"الحرب على الفساد": ورقة السلطات الروسية الرابحة عشية الانتخابات

16 يوليو 2016
يرفض نيكيتا بيليخ الاتهامات الموجهة إليه (ستانيسلاف كراسيلنيكوف/Getty)
+ الخط -
في مشهد شغل الرأي العام الروسي، يجلس محافظ مقاطعة كيروف الروسية، نيكيتا بيليخ، أمام كاميرات لجنة التحقيق، متلبساً بتهمة استلامه دفعة من رشوة تصل قيمتها إلى 400 ألف يورو في مطعم فاخر بموسكو. إلّا أن المحافظ المعتقل لا يزال يرفض الاتهامات الموجهة إليه ويؤكد أنه سيثبت براءته.

وفي حلقة جديدة من "الحرب على الفساد"، سارعت قنوات التلفزيون الروسي، منذ نهاية يونيو/حزيران الماضي، لعرض تقارير مطوّلة تفضح فساد بيليخ وعلاقاته برجال الأعمال في مدينته. وبذلك، أصبح بيليخ ثالث حاكم إقليم في روسيا تتم ملاحقته بتهمة الفساد في أقل من عام ونصف العام، إذ سبقت ملاحقة كل من حاكم إقليم كومي، فياتشيسلاف غايزر، ومحافظ مقاطعة سخالين، ألكسندر خوروشافين، بسبب قضايا فساد.

وعلى عكس الحالتين السابقتين، لا تخلو واقعة اعتقال بيليخ، بحسب أوساط المعارضة الروسية، من شبهة دوافع سياسية نظراً لتوجهاته الليبرالية أولاً، وثانياً لتزامنها مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في سبتمبر/أيلول المقبل، وما يترتب عليه من عودة ملفات مكافحة الفساد والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية إلى مقدمة المشهد السياسي.

ويشير نائب رئيس حزب "بارناس" المعارض غير المتمثل في البرلمان الحالي، إيليا ياشين، إلى أن السلطات الروسية تسعى من خلال ملاحقة بيليخ بشكل استعراضي عشية الانتخابات، لإقناع المجتمع بأنها فعلاً تكافح الفساد. ويقول ياشين لـ"العربي الجديد" إن "السلطات تتحدث كثيراً عن بيليخ قبل الانتخابات، لكنها، في الواقع، لا تكافح الفساد بشكل منهجي". وحول أهمية ملف الفساد في الحملة الانتخابية للمعارضة الروسية، يضيف أنّه "للحصول على عدد أكبر من أصوات الناخبين، يتعيّن على المعارضين الحديث خلال حملتهم عما لا يتحدث عنه غيرهم مثل الفساد داخل الكرملين ووثائق بنما وغيرها".

ورجحت منظمة الشفافية الدولية أن تكون عملية ملاحقة بيليخ "مدبرة" عن طريق تسليمه أموالاً بوساطة شخصين، أحدهما مُلاحق وقد يكون الآخر عرضة للملاحقة أيضاً، فقبلا التعاون مع التحقيق. وأظهر استطلاع للرأي، أجراه موقع صحيفة "غازيتا. رو" الإلكتروني، أن 75 في المائة من المستطلعة آراؤهم لا يعتبرون اعتقال بيليخ "مكافحة منهجية" للفساد، بل تتم ملاحقة الفاسدين بشكل انتقائي. إلا أن استطلاعات الرأي على الإنترنت لا تعكس واقع الرأي العام الروسي، إذ يقتصر عدد قراء المواقع الليبرالية على مئات الآلاف، بينما يُتلقى ملايين المعلومات من التلفزيون الحكومي. ويقول أحد الإعلاميين الموالين للكرملين، ساخراً، من تقرير "الشفافية الدولية"، "يحق للحاكم الليبرالي الحصول على رشى، ولا يجب اعتقاله بسبب ذلك إذا كان ليبرالياً".





وبعد أيام على واقعة اعتقال بيليخ، نشر صندوق مكافحة الفساد الذي أسسه المعارض الروسي، أليكسي نافالني، تحقيقاً، قال فيه إن "نائب رئيس الوزراء الروسي، إيغور شوفالوف اشترى 10 شقق في برج تاريخي وسط موسكو بقيمة سوقية تقارب 10 ملايين دولار". وفي وقت لاحق، أكد مدير أعمال شوفالوف قيام موكله بشراء مجموعة من الشقق بالبرج الذي يعود إلى حقبة حكم جوزيف ستالين في منتصف القرن الـ20، وأن الصفقة قانونية تماماً.

وتساءلت كاتبة ليبرالية بموقع "سلون. رو"، "لماذا يُسمح لشوفالوف بما لا يُسمح لغيره"؟ وتعتبر أن المحافظين "مادة سهلة الاستبدال"، بينما قد تؤدي الملاحقة الجنائية بحق كبار المسؤولين في السلطة إلى "الإخلال بالتوازن الداخلي والاستقرار". وتضيف: "لكن نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يقدم أي ضمانات لأحد أبداً. الانتقال من فئة الموالي إلى فئة الفاسد قد يحدث سريعاً وبشكل مفاجئ".

وشهدت فترة حكم بوتين مجموعة من فضائح فساد، لعل أشهرها قضية الفساد في مؤسسة "أوبورون سيرفيس" العسكرية. وأسفرت هذه الفضيحة في نهاية عام 2012 عن إقالة وزير الدفاع الروسي آنذاك، أناتولي سيرديوكوف، وهو أمر قدّمه الخطاب الإعلامي والرسمي في روسيا، كحلقة من "الحرب على الفساد". ويعتبر الفساد من أكبر المشاكل التي تواجهها روسيا، إذ جاءت في المرتبة 119 في مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2015، لتأتي بذلك في نفس المرتبة مع كل من أذربيجان، وغيانا، وسيراليون. ومع ذلك، حققت روسيا تقدماً ملحوظاً مقارنة بعام 2014، عندما جاءت في المرتبة 136.

وتجري الانتخابات التشريعية في روسيا خلال، يوم التصويت الموحّد، في 18 سبتمبر/أيلول المقبل، وسط معطيات مؤكدة بفوز حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، مع وجود تساؤلات فقط عن النسبة التي سيحصل عليها. ويشغل النواب عن "روسيا الموحدة"، حالياً، 238 من أصل 450 مقعداً في مجلس الدوما (النواب) الروسي، كما أن هناك 3 أحزاب أخرى متمثلة بالمجلس، وهي الحزب الشيوعي، والحزب الليبرالي الديمقراطي، وحزب "روسيا العادلة".