الاحتجاجات الإيرانية في الإعلام الغربي: مجرد "بروفة"؟

الاحتجاجات الإيرانية في الإعلام الغربي: مجرد "بروفة"؟

05 يناير 2018
انطلقت التظاهرات في مدن إيرانية عدة (Getty)
+ الخط -
خرج عشرات آلاف الإيرانيين في تظاهرات احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، منذ الخميس الماضي، في الحراك الشعبي الأكبر منذ الانتخابات الرئاسية عام 2009. وردت السلطات الإيرانية على التظاهرات بالعنف، ما أدى إلى مقتل 20 شخصاً على الأقل، إلى الآن.

هذه التظاهرات كانت احتجاجاً على الوضع الاقتصادي للإيرانيين، وارتفاع الأسعار، ورفعت فيها شعارات تنتقد تصرفات الرئيس حسن روحاني وسياساته الاقتصادية. لكنّ التظاهرات، عندما امتدّت إلى طهران، حملت أبعاداً سياسيّة أخرى، فردد المشاركون فيها هتافات مناوئة لروحاني والحكومة الإيرانية وسياسات النظام.

وتباينت ردود فعل الإعلام الغربي على الأحداث في إيران، إذ رأى فيها البعض مقدمة لتحركات شعبية أوسع، بينما تشاءم آخرون من قدرة "الحرس الثوري الإيراني" ومنهج القمع الذي يتبعه، وركزت أخرى على مواقف الدول من هذه التظاهرات.

"الربيع الفارسي الحقيقي لم يبدأ بعد"

في مقالة عنوانها "البروفة الرئيسية: من سيقمع الميدان الإيراني؟"، اعتبرت صحيفة "سفوبودنايا بريسا" الإلكترونية الروسية، اليوم الجمعة، أن "الربيع الفارسي الحقيقي لم يبدأ بعد"، والاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها إيران مجرد "بروفة" لاضطرابات أوسع، متسائلة حول ما إذا كانت لدى الجيش والسلطة في طهران القوة والعزم الكافيين لقمعها.

وذكرت الصحيفة بأن إيران تملك أحد أكبر الجيوش في المنطقة، إذ يضم ما لا يقل عن 545 ألف فرد، بالإضافة إلى 330 ألف جندي احتياط، مشيرة إلى أن "الحرس الثوري الإيراني" يحظى بأكبر ثقة من السلطة.

لكنها شككت في أن جميع أفراد الحرس سيشاركون في قمع الاحتجاجات الشعبية في حال اتساع نطاقها، مذكرة بأن قائده الحالي، اللواء محمد علي جعفري، الذي كان قائداً لقواته البرية سابقاً، عارض عام 1999 الاستعانة بالجيش لفض تظاهرات الطلاب الإيرانيين.

وخلصت إلى أن النخبة العسكرية الإيرانية، لا سيما قيادة "الحرس الثوري"، لا تزال تدين بالولاء للقيادة السياسية والدينية في البلاد، لكن ذلك لن يمنع الجنرالات من التلميح بضرورة التغيير في البلاد، في إطار تقديم تنازلات إيديولوجية والحد من الرقابة في مجال الثقافة والحياة اليومية، وتوفير قدر من العلمانية.

"الجمود كلّي في إيران"

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالة لعالم الاجتماع فرهاد خوسروخافار، اليوم الجمعة، عنوانها "الجمود كلّي في إيران". وانطلق خوسروخافار، في مقالته، من المفارقة التي تعيشها إيران، إذ على الرغم من نجاح سياستها الخارجية، في سورية ولبنان واليمن والعراق، فإن الاحتجاج على النظام أعلن عن نفسه من الجبهة الداخلية.

ورأى الباحث أن "الأغلبية الساحقة من الاحتجاجات في العقدين الأخيرين قامت بها طبقات متوسطة جديدة، بينما الأحداث الأخيرة هي ذات طبيعة جديدة. ففي التظاهرات السابقة تمحور الأمر حول (ثورة الخبز)، أما الآن، فالمتظاهرون يطالبون، من الآن فصاعداً، بنهاية النظام، ليس من أجل المزيد من الديمقراطية وإنما بسبب اليأس من قدرة النظام الثيوقراطي (النظام الديني)".

وربط الباحث بين غياب أي قائد صاحب كاريزما لدى الإصلاحيين الإيرانيين، بعد انسحاب الرئيس السابق محمد خاتمي، وبين قدرة خامنئي، منذ تسميته مرشدا أعلى في 1989، على الصمود في وجه أزمات عديدة.

ورأى أن "النظام يرفض أي مسّ ببنيته الثيوقراطية المجمدة، ووسيلته البديلة هي القمع". كما أن "الحركة الاحتجاجية الحالية ليست لديها قيادة سياسية، فهي موزعة بين مدن إيرانية عديدة ولا يوجد أي رابط بين الشباب الفقراء في أسفل السُلّم الاجتماعي والطبقات المتوسطة المتعطشة للإصلاح السياسي".

