"جمعية" ريم صالح: يوميات المواجهة

"جمعية" ريم صالح: يوميات المواجهة

10 مايو 2019
ريم صالح: "يقفون على أقدامهم" (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
يتناول "الجمعية" (2018، 80 دقيقة، إنتاج لبناني مصري يوناني قطري سلوفاني مشترك)، للّبنانية ريم صالح، وقائع العيش اليومي في الفقر، ومواجهته بصلابة وتمرّد ومناكفة. يتّخذ من حي "روض الفرج" في القاهرة حيّزًا لبحثٍ سينمائيّ في أحوال أناسٍ، يعاندون أقدارًا ويتّحدون مصائر. يؤسّسون "جمعية" تُعنى بمساعدة بعضهم البعض، يودعون فيها أموالاً يحصلون عليها من أعمالٍ متفرّقة، ويمنحون المبلغ كلّه لمحتاجٍ بينهم. ينفتحون على يوميات بعضهم البعض. يتزوّجون ويُطلِّقون ويُنجبون ويخرجون ويعودون، فهم يريدون حياة أفضل، لكنهم قادرون على عيشٍ غير مرتاحين إليه. يتحرّرون من استسلامٍ أو هزيمة، رغم أن بعض خيباتٍ تأتيهم فيقومون منها كأنْ لا خيبة ولا تراجع ولا انكسار.

ريم صالح غير مكتفية بظاهرٍ. تبدأ حكايتها مع الحيّ من جمعية تؤسَّس فيه، مثيل جمعيات تنشأ في مدنٍ فقيرة. يبتكر أناسٌ طرقًا جمّة لمواصلة العيش. يتفنّنون باختراع أنماط ومسالك. كأنهم، بهذا كلّه، يصنعون حياةً كاملة، وأحلامًا بخلاصٍ تراودهم فلا يستكينون لصمتٍ أو عزلة. ريم صالح غير مكتفية بالجمعية، وإنْ تجعلها نواة درامية لمساراتٍ، تكشف معاني المكابرة والتحدّي والصلابة، والتزام نهجٍ حياتي منبثق من موروثٍ أو تربية، ووعي فطريّ يمزج بين التقليد والواقع. تتوغّل في أزقة الحيّ ومناخاته وأمزجة ناسه. تدخل بيوت البعض، وتحاور البعض، وتتابع يوميات مسكونة ببراءة طفولية أو بإعمال العقل لمقارعة التحدّيات والمآزق والصدمات. تريد كشفَ مُبطّن، من دون أن تتجاوز رغبات واثقين بها وراغبين معها في سرد حكاياتٍ ذاتية.

الإسراف في التقاط نبض الناس ومسالكهم يُحرِّض على معاينة عالمٍ يكاد ينغلق على ذاته كلّيًا. للقبور فيه حيّز أساسي، فالموت حقّ، والتعاطي مع الموت أجمل من أن يُختزَل بكلمة. هذا امتدادٌ لكيفية مقارعة تحدّيات ومآزق ومصاعب وصدمات أيضًا، فللحياة مغزى، وللعيش متطلّبات، ولهؤلاء فنون في استنباط المستحيل وتطويعه.

تكتفي ريم صالح بـ5 شخصيات أساسية، ترافقها في مساراتها وآمالها وقصصها. تختار حي "روض الفرج" لعلاقة شخصية وحميمة به، فوالدتها ناشئة هناك، وراغبة لاحقًا في أن تُدفن فيه، وهذا حاصلٌ عام 2009. متطلبات الدفن محتاجة إلى زيارات، تقوم بها ريم صالح فتلتقي أناسًا يعرفون الوالدة ويتعرّفون عليها (صالح). تريد حِدادًا، فتعيشه هناك. تزور الحيّ فتتردّد إليه مرارًا، ما يؤدّي بها إلى تشييد علاقة بالمكان وناسه. لاحقًا، تنتبه إلى أنّ في الحيّ فقرًا كثيرًا ومعاناة كثيرة، ورغم هذا يتميّز كثيرون فيه بتوقٍ إلى مساعدةٍ، طالما أنهم قادرون. تُدرك ريم صالح أن في الحيّ جمعية، فللمصريين تجربة كبيرة في هذا المجال. ولأن لها في "روض الفرج" معارف، تختار الحيّ وتُنجز "الجمعية".



5 شخصيات فقط كفيلةٌ بإنجاز وثائقيّ يروي سيرة حيّ وسِيَر أفراد يتمتّعون بروحٍ مرحة، ويعيشون الحياة برغبة في تحدّي المخاطر. ورغم أن لديهم مشاكل، فإنهم متمكّنون من الاحتيال عليها، أو يحاولون فعل هذا كي يُكملوا عيشهم، متضامنين معًا لمواجهة شقاءٍ، ولغلبته أيضًا إنْ يتمكّنون من ذلك. أما التوغّل في أعماق تلك البيئة، كما في أرواح ناسها ونفوسهم وأهوائهم وهواجسهم ومسالكهم اليومية، فمُنزّهٌ عن كلّ حُكمٍ مسبق أو لاحق، فـ"الجمعية" انعكاسٌ لما يعيشونه ويشعرون به، ولكيفية تصرّفاتهم اليومية وفقًا لثقافة مستمدّة من وعي وتربية وتراكمات.

تقول ريم صالح إن علاقتها بوالدتها وبالمنطقة دافعٌ إلى تحقيق "الجمعية" في "روض الفرج"، لكنها غير راغبة في فيلمٍ عن الوالدة أو عنها، فما تريده واضحٌ ومحدَّد منذ بداية التفكير بالمشروع: "كيف يتدبّر الناس أمورهم وهم يواجهون وضعًا صعبًا، ويعيشون تحت خط الفقر بكثير، ورغم هذا هم قادرون على الوقوف على أقدامهم، ويهتمّون بتفاصيل الحياة، كالفرح والعيش". تُضيف: "هم في بيئة تتعامل مع الحياة والاحتفال بها بالطريقة نفسها التي يتعاملون فيها مع الموت مثلاً" ("ضفة ثالثة" في "العربي الجديد"، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018).

فيلم يكشف انتصار أناسٍ لحياة، يُدركون أنهم راحلون في نهايتها، فيعاندون من أجل بعض الفرح والمتع.

(*) يُعرض "الجمعية" مساء اليوم الجمعة، 10 مايو/ أيار 2019، في صالة سينما "متروبوليس" (بيروت)، في إطار النسخة الـ15 لـ"شاشات الواقع"، المقامة بين 2 و12 مايو/ أيار 2019.

المساهمون