الدولة المصرية على وضع إجراءات تحمي العمالة المصرية، ليصل عدد المصريين في ليبيا وفق إحصاءات شعبة إلحاق العمالة بالخارج التابعة لوزارة القوى العاملة المصرية، إلى أكثر من مليوني عامل قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011.

الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية للعمال في ليبيا

وبحسب التقرير، الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن أهم ما يميّز العمالة المصرية في ليبيا، هي قدومها من محافظات اتسمت بالفقر والفقر المدقع. فوفق المؤشرات الإحصائية والبيانية الخاصة بالعمالة العائدة من ليبيا بعد ثورتها في 17 فبراير/ شباط 2011، بلغ عدد العائدين المسجلين إلى محافظات: سوهاج 19670 عاملاً، المنيا 16005 عمال، الفيوم 14373 عاملاً، أسيوط 5416 عاملاً، بني سويف 3843 عاملاً، الدقهلية 3333 عاملاً، الشرقية 3220 عاملاً، كفر الشيخ 2277 عاملاً، القاهرة 622 عاملاً، والجيزة 262 عاملاً، بحسب التقرير.
 


واعتبر التقرير أنه "بالرغم من دقة الأرقام، إلا أنها لا تعبّر بالضرورة عن حجم العائدين من ليبيا في تلك الفترة، لأنها تخص مَن تم تسجيله من العائدين وليس الحجم الفعلي للعودة، لكنها تبرز طبيعة ونوع العمالة المصرية بليبيا والتي تنحصر بشكل أساسي ما بين عمال التشييد والبناء والزراعة والصيد والتي تتسم أيضا بصغر عمرها".


وتؤكد مؤشرات العودة أن عدد العائدين الذين هم أقل من أو بعمر 30 عاماً، بلغ 46379 عاملاً، ومن هم فوق الثلاثين عاماً بلغوا 28885 عاملاً. وبحسب طبيعة المهن، فإن الغالبية العظمى من الذكور، حيث بلغ عددهم 74442 عاملاً، في مقابل نسبة النساء اللاتي بلغ عددهن 822 عاملة فقط من بينهن 174 ربات بيوت.


أما في ما يخص الحالة الاجتماعية، فكانت نسبة من لم يسبق له الزواج 54212 مصرياً، بينما بلغت نسبة المتزوجين 21052 مصرياً. وفي ما يخص المستوى التعليمي، فكانت نسبة الحاصلين على شهادات عليا من إجمالي العائدين 434 عاملاً، والحاصلين على شهادات متوسطة 15084 عاملاً، بينما بلغ عدد من هم دون تعليم 19534 عاملاً.


ويشير المركز في تقريره إلى أنه بالنظر إلى تلك المؤشرات، فإن القاعدة العريضة من العائدين، هم من الشباب الباحثين عن فرص عمل بالخارج لتحقيق آمالهم في الحصول على المال واستكمال أحلامهم المتعلقة بالزواج وتأسيس أسرة، كما أن الأرقام توضح غياب المعرفة بالقوانين وحقوق العمل، حيث إن غالبيتهم غير متعلمين، الأمر الذي يرفع حالات الاستغلال وانتهاك حقوق العمل في ظل غياب رقابة الدولة وحمايتها للعاملين بليبيا.

السلطات المصرية تهتم بعودتهم وتتجاهل حقوقهم

يتابع التقرير أن "الأوضاع لم تختلف كثيراً بعد ثورة 25 يناير، بل إن الأمر اتجه إلى المزيد من التعقيد، فبحسب تقرير بعثة تقصي الحقائق للأحداث في ليبيا بعد الثورة والذي أعدته المنظمة العربية لحقوق الإنسان والتي أوصت بأن تبادر السلطات المصرية بتقديم المساعدات للجانب الليبي من خلال عودة وتدفق العمال المصريين مرة أخرى، خصوصاً في قطاع الزراعة والمهن اليدوية والمخابز، إلى جانب نتائج الاجتماع الذي عُقد بوزارة الخارجية المصرية في سبتمبر/ أيلول 2011 وشارك فيه ممثلون عن وزارة الدفاع، والتعاون الدولي والتجارة والصناعة والقوى العاملة، والتربية والتعليم والصحة، بالإضافة إلى المخابرات العامة وشركة المقاولون العرب واتحاد الناشرين المصريين، خلص إلى اتفاق ممثلي الجهات الوطنية على أن هناك فرصاً لدور مصري قوي مبني على تراكم الحضور المصري في ليبيا وانعدام عائق اللغة الذي يعطي ميزة نسبية للعمالة المصرية الماهرة".

 تدهور أحوال المصريين في ليبيا 

وأكد التقرير أن تردي أوضاع المصريين في ليبيا يتجه نحو المزيد من التدهور، والسلطات المصرية الحالية لم تحرك ساكناً تجاه رجوعهم مجدداً إلى ليبيا، بالرغم من أن عدد العائدين إلى مصر لم يتجاوز 36 ألف عامل من حجم العمالة الفعلية الموجودة على الأراضي الليبية والتي تتجاوز المليون ونصف مليون عامل، وعودة هؤلاء إلى جحيم الحرب الأهلية التي تشهدها الأراضي الليبية هو نتيجة لغياب فرص عمل حقيقية في مصر.

وتابع: "إلى جانب الكلفة الاقتصادية التي تتحملها الدولة نتيجة عشوائية السفر والعمل في ليبيا، فغالبية العمال من الشباب والذين يمثلون أكثر من 88 في المئة من عدد المصريين، تراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 35 عاماً يتعرضون لإصابات العمل والعدوى بالأمراض والفيروسات المستوطنة ببعض الدول الأفريقية، وسط غياب السلامة والصحة المهنية، ما ينتج عنه عودتهم بإصابات مزمنة تحول دون قدرتهم على العمل مجدداً".

ولفت التقرير إلى أن هناك تخوفاً سياسياً من بقاء العمال المصريين في ليبيا وهم عرضة للتأثير عليهم للانضمام إلى الأطراف المتنازعة في حمل السلاح والمشاركة في الحرب الدائرة هناك، ما سيكون له أثر بالغ على الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر.
من جانبه، قال مدير المركز، مجدي عبد الفتاح: "ما حدث للمصريين من قتل واختطاف، يكشف مدى غياب التشريعات والضمانات والاتفاقيات التي يمكن أن تحمي العامل المصري بالخارج، كما ثبت مدى تراجع قدرة الدولة المصرية على متابعة أوضاع العمالة المصرية بالخارج، وهو الأمر الأكثر وضوحاً في ظل غياب المعلومات والبيانات الدقيقة إلى جانب طبيعة العمال والتركيبة الاجتماعية والتعليمية للمصريين في ليبيا".