الشباب التونسي والترويكا.. صراع جيلين وأكثر

الشباب التونسي والترويكا.. صراع جيلين وأكثر

22 أكتوبر 2014
خيارات شبابية الهوى والحلم قادمة تبشر بالأمل (أ.ف.ب)
+ الخط -

لعل أبرز ما يلحظه المتابع للشأن التونسي بعد 14 يناير/كانون الثاني 2011، هو استيلاء شيوخ المجتمع السياسي على مكتسبات الحراك الشعبي، وما أفرزته هذه القفزة من تداعيات على المشهد السياسي والاجتماعي التونسي. فبعد فرار المخلوع، زين العابدين بن علي، وسقوط حكومة رئيس وزرائه، محمد الغنوشي، أولى محاولات تغيير وجهة الحراك الثوري، وقصره على بعض التغييرات الظاهرية المتواضعة، أتت حكومة الباجي قائد السبسي، نسخة كربونية عنها، ولكن تم تقديمها على أنها حكومة الاستجابة لتطلعات الشارع التونسي، وهذا ما دفع للتعاطي معها بمستوى أعلى من الحذر.

وبينما كان الشباب التونسي طليعياً في خطوات ملحمة الدم منذ اليوم الأول للحراك الثوري في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وصولاً إلى يوم فرار المخلوع في 14 يناير/كانون الثاني 2011. صار الضحية الأولى، بامتياز، لعملية الاستيلاء الممنهج على مفاصل الدولة. وعندما نقول الشباب، إنما نعني بالقول كل قطاعاته، ممن يناضلون من داخل جامعاتهم ومدارسهم الثانوية، وأولئك الذين احترفوا إشعال الأحياء الشعبية والأرياف وهجاً ثورياً، دون إغفال دور شباب ملاعب كرة القدم وشباب المنتديات الثقافية المسيس والمتحزب. لكنه تعرض لحملة تحييد واختزال لدوره في الحراك الميداني، وجرت محاولات عديدة لاستعماله أداة تنفيذية في الجسم الحزبي والخصومات الإعلامية.

كانت الذرائع لتهميش الشباب واختطاف حضوره في الثورة نابعة من مقولة فقدان الخبرة وانعدام التجربة والتهور.. إلخ. كأن من يمتطون هذه المقولة يملكون التغيير والإصلاح والثورة. واستمرت المحاولات لحصار الشباب، وأتت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، التي أفرزت تشكيلة نيابية ممن غزا الشيب شعرهم، وهجرهم وهج الثورة منذ عقود.

كثرت التوقعات بأن حكومة ما بعد 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، حكومة الترويكا، المكونة من حركة النهضة وحزب المؤتمر وحزب التكتل، وهي أحزاب لا يُنفى نضالها وتضحياتها في عهد المخلوع، ستنصف الشباب وتشاركه في عملية إدارة الشأن العام، عبر تمكينه من الوجود في الطاقم الحكومي، حتى يكتسب المعرفة في دواخل الحكم وإدارة الدولة، ولكن هذه الحكومة التي أتت نتيجة لدماء شهداء، جلهم من الشباب، لم تمد يدها إليهم، وحدت من دورهم في الحكومة. ففي طاقم رئيس الحكومة، إن كان مع حمادي الجبالي، أو علي العريض، لم يوجد أي شاب في موقع فاعل، أو حتى قريب من الفعل، إلا شابين في مهام مكتبية، ونفس الحال يمكن سحبه على الطاقم الوزاري، فقد خلا من حضور الشباب. ولم يشذ قصر الرئاسة في قرطاج عن هذا الحال، وإن بدا محاولا تقديم ما هو مغاير، لكن، هل يعد تكليف شاب بالاهتمام بصفحة الـ"فيسبوك" الخاصة بالرئيس، المنصف المرزوقي، صنع قياديٍّ؟!

فشلت حكومة الترويكا في إشراك الشباب في الفعل السياسي والحضور الناجع القادر على صنع محترفي عمل دولتيّ، ويؤخذ عليها عدم إتاحة الفرص الكافية، والتي كانت مأمولة منها، للشباب في صنع تونس الغد، وعتب الشباب ازداد، من منطلق الغيرة الثورية والشراكة النضالية، على حكومة تشكلت أغلبية وزرائها ممن صنعوا مسيرتهم السياسية، ومهاراتهم النضالية، عبر حضورهم الشبابي في الأطر النضالية الجامعية، أو في الهياكل النقابية وأطر النضال المدني والحقوقي.

أمام هذا المشهد، وليس بسببه وحسب، اختار البعض من شباب الحراك الثوري، وغالبية منهم من شباب أحزاب الترويكا، خاصة من حركة النهضة، أن ينسحبوا من المشهد، واتجهوا نحو الانخراط في فضاء المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، كأنهم فضلوا عدم المواجهة، أو إيجاد مساحة تفهم لطبيعة المرحلة، وعدم الدخول في خصومة غير متكافئة، تكون عواقبها غير مأمونة عليهم وعلى مسار التغيير الثوري والانتقال الديمقراطي المؤسس لدولة ومجتمع تونس المستقبل، بما يمثل نقطة اللقاء التي يتربص بها أعداء التجربة الثورية الديمقراطية من كل جانب، وفضل الشباب عدم فتح جبهة داخلية بين أهل الثورة، ومع من يقفون في نفس الصف، لكن من طبائع التجربة الإنسانية بروز صراع الأجيال، وإن لم يكن على المصالح، فعلى أساليب العمل والوصول إلى الغايات.

لكن، وفي الوقت عينه، لا يمكن لوجهة النظر هذه، أن تحجب عنا رأيا آخر يعتبر أن عدم إشراك الشباب في الجسم الحكومي، أتى بداعي تحصينه من محرقة الحكم والسلطة، ولكن أصحاب هذه المقولة تناسوا أن المطلوب هو تحصين الشباب من هذه المحرقة عبر اختبارها، وليس بإبعاده منها.

أما اليوم، فتونس مقبلة على واقع جديد، ينتظرها بعد انتخابات 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014، المترشح فيها العديد من الشباب، ومهما كانت نتائج هذا الاستحقاق الديمقراطي، فإن خيارات شبابية الهوى والحلم قادمة تبشر بالأمل، والحصن القوي والواقعي لتونس ما بعد "14 جانفي" هو جيل يحمل قيم الحرية والعدالة والكرامة، ويعمل لها وفيها من خلال مجتمعه وعبر مؤسسات دولته.

المساهمون