أسرع طريق إلى الإفلاس

أسرع طريق إلى الإفلاس

04 يوليو 2015
احتجاجات في اليونان رفضاً لمطالب الدائنين (فرانس برس)
+ الخط -

الطريق إلى الإفلاس سواء للأفراد والدول. من ينفق أكثر من إيراداته، يكن في الطريق إلى الإفلاس، إلا أن يتدارك ذلك بإعادة هيكلة قبل وقوع الأسوأ. عندما يغالي الأفراد والأسر في الإنفاق، يأتي عليهم يوم لا يجدون فيه ما ينفقون بعد أن يغرقوا في الديون. الأمر نفسه ينطبق على الدول، التي تفتقر إلى هيئات رقابية قوية ومستقلة، ذات سلطات واسعة، تضمن للشعب المعلومة الصحيحة.

إن التقييم غير السليم، والمعلومة غير الصحيحة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وسوء تقدير المواقف السياسية، يقود الدول إلى الإفلاس في لمح البصر.

عربيا، لا يزال الجميع يتذكر كيف كانت تونس تعتبر "نموذجا تنمويا" في المنطقة العربية، بل إن الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، أدلى بتصريح مثير في إحدى زياراته لتونس: "ما هي حقوق الإنسان؟ أن تأكل، وتتعلم، وتعالج.. من هذه الزاوية، تونس متقدمة جدا"؟. يلخص هذا التصريح السياسة التي كان يروج لها نظام بن علي، ومفادها أن التنمية أولى من الديمقراطية.

وبعد أن أجبر ثوار تونس بن علي على الهروب من البلاد، اكتشفت المنظمات العالمية التي كانت تصدر تقارير وردية عن تونس زيف أرقامها ومعطياتها السابقة عنها. 

كم من دولة عربية الآن تتخذ قرارات مكلفة جدا لشراء السلم الاجتماعي، رغم وعيها بأن مواردها لا تتحمل تكلفة هذه القرار؟ إنه الطريق نفسه الذي أوصل اليونان إلى الإفلاس.

وإذا كان مفهوما انشغال أوروبا وصندوق النقد الدولي بمستقبل اليونان بدل التركيز على الأسباب التي أوصلتها إلى هذه الوضعية المتأزمة، فإنه من غير المقبول ألا تتساءل الدول التي توشك أن تعيد التجربة اليونانية المأساوية عن جذور هذه الأزمة. ذلك أن الإجابة عن هذا السؤال تكتسي أهمية كبيرة لفهم الطريق، التي أوصلت دولة في تكتل اقتصادي وسياسي أنموذجي إلى الإفلاس. أثينا لم تعد حاليا قادرة على تغطية نفقاتها، بما في ذلك صرف الأجور، وبنوكها صارت عاجزة عن صرف ودائع عملائها.

بدأ كل شيء بكذبة مفادها أن اقتصاد البلاد قائم على أسس متينة ولا خوف عليه من تحمل نفقات جديدة. كذبة مكنت حكومات يونانية عدة من استغلال موارد البلاد لتحقيق انتصارات انتخابية ضيقة عبر استمالة الناخبين بقرارات تقضي برفع الأجور.

على مدى سنوات، ظلت الانتخابات في اليونان مقرونة بالزيادة في الأجور في وقت تراجعت فيه إيرادات البلاد، خاصة الضرائب، بسبب تفشي الفساد والرشوة والمحسوبية. مسؤولون أوروبيون اكتشفوا، أو بالأحرى اعترفوا، بشكل متأخر، بأن النظام الضريبي اليوناني الأسوأ من نوعه في القارة كلها. الشعب اليوناني أيضا صدم بهذه الحقيقة، فكان أن صوت في آخر انتخابات لصالح اليساريين عقابا لباقي الأحزاب الرئيسية على هذه الكذبة. كما أن اليونانيين الآن في مفترق طرق خطير جدا قد يدفع بهم في دوامة أزمات لا تنتهي في حال تخلى عنهم شركاؤهم الأوروبيون.

غير أن اليونان، رغم أزمتها، محظوظة، لأنها شريك في تكتل اقتصادي قوي أغدق عليها بمساعدات سخية وحضر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.

تصوروا حال اليونان وجها لوجه مع صندوق النقد الدولي بدون سند أوروبي؟

مؤكد، ستضطر الحكومة اليونانية المقبلة إلى تخصيص مكتب لخبراء الصندوق في وزارة المالية في قلب أثينا. سيتدخل هؤلاء الخبراء في كل شيء. سيفرضون قراراتهم على الحكومة اليونانية، بل سيصبحون "حكومة ظل". سيجبرون أثينا على نهج سياسات غير اجتماعية تزيد البطالة والفقر وتخفض الأجور وتقلص الوظائف في الوظيفة العمومية، وقد تشمل تجميد الاستثمارات لسنوات.

وإذا أراد اليونانيون أن يعرفوا ما ينتظرهم في حال خروجهم من منطقة اليورو، فما عليهم سوى العودة إلى تدخلات الصندوق الفجة في بعض الدول العربية في إطار ما اشتهر وقتها بـ"سياسات التقويم الهيكلي".

حتى الساعة، يبدو أنه لا شيء يمنع الإعلان رسميا عن إفلاس اليونان سوى انتمائها لمنطقة اليورو. إفلاسها سيعني خروجها رسميا من هذه المنطقة، وهو سيكبد 18 دولة، خاصة ألمانيا، خسائر كبيرة. غير أن اليونان ستجد نفسها في حال بقائها في اليورو صعوبات كبيرة مستقبلا في استعادة مصداقيتها بعد أن أوصلها كذب حكوماتها إلى الحضيض.

باختصار، أوروبا طوق النجاة الوحيد المتاح لليونان قبل أن ينقض عليها صندوق النقد.

المساهمون