الإجازة الصيفية سجنٌ لأطفال العراق

الإجازة الصيفية سجنٌ لأطفال العراق

29 يوليو 2015
أطفال العراق في الإجازة.. فرح منقوص وسجن مفروض (Getty)
+ الخط -
يفكر جميع الطلبة في كيفية قضاء إجازتهم التي ينتظرونها من عام لآخر، فيما تدب الحيرة والقلق في نفوس العوائل العراقية، وتزدحم الأسئلة حول كيفية قضاء أطفالهم ثلاثة أشهر "الإجازة الصيفية"، بعد انتهاء العام الدراسي، في بلد يعاني جميع مفاصله من أعمال العنف وانعدام الأمن في مدنه التي تتعرض إلى الحروب والأزمات بشكل مستمر.

الشارع العراقي
أبو شمس من محافظة ديالى، يقول لـ "العربي الجديد"، لديّ ابنتان في المرحلة الإبتدائية، وقبل أن ننزح من ديالى، لم أكن أسمح لبناتي الخروج من المنزل أثناء الإجازة الصيفية، وكنت اشتري لهن هدايا وألعاباً كثيرة، لأن الوضع الأمني في مدينتنا مترد باستمرار، وإن استقر الوضع لعدة أيام، يعود بعدها سيئاً كما هو معتاد، وهذا ما يجعلنا نعيش حالة خوف دائم على أطفالنا.
وأضاف أبو شمس أن من الصعب توفير أجواء مثالية لأطفالنا، بسبب ما نعيشه من انعدام للأمن والأماكن الترفيهية، وقد أصبحنا نتمنى ألا تأتي العطلة الصيفية حتى تنشغل بناتي بالمدرسة، ولا يفكرن بالتنزه أو الرحلات الصيفية، ويتساءل أبو شمس أين تتنزه بناتي في بلدٍ لا تعمل فيه غير آلة الحرب.

ويشترك أبو عمر مع أبو شمس، في خوفه الدائم على ابنه عمر (8 أعوام) في الصف الثاني الابتدائي. يقول أبو عمر من حسن حظنا أن مدرسة عمر مقابل بيتنا، ولكن بعد حلول الإجازة الصيفية أعاني من شكواه الدائمة من بقائه في المنزل، ولصغر سنهِ وبسبب تدهور الوضع الأمني لا أسمح له بالخروج، وإذا ما أراد الخروج أصطحبه معي إلى المحال القريبة لبيع الحلويات لأشتري له الحلوى، ثم أعيده إلى المنزل.

وأضاف أبو عمر لـ "العربي الجديد" لقد أصبح لدى عمر الآن حالة من الرهبة والخوف من كل شيء حوله، حتى أنه بدأ يخاف من اللعب مع أقرانه من دون أن يكون بصحبتي، وذلك بسبب عدم خروجه من البيت في الإجازة الصيفية إلا للضرورة، أو الذهاب بصحبة والدته إلى بيت جده.

أجازة الإنتقام
وبحسب العائلات وأطفالها الطلبة، الذين أجمعوا في حديثهم إلى "العربي الجديد"، بأن الإجازة الصيفية تكون أحيانا بمثابة سجن أو انتقام لهم، يقول فهد (12 عاما) من محافظة الأنبار، ما إن تأتي الإجازة حتى يحبسني والدي في البيت خوفاً عليّ من العصابات والانفجارات اليومية، وإن خرجت لألهو وألعب مع أصدقائي يوبخني بشدة ويضربني أحيانا، حتى يبدأ حنيني إلى المدرسة منذ بداية الإجازة الصيفية، لأن المدرسة تعتبر المتنفس الوحيد ليّ ولأخوتي.

المشرف التربوي، محجوب يوسف، قال في حديث إلى "العربي الجديد"، إن الغرض من منح الإجازة الصيفية للطلبة؛ هو الراحة بعد العناء، وهي المكافأة بعد جهود الدراسة والمثابرة، إلا أن ما يحصل في العراق مختلف تماما، إذ تقوم الكثير من الأسر بعد انتهاء العام الدراسي، بتسجيل أبنائها في (الدروس الخصوصية)، لمذاكرة المادة الدراسية للعام القادم، بحجة ضعف مستواهم الدراسي، فيما يتجه بعضهم لألعاب في الشوارع أو الانخراط في عصابات الجريمة نتيجة وقت الفراغ.

وعلل يوسف سبب ذلك بضعف الأداء الحكومي، والجمعيات المختصة في هذا الاتجاه، حيث لم توفر الدولة البرامج الخاصة بالإجازة الصيفية، ولم تقم بتوجيه الأطفال لاستغلال وقت الفراغ لديهم بالشكل الصحيح، كذلك غياب وانعدام البرامج الترفيهية، أو الدورات التعليمية مثل تعليم الحاسوب والرسم والخياطة؛ وغيرها من الفنون التي تجذب الأطفال إليها.

وأضاف يوسف أنه في كل بلدان العالم يتم الاستفادة من الإجازة الصيفية بشكل يتناسب مع الأطفال والطلبة، ومع مدة الإجازة والتي غالبا ما تكون ثلاثة أشهر، ولكن في العراق وبسبب الفقر يضطر قسم كبير من الأطفال البحث عن عمل لإعالة أسرهم، حتى وإن كان هذا العمل لا يناسب أعمارهم أو بنيتهم العضلية وهذا ما يعرضهم للخطر.

أولويات العائلة
ويرى أستاذ علم النفس الدكتور عدنان المهداوي؛ إن "80 % من أطفال العراق الذين يعيشون في مدن الاحتراب يقضون العطلة الصيفية في بيوتهم، وأن أغلب هؤلاء يمرون بظروف قاسية لا يمكن تحملها".
ويقول المهداوي لـ "العربي الجديد" أنه إذا لم تقم الحكومة والجهات المعنية بدراسة وضع الأطفال، ووضع خطط تستغل فيها أوقات فراغهم وطاقتهم، فإن هؤلاء الأطفال حتما سوف ينخرطون في مجالات خطرة خاصة الفتية منهم، في المقابل سيكون هنالك من يترصد بهم لاستغلاهم بأعمال مشبوهة، أو تدريبهم على السلاح والقتال، كما نسمع اليوم من فتاوى ودعوات تشجع وتدعو إلى ذلك.

وأضاف المهداوي، إن أغلب العوائل العراقية تعاني سوء الوضع المادي، وهذا ينعكس سلبا على نفسية الأطفال، حين يكون التنزه خلال الإجازة الصيفية في ذيل أولويات العائلة، وهذا ما يجعل الأطفال هم الضحية، وعليه يجب مراعاة الظروف الصعبة التي يمرون بها، ومراعاة حالتهم النفسية، لأنهم هم شباب وقادة المستقبل وإذا لم تتوفر لهم الأسس الصحيحة فإنهم لن يستطيعوا مواجهة المزيد من الصعاب مستقبلاً.
يستطرد قائلا: سيكون الأطفال مختلفين عن أقرانهم في العالم، لأن ما مروا به من حروب جعلتهم أكثر عدوانية وانطوائية وعزلة، وإذا لم تتخذ الجهات المعنية وذووهم الإجراءات التي تساعدهم على استغلال وقت فراغهم، خاصة أثناء الإجازة الصيفية، فإن الأمور تتجه إلى ما لا يحمد عقباه.
الأم العاملة.. أنشطة مفيدة لإجازة صيفية سعيدة

المساهمون