أوكرانيا بين أوراق روسيا والنفوذ الأميركي

أوكرانيا بين أوراق روسيا والنفوذ الأميركي

26 أكتوبر 2014
عوامل داخلية مهدّدة للميدان الأوكراني (فرانس برس)
+ الخط -
يطرح انسحاب حزب الأقاليم، الموالي لروسيا من الانتخابات التشريعيّة الأوكرانيّة، وإعلان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، غير المعترف بهما، عدم شمول الانتخابات الأوكرانية أراضيهما، وعزمهما انتخاب رئيسين وبرلمانين بصرف النظر عما تفعله كييف، تساؤلات كثيرة، عما إذا كان من شان ذلك تزويد موسكو بأدوات تأثير جديدة في الدولة الجارة، العازمة على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، أم أنّه يجرّد الكرملين من أدواته في الداخل الأوكراني.
ويبدو أنّ قدرة موسكو على التأثير في سير الانتخابات الأوكرانيّة ونتائجها شبه معدومة. وبالتالي، لم يبقَ لها اليوم إلا ورقة الانفصاليين، التي تشكّل التحدي الأكبر والأخطر لأي برلمان وحكومة مقبلين، في حين يتصاعد المزاج المعادي لروسيا داخل أوكرانيا، بالتوازي مع الشعارات القومية المتطرفة التي طغت على الحملة الانتخابية. لكن، لدى أوكرانيي كييف أنفسهم، وبصرف النظر عن مصير الأقاليم الانفصالية، ما يكفيهم من أسباب الاختلاف وقابليّة الانفجار، وهو ما يهدّد لا مستقبل البرلمان فحسب، إنّما مستقبل البلاد السياسي برمّته.

أرقام ذات دلالة

ويُظهر استطلاع رأي، أجراه "مركز غورشينين لدراسات الرأي العام"، بين الثاني عشر والحادي والعشرين من الشهر الحالي، أنّ نسبة غير قليلة من الأوكرانيين (38.1 في المائة من المستطلعين)، مستعدة للتظاهر والاحتجاج في الميدان، في حال تقاعست السلطة الجديدة عن الوفاء بوعودها وإجراء الإصلاحات، مقابل رفض 49 في المائة الخروج للتظاهر، وامتناع 13 في المائة عن الإجابة.

في المقابل، أعرب 63.6 في المائة من المستطلعين، عن مساندتهم للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، مقابل تأييد 13.8 في المائة، التكامل مع روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان، في حين لم يحسم 8.1 في المائة رأيهم في هذه المسألة.
وفي حال إجراء استفتاء عام على انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، أبدى 53.4 في المائة تأييدهم للخطوة، مقابل معارضة 33.6 في المائة للانضمام، وتأكيد 5.6 في المائة أنّهم لن يشاركوا في استفتاء مماثل لو جرى. ولم يحسم الباقون، والبالغة نسبتهم 7.4 في المائة، أمرهم حيال هذه المسألة أو امتنعوا عن الإجابة.
ويبدو أنّ عوامل داخليّة، أكثر مما هي خارجيّة، تحدّد اليوم التهديد بالميدان القائم في أوكرانيا، منذ استخدام الشارع كأداة سياسيّة للمرّة الأولى، وبعد انقسام أوكرانيا إلى جنوبيّة ــ شرقيّة روسيّة وغربية أوروبيّة. وتتعلّق هذه العوامل بكفاءة البرلمان الجديد ودرجة تجانس الحكومة المقبلة وقدرتها على حلّ المسائل الاجتماعيّة ــ الاقتصاديّة بالدرجة الأولى. والسؤال المطروح في هذا السياق: "هل يستطيع الرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو تحقيق أغلبيّة برلمانيّة، تمكّنه من اتخاذ القرارات التي تعزّز سلطته وتشكيل حكومة تنفّذ هذه القرارات؟

بوروشينكو والأغلبيّة البرلمانيّة

وفي هذا الإطار، تنقل صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" (أدلة وحقائق)، عن الباحث السياسي المتخصّص بالشأن الأوكراني، ديمتري كوليكوف، قوله إنّ "كافة الدلائل تشير إلى أنّ بوروشينكو سيحقّق أهدافه، لناحية حاجته الأكيدة لهذه الانتخابات البرلمانية، من أجل تشكيل سلطة متجانسة ومتماسكة بما فيه الكفاية". ويرى أنّ "الرئيس، وفق الدستور الأوكراني الحالي، يفتقر إلى السلطة الكاملة وهو بحاجة إلى تشكيل حكومته أيضاً".
وفي سياق متّصل، يقول الباحث السياسي الأوكراني الشهير، مدير معهد كييف للدراسات السياسيّة والنزاعات، ميخائيل بوغريبينسكي، في لقاء على موقع "روسكلاين.رو"، إنّ "هناك احتمالاً كبيراً لحصول بوروشينكو على 40 في المائة من الأصوات في القوائم الحزبية. كما أنّه سيحصل في الدوائر الانتخابيّة على 40 في المائة من أصوات الناخبين، كحدّ أدنى، وهو ما سيمكّنه بالنتيجة، من تحقيق الأغلبيّة البرلمانية".
وفي تأكيد على ذلك، نقلت وكالة "إنترفاكس" عن رئيسة الوزراء والسجينة السابقة بتهم فساد، زعيمة حزب "الوطن"، يوليا تيموشينكو، تشديدها "بدقة مطلقة"، على أنّ "حزب الوطن لن يكون معارضاً في البرلمان المقبل، فنحن نسير نحو ائتلاف ديمقراطي".
ومع ذلك، يبقى سؤال من سيترأس الحكومة معلقاً ومقلقاً في الوقت ذاته، إذ دأبت العادة الأوكرانيّة على أن يشكّل هذا الموضوع على الدوام، نقطة نزاع دافعة إلى الميدان، لكن هل من شأن حضور الولايات المتحدة، الطاغي هذه المرّة، أن يبرّد الميدان ويجلس وزيراً أول على كرسي مستقر؟

