باسم فرات.. في مسالك الحلم البوليفاري

باسم فرات.. في مسالك الحلم البوليفاري

12 سبتمبر 2015
(غرافيتي عن بوليفار في كاراكاس/ فنزويلا)
+ الخط -

"الحلم البوليفاري.. رحلة كولومبيا الكبرى"، كتابٌ جديد للشاعر العراقي باسم فرات، صدر مؤخّراً عن "دار الحضارة للنشر"، مشتملاً على 21 فصلاً قصيراً، ينقلنا من خلالها المؤلف بين كولومبيا والبيرو ومناطق مختلفة من الأكوادور، كاشفاً ما عاشه فيها من لحظات دهشة وتوتّر ومغامرة، متتبّعاً التاريخ الثقافي والبيئي والاجتماعي والسياسي لتلك المناطق.

يقارن فرات بين ما عاشه في رحلات هذا الكتاب، وما اختبره في مغامرات أخرى في بلده الأم العراق، أو في نيوزيلندا؛ حيث يقيم حالياً، أو في بلدان أخرى عمل بها لسنوات؛ كاليابان ولاوس والسودان.

يلفت المؤلِّف انتباه قارئه بعناوين مثيرة، مثل: "متاهة الأمازون" و"الأميرة كويلاغو تفتح أهرامات كوتشاسقي" و"خوان خليمان وداعاً" و"طوفان نوح يصل إلى البيرو متأخّراً" و"عيد ميلادي عند فوهة بركان".

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يجيب فرات عن سؤال حول تقاطع حياته الشعرية بحياته كرحالة: "أحلم دائماً أن أعيش للشعر، وأن أتنقّل بين البلدان والشعوب والمجتمعات والثقافات. الرحلات والمغامرات لم تأخذني من الشعر، بل قد لا أبالغ إن قلت إنها عمّدتني في ملكوته أكثر. فبفضلها، كتبت ديوان "بلوغ النهر"، وفي حوزتي قصائد لرحلات ومغامرات أخرى في أميركا الجنوبية".

في رحلاته داخل "الحلم البوليفاري"، يوجّه فرات قارئه نحو دهشة مرتبطة بالتنوّع البيئي الذي يصفه. يمرّ بذلك القارئ من مدينة يحاصرها التاريخ والبكاء ورمال الصحراء، إلى جزيرة أقرب يابسة لها تبعد 2000 كلم، ثم يأتي به إلى مناطق ترتفع 2850 متراً فوق مستوى سطح البحر، متحدّثاً عن غابات تحتوي على 43 نوعاً من النمل، أو عن جزيرة تسكنها الطيور البحرية.

هذا العرض البيئي، يسنده فرات بخلفيات تاريخية. ففي أكثر من موضع في الكتاب، تطرّق إلى سيرة الزعيم سيمون بوليفار ورمزيته، مقارناً إياه بـ غيفارا أو زاباتا اللذين صارا أكثر شهرة منه في القرن العشرين.

يذكر لنا شيئاً من حاضر زعماء أميركا اللاتينية، مثل قوله: "أتذكّر حين فاز الرئيس الإكوادوري كوريا للمرة الثانية، أنني حضرت الاحتفال. كان بلا مدرّعات ودبّابات وحراسات، وهذه نتيجة طبيعية لفوز حقيقي وجماهيري. ختم الرئيس خطابه الجماهيري يومها بأن ردّد ثلاث مرات "تحيا أميركا اللاتينية" وردّدتها الجماهير الغفيرة بحماس".

يحيلنا الكاتب العراقي، أيضاً، إلى تقاطعات الأماكن التي يتحرّك فيها وحضارات موطنه؛ حيث يشير إلى "تواشجات إنسانية مشتركة في كل مجالات الحياة".

كتب: "بما أنني أتيت من حضارة عريقة، فلا بدّ لي أن أبحث عن التواشج الإنساني بين الحضارات المختلفة، عتيقها وقديمها وحديثها، ونقاط التشابه بينها. تهمّني تلك التفاصيل، في الحياة والموت، في الزراعة والصناعات اليدوية والموسيقى والطب الشعبي وطب الأعشاب".

يتابع: "البشرية ثرية بتنوّعها اللغوي والاجتماعي والعقائدي والبيئي، ولديّ شعور أنني ابنٌ بارّ لجميع الحضارات والثقافات. لذلك، أثني على الجمال والإبداع الذي أجده لدى فئات وثقافات أخرى. وفي الوقت نفسه، أتألّم مما حدث ويحدث، فكثير من اللغات والصناعات الشعبية والنباتات والحيوانات تنقرض أو في سبيلها للانقراض، لا أحبّ الأحادية في السياسة والثقافة والبيئة".

وحول الحلم الاستعماري القديم والمتجدّد، وعن جدوى جهود المناضلين للتصدّي له والأخطاء التي يرتكبونها وهم يتحوّلون إلى رموز قومية، يقول: "كان سيمون بوليفار يحلم بتوحيد أميركا الجنوبية، واستطاع أن يُوَحّد المناطق التي تشمل اليوم كولومبيا والإكوادور والبيرو وبنما، ثم تحوّل إلى دكتاتور، وهذا الأمر أوضحته رواية "الجنرال في المتاهة" لـ غابرييل غارسيا ماركيز".

يضيف: "هذا الحلم الذي يُشبه حلم العرب في السبعينيات أو الثمانينيات بالوحدة العربية، لا زال باقياً إلى الآن في أميركا اللاتينية، بينما تناسى العرب حلمهم وأصبحت اهتماماتهم طائفية ومذهبية، بل إن بعضهم صار يُطبّل للوعود التي تعطى للأقليات".

من خلال رحلاته، يعتبر فرات أنه شاهدٌ على ما يفعله المستعمرون في عملية امتصاص خيرات الشعوب، يقول: "تتواصل محاولات تدمير البيئة في الإكوادور على سبيل المثال. الشركات الأميركية مثل الغول الذي يحاول أن يلتهم أميركا الجنوبية. وهو ما سجّلته أيضاً حين ذكرت سابقاً ما يجري في لاوس على يد الصينيين".

لماذا يخلو الكتاب من رصد أجواء الطبقات الاجتماعية المهمّشة، وعوالم الدعارة والحانات والمخدرات والسيرك وموانئ التهريب وغيرها من العوالم التي تعج بها أميركا اللاتينية؟

يجيب فرات: "لعل قارئ أدب أميركا اللاتينية لن يضلّ وهو يبحث عن هذه العوالم، فقد كشفها وتحدّث عنها بإسهاب، وهي ظاهرة للعيان. حاولت أن أتحدّث عن اهتماماتي، أعتقد أن ما دوّنته يكاد يكون مجهولاً".

المساهمون