وأضاف أن "هذه الحركة سواء نجحت أم فشلت في هدفها النهائي وهو قلب النظام، فهي علامة إنذار لنظام يتنافر مع المجتمع الإيراني"، وأردف أن "الجمود في إيران كليّ، وهنا يراهن النظام على ضعف المجتمع المدني الإيراني وعلى غياب قيادة لحركة الاحتجاج الحالية، أكثر مما يراهن على التأقلم مع التوزيع الجديد".

"إنه الاقتصاد أيها الأحمق!"

نشرت صحيفة "ذا غارديان" مقالة عزت فيها التظاهرات في المدن الإيرانية لأسباب اقتصادية لا سياسية، مستخدمة شعار الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون: "إنه الاقتصاد أيها الأحمق!". فالصحيفة رأت أن المشكلة التي تدفع المواطن الإيراني للتظاهر ليست في حكم رجال الدِّين بل في حجم الدَّين.

وبينما وجهت الصحيفة أصابع اللوم إلى فشل حكومة حسن روحاني في الوفاء بوعودها في تحسين الظروف الاقتصادية بعد الاتفاق النووي مع الدول الغربية عام 2015، تضع اللوم أيضاً على الغرب الذي فشل في تخفيف شدة العقوبات المفروضة على إيران.

ونفت "ذا غارديان" محاولات الجهات المختلفة، سواء كانت خارجية أم داخلية، في تفسير المظاهرات بطريقة أخرى. ووصفت النظام الديني المحافظ الحاكم في إيران بـ"قليل الاطلاع على العالم المعاصر، لذلك لجأ إلى توجيه اللوم ضد الأعداء الخارجيين، متهماً المتظاهرين بتلقي الأموال من الخارج".

ورأت الصحيفة نفسها في مقالة أخرى أن التصريحات الأميركية والتحول في المقاربة الأميركية تجاه إيران في عهد الرئيس الحالي، دونالد ترامب، تصب في مصلحة النظام الإيراني الذي يسعى لتحويل الأنظار عن الطابع المحلي للمظاهرات ووسمها بالعمالة الخارجية.

فمحاولات ترامب في التمايز عن سياسات الرئيس السابق، باراك أوباما، من خلال اتخاذ موقف صلب من إيران، تعزز من الرواية التي يعتمد عليها النظام الإيراني الذي بنى هوية قومية إيرانية على فكرة معاداة الغرب الذي يحاول تقويض إيران.

أما صحيفة "ذي إندبندنت" فاعتمدت رواية أقل توازناً ركزت فيها على رؤية إيران من العدسة الغربية أو من منظور المؤامرة. وتساءلت الصحيفة عن معنى المظاهرات الإيرانية الحالية، فهل تعكس انتفاضة مؤقتة نتيجة الإحباط من الأوضاع الحالية والتي يمكن إخمادها ببضع إصلاحات اقتصادية ودعم مالي وتخفيف القيود الدينية، أم هل يسود البلاد إجماع على التغيير قد يدفع إيران إلى متابعة توجهها نحو الغرب الذي توقف عام 1979.

ورأى الكاتب الذي عاصر الثورة ضد الشاه، أن إصلاحاته الغربية لم تلق الدعم الشعبي المطلوب، بل ولدت آثاراً اقتصادية مدمرة ضد أغلبية الشعب الذي انتهى به المطاف لدعم الخميني. ووصف الكاتب "الثورة الإسلامية" حينها بـ"الرجعية" ضد التغيير السطحي الغربي الذي حاول الشاه نشره في إيران ليعطي صورة مضللة عن مدى التطور في إيران.

وحاولت الصحيفة في مقالة أخرى طرح فكرة التدخل الخارجي للإطاحة بالنظام الإيراني، في محاولة رآها الكاتب منطقية لربط عدد من الخيوط ذات النهايات الحرة ليحيك نظرية تدفع القارئ باتجاه نظرية المؤامرة الخارجية.

ورغم أن الكاتب وجد عفوية وصدقاً في المطالب الشعبية، إلا أنه حاول ربط تزايد أعداد الضحايا وانتشار العنف بالدعم الخارجي الذي تتهم به عموماً السعودية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

أما مجلة "ذي إيكونوميست" فحاولت قراءة الاحتجاجات ومسار تطورها من خلال تحليل التوازنات الداخلية في إيران بين معسكري الإصلاحيين والمحافظين. وذكرت بأن ما أشعل فتيل المظاهرات هو احتجاج المحافظين على الرئيس روحاني الذي فشلت حكومته في ولايته الثانية في تحسين الأوضاع المعيشية للإيرانيين. كما أن حكومته الحالية فشلت في ضم النساء أو الأقليات الدينية أو العرقية إليها.

وبينما المجلة الصحيفة على الطبيعة الاقتصادية للاحتجاجات، رأت أن المحافظين يحاولون ركوب موجة المظاهرات الحالية، بهدف إضعاف التيار الإصلاحي الذي يتزعمه روحاني، والذي أعيد انتخابه في شهر مايو/ أيار الماضي بأغلبية مريحة.