من سيشغل كرسي رئاسة الحكومة؟

ويتوقّع مدير "معهد الاستراتيجيات العولمية"، فاديم كاراسيف، أن "تشهد الانتخابات الحالية تصعيداً في المواجهة بين حزبي السلطة "كتلة بيوتر بوروشينكو" و"الجبهة الشعبيّة". ويعتبر، وفق تصريحات خلال مؤتمر صحافي في وكالة "ريا نوفوستي"، أنّ "السؤال المركزي اليوم، هل سيتمكن بوروشينكو من تشكيل أغلبيته البرلمانيّة وحكومته برئاسة فلاديمير غرويسمان (الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس الحكومة)؟ ويوضح أنّه "في حال لم يتمكّن من ذلك، فالحكومة ستكون ائتلافيّة، وبالتالي سيترأسها أرسيني ياتسينيوك"، وهو ما يبرر، من وجهة نظره، "احتدام المواجهة على فكرة الإصلاح بين بوروشينكو وياتسينيوك، علماً أنّ الأخير طرح في نيويورك برنامجه عن إصلاحات واسعة، في حين طرح بوروشينكو في كييف برنامجه الإصلاحي ــ 2020".

وفي تركيز على العلاقة التي تربط ياتسينيوك بالدوائر الأميركية، تنقل صحيفة "أدلة وحقائق" عن الباحث السياسي ديمتري كوليكوف قوله، إنّه "من الواضح أن ياتسينيوك في منصب رئاسة الوزراء، يناسب تماماً الولايات المتحدة، فهي تدعمه شخصياً ومهنياً". ويضيف: "أظنّ أن مصير كرسي رئاسة الوزراء سيكون نتيجة مفاوضات معقّدة وراء الكواليس، وسيتعلّق ذلك طبعاً بموقف الولايات المتحدة".
من هنا، ليس خافياً أنّ "حضور الولايات المتحدة، على هذه الشاكلة، في الحياة السياسيّة الأوكرانيّة، يعزّز الموقف المعادي لروسيا في الأوساط السياسيّة الأوكرانيّة الساعية إلى السلطة، إرضاء للغرب من جهة ولجمهورها المستقطب قومياً ومذهبياً من جهة أخرى".

العداء لروسيا شعار المرحلة

يرى الباحث السياسي أليكسي كوتشيتكوف، على موقع "كانتسبوال.رف"، أنّه "إذا نظرنا تحت أيّ شعارات جرت حملة المرشحين الانتخابيّة ومن شارك فيها ومن وصل إلى نهايتها، فالجميع هناك، عملياً بطريقة أو بأخرى، ساروا باتجاه التطرّف القومي". ويضيف "على مستوى الشعارات، تشكّل تيار فاشي عام، أي أنّ البرلمان الجديد سيخلو من اليساريين الحقيقيين والديمقراطيين الحقيقيين، بالمعنى المباشر للكلمة، وكذلك من الليبراليين الحقيقيين. الجميع هناك نازيون وفاشيون بوضوح".
وفي الإطار ذاته، يقول كوليكوف، تعليقاً عمّا إذا كان على روسيا الاعتراف بشرعية الانتخابات التشريعيّة الأوكرانيّة، في ظلّ التضييق على الأحزاب التي تعبّر عن مصالح الناطقين بالروسية والحيلولة من دون مشاركتها في الانتخابات، وعدم دعوة المراقبين الروس، إلى جانب استمرار الحرب الأهليّة في البلاد: "لا أعلم ما هو الموقف الذي ستتخذه روسيا الاتحادية". ويتابع "لكنني أفهم أن شرعيّة الانتخابات داخل أوكرانيا نفسها، ستكون موضع شك. فمن الواضح أنّ نسبة هائلة من الناطقين بالروسيّة، ومن أولئك الذين لا يساندون الميدان (وهم حوالي نصف السكان) لن يكون لديهم من يمثلهم"، في البرلمان الجديد.
أما على المستوى الروسي الرسمي، تنقل وكالة "إنترفاكس" عن مدير إدارة الرئيس الروسي سيرغي إيفانوف، تأكيده أنّ الكرملين سيعترف بنتيجة الانتخابات البرلمانيّة الأوكرانيّة، مضيفاً "ما نريده هو أن تسير أوكرانيا في طريق طبيعي حضاري، وأن تكون دولة قادرة على إعالة نفسها، كنقطة بداية".
ويبقى السؤال الأساسي: هل يترك تنازع المصالح بين الغرب وروسيا، وبين ملوك الفساد الأوكرانيين، لأوكرانيا أن تكون كذلك، وهل سيكون البرلمان الجديد لاعباً وطنياً فاعلاً أم منفّذاً لإرادات تؤدي إلى مزيد من التوغّل في الأزمة؟

المساهمون