النظرية الأميركية في المسألة الليبية

النظرية الأميركية في المسألة الليبية

15 سبتمبر 2014

جنود من المارينز أمام السفارة الأميركية في طرابلس (31أغسطس/2014/الأناضول)

+ الخط -

يبدو من مراجعة سلسلة مواقف الدبلوماسية الأميركية الخاصة بليبيا، أنها ترفض أي تدخل عسكري مغامر، وغير محسوب العواقب، من الجارة مصر التي بعثت عبر ترساناتها الإعلامية آلاف الرسائل لإدارة الرئيس باراك أوباما، والتي أُجملت في أن ليبيا تمثّل تهديداً لا لمصر فقط، بل حتى لإسرائيل. حتى أن بعض هذه الرسائل الإعلامية المشفّرة نسب المقاومة الشرسة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مواجهة حرب إسرائيل الأخيرة على غزة إلى السلاح الليبي المهرّب عبر الأنفاق المصرية، إبان حكم الرئيس المنقلب على نظامه، محمد مرسي.

لكن، يبدو أيضاً أن الولايات المتحدة، وعبر دوائرها الاستخباراتية في الشرق الأوسط، لم تعر هذه الرسائل أهمية، كون الأسلحة الليبية التي وصلت إلى حركة حماس ليست من الأسلحة النوعية التي تكسر ميزان الحرب أو القوة بين حركة المقاومة وإسرائيل، بل يمكن الحصول عليها بسهولة من أي سوق لتجارة السلاح، فهي أسلحة تقليدية.

كما أن الولايات المتحدة الأميركية، وقد تشاطرها الرأي دول أوروبية أهمها إيطاليا، تعتقد بأن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يريد أن يضرب عصفورين بحجر ليبي، الأول القضاء على تيار الإسلام السياسي في ليبيا، ضمن رؤية الحلف السعودي ـ المصري ـ الإماراتي الذي يشن حملة إقصاء لهذا التيار من الحياة السياسية لدول عربية كثيرة، عبر دعم واستضافة، بل والتدخل العسكري في دول الربيع العربي، وكذلك حل جزء مهم من المشكلة الاقتصادية التي تبدو مستعصية على الحل، في ظل نظام قمع ما بعد الثالث من يوليو/ تموز 2012، كارتفاع معدلات الفقر والبطالة والاحتجاجات الشعبية الاجتماعية المتصاعدة، وانقطاع التيار الكهربائي المستمر، على الرغم من ضخ مليارات الدولارات من الإمارات والسعودية والكويت.

تقوم الرؤية الأميركية لليبيا على إنقاذ الطرف الخاسر في المعادلة الليبية ميدانياً، أي الجناح

العسكري لتحالف القوى الوطنية، بزعامة محمود جبريل، المتمثل في كتائب القعقاع والصواعق والمدني في طرابلس، والتي تقهقرت على أيدي قوات فجر ليبيا المكوّن من ائتلاف اثنتي عشرة مدينة في الغرب الليبي، بزعامة مدينة مصراتة، بالإضافة إلى ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي انحصرت مناطق نفوذها بمطار بينينا ومعسكر الرجمة، على أطراف مدينة بنغازي، ومن المحتمل خسارتهما أيضاً على أيدي قوات مجلس شورى ثوار بنغازي، والذي يضم كتائب من تيارات إسلامية ووطنية وراديكالية كأنصار الشريعة.

وتستند الرؤية الأميركية إلى ضرورة إجراء حوار عاجل بين الأطراف الليبية المتصارعة. ففي جانب الثورة المضادة، يقف مجلس النواب المنعقد في طبرق، شرقي البلاد، والذي لا يمكن بأي وسيلة تخمين عدد أعضائه الحاضرين جلساته نتيجة التكتم الإعلامي الشديد، برعاية استخباراتية مصرية. وفي جانب أنصار ثورة فبراير، يقف المؤتمر الوطني العام الذي يحتج باستمرار ولايته إلى حين إجراء تسليم واستلام صحيحين بينه وبين مجلس النواب في طبرق، والواقع في مخالفات دستورية يُنتظر من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا أن تفصل فيه.

وهذا ما يعني أن تبقى حالة اللاسيطرة العسكرية مستمرة، وبالتالي استمرار الصراع واستخدامه أداةً من أدوات ضعضعة الاستقرار الداخلي، وجعل المشهد السياسي ومؤسسات الدولة رهينة لهذه القوى المتكافئة والمتصارعة دائماً في ما بينها. لذا، يرى أنصار ثورة فبراير أن أي حوار ليكون مثمراً، لا بد قبله من القضاء على جيوب الثورة المضادة في الغرب والشرق الليبي، وتقليم أظافرها ونزع سلاحها، حتى لا تتعدد مراكز القوى، وبالتالي، يمكن الجلوس إلى طاولة المفاوضات، على أساس من ثورة 17 فبراير، والتي تعني بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية، تُتَداول فيها السلطة سلمياً.

والملاحظ أن الإدارة الأميركية أيقنت، عملياً، بفقدان ميليشيات القعقاع والصواعق والمدني، السيطرة الكاملة والجزئية على العاصمة الليبية طرابلس من اليوم الذي أخرجت فيه قوة عسكرية تابعة للمارينز طاقم السفارة وجميع المستندات والمعدات منها، حيث يوجد مقر السفارة الأميركية في طريق مطار العاصمة طرابلس، وكانت تحت حماية هذه الميليشيات.

لذا، أرادت الإدارة الأميركية بمبادرة الحوار تلك التي تدعو إليها، ووكلت دولاً عربية لتقديمها لأطراف النزاع الليبي، كالجزائر، أن تعيد هذه الميليشيات إلى المشهد الليبي من جديد، في وقت يرى فيه أنصار الثورة الليبية أن معركتهم كسر عظم، ولا يمكن لهم أن يسمحوا لمَن عطّل المسار الديمقراطي، وأدخل ليبيا في مرحلة انتقالية ثالثة، أفرزت مجلساً للنواب انحاز، بشكل سافر، لعملية الكرامة التي يتزعمها خليفة حفتر، ولذا، يعلنون أنهم مستمرون في معركتهم في بنغازي وطرابلس، حتى تعود إلى الثورة سيرتها الأولى، بصرف النظر عن كل المبادرات، وإن كانت أميركية.

A8212A5E-4B14-470D-B474-5D3D429C326F
هشام الشلوي

صحفي ليبي، حاصل على ليسانس حقوق من جامعة بنغازي عام 1995، باحث في مركز العين الليبي للإعلام والصحافة والدراسات.