إننا نعيد الكرّة

إننا نعيد الكرّة

01 ديسمبر 2014
أرقام خادعة عن الاقتصاد(getty)
+ الخط -
قد تكون الأرقام العامة خادعة. أحياناً تطرح السلطات الرسمية أرقاماً ضخمة عن الاقتصاد الجزائري، يسمعها المواطن العادي فيظن أننا ‏بخير. هذه المعطيات الكلية كافية لتضليل الرأي العام، ‏لكن الأمر لا ينطبق على من لديه ثقافة اقتصادية عامة. إذ بمجرد ‏أن تسمع أن بلداً يصدر ما لا يقل عن 65.92 مليار دولار، ستفترض أن ‏هذا البلد يعد من أغنى البلدان في منطقته، لكنك ستُصدم عندما تعلم أن هذا ‏البلد يستورد 54.85 مليار دولار فيكون الفائض 11.07 مليار دولار فقط لا غير. وستصدم أكثر عندما تعلم أن هذه الصادرات بنسبة كبيرة هي عبارة عن محروقات ‏خام بما يعادل 97.72%.

اقتصاد أو أكثر
إذن، ماذا يصدر هذا البلد خارج ‏إطار المحروقات، وكم يصدر؟
تجيبنا السلطات الرسمية من خلال أرقامها ‏المنشورة أننا نصدر مواد نصف مصنعة بقيمة 1.61 مليار دولار، ومواد ‏غذائية بـ 402 مليون دولار، ومواد خام بـ 109 مليون دولار، ومواد تجهيز ‏صناعي بـ 27 مليون دولار، اضافة إلى مواد استهلاكية غير غذائية بقيمة 17 مليون ‏دولار.‏
ألا يعتبر هذا الاقتصاد الذي لم يصدر انتاجاً محلياً ولو بمليار دولار واحد، اقتصاداً ضعيفاً؟ هل يمكن أن نتحدث ‏عن إستراتيجية تصديرية فعلية خارج قطاع المحروقات، في اقتصاد ضعيف ‏يعيش أهله بالوهم الحقيقي؟
لنتخيل مثلاً أن ما يصدره هذا البلد كان بيد دولة كتونس أو المغرب، هل ‏ستضيع موارده في الإنفاق على استيراد المواد الاستهلاكية المختلفة من الصين ‏وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية؟
لماذا لا يتم استغلال مواردنا المالية الفائضة في تطوير هذا الاقتصاد ‏المتميز بقطاع فلاحي لا يقل عن 40 مليون هكتار من الأراضي؟ وبمقدرات حضارية قد تجعل الجزائر بلداً سياحياً بامتياز؟
سأواصل الأسئلة: لماذا يقولون إنهم وضعوا استراتيجيات لتطوير القطاع ‏الفلاحي والسياحي والصناعي والخدماتي؟ أين هي آثار تلك ‏الإستراتيجيات على الصادرات والواردات؟ لماذا نعجز عن إنتاج غذائنا ‏ودوائنا ولباسنا؟ هل المنتج الصيني أفضل؟ هل ‏يعقل أن إسبانيا في عز أزمتها تصدر للجزائر سنة 2013 ما لا يقل عن ‏‏10 مليارات دولار مثلاً؟ لماذا؟
أظن أنني أدرك ما يحدث في اقتصاد بلدي. هذا البلد الذي يُخدع من بعض أبنائه ‏الذين فتحوا مشاريع في الخارج. هؤلاء لديهم مؤسسات تصدير واستيراد ‏من الصين وغيرها من الدول، ولديهم أيضاً في الجزائر مكاتبهم ‏ومؤسساتهم. هؤلاء يقومون بالتصدير لأنفسهم من هذه الدول ويضخمون ‏الفواتير بغية استنزاف العملة الصعبة من البلد وبالسعر الرسمي، فتكون ‏عملية النصب والاحتيال على مستوى عال جداً.
هنا تُهرَّب العملة بطريقة مقوننة، ويدمر الاقتصاد بنفس تلك القوانين التي وضعت من أجل أن ‏تخدم أناساً بحد ذاتهم هم من يسيطرون على ميناء الجزائر والموانئ ‏الجهوية الأخرى. يستوردون أسوأ السلع بأغلى الأثمان، وهدفهم الربح ‏من فارق سعر الصرف في السوق الموازية داخل الجزائر من جهة، ‏وتهريب رؤوس أموالهم للخارج بطرق قانونية من جهة أخرى.‏
إنها الخيانة الاقتصادية التي جعلت بلداً كالجزائر يستورد ما يفوق 9 مليارات ‏دولار من الغذاء، وهو البلد الذي لديه إمكانات لإنتاج غذاء يكفي إفريقيا كلها، ‏فإذا به يعجز عن تحقيق الاكتفاء الذاتي.‏
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم لنا قائمة إلا إذا تنبهنا لخطر ‏المستوردين الفاسدين ووضعنا لهم حداً، ليتوقفوا عن استنزاف ثروات الأمة. ‏والمؤلم أن ذلك يتم بتغطية قانونية كاملة. ‏
إننا كتلميذ غبي لا يتعلم من دروس الأمس. وأقصد بالذات دروس ‏الثمانينيات، حين دخلنا في دوامة المديونية التي خنقتنا لعقود، وجعلتنا ندفع ‏الثمن غالياً مع صندوق النقد الدولي الذي ابتزنا بالأمس ليغازلنا اليوم لعله ‏يتمكن من الاستيلاء على فوائضنا المالية.‏
اليوم، أسعار المحروقات تشرع في النزول بعد أن عشنا حلم الارتفاع ‏وحققنا الفوائض المالية. فوائض كان من المفترض أن تتوجه نحو الاستثمار عوض أن توجه للاكتناز. نحن نعيد الكرة. نحن لم نستفد من دروس الأمس.

خبير اقتصادي جزائري

المساهمون