برتران تافرنييه: "القتال بالشغف يجعل الجراح تلتئم بشكل أفضل"

برتران تافرنييه: "القتال بالشغف يجعل الجراح تلتئم بشكل أفضل"

26 يونيو 2020
تافرنييه: يجب ألّا تحتقر الناس أبداً (فرانكو أوريغْليا/ Getty)
+ الخط -

في ختام كلمته التي ألقاها بمناسبة تكريمه في الدورة الـ18 (29 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش"، استشهد برتران تافرنييه بجملة من خطاب فرانك شيران (روبرت دي نيرو) في "الإيرلندي" لمارتن سكورسيزي: "لا أستحقّ هذه الجائزة، لكنّي أعاني التهاب المفاصل، ولا أستحقّ ذلك أيضاً".

تفصيلٌ يقول كلّ شيء عن "سينفيلية" مخرج كبير سقط في "وعاء طبخ" السينما ـ على منوال العبارة الخالدة لأوبيليكس ـ  منذ صغره، حين رأى النور بحاضرة ليون الفرنسية، موطن اختراع السينماتوغراف وبزوغ فجر السينما، فلم يخرج أبداً من عشقها والسّعي الحثيث إلى تقاسمه. لم يكمل عقده الثاني عندما أسّس نادي السينما "نيكل أوديون" لترويج الأنواع السينمائية المغمورة والمحتقرة آنذاك (وسترن، الكوميديا الموسيقية، الفيلم البوليسي، إلخ...)، قبل أن يغدو ناقداً، ثمّ ملحقاً صحفياً للأفلام.

يُصرّ تافرنييه (79 عاماً) على أنّ الأفلام الروائية الـ25 التي أخرجها محاولة لاقتسام ما يُخالجه من هموم وأحاسيس عن الشّرط الإنساني عموماً، ومناهضة أشكال الجور والعنف المادّي والمعنوي. أفلام حاز عنها "الدبّ الذهبي" من "مهرجان برلين" عن "الطّعم" (1995)، وجائزة أفضل إخراج في مهرجان "كانّ" عن "يوم أحد في الرّيف" (1984)، فضلاً عن 5 جوائز "سيزار" في الإخراج والسيناريو، وجوائز أخرى كثيرة. كما شارك في أفلام وثائقية حول السينما، قبل أن يصنع بنفسه "رحلة عبر السينما الفرنسية" (2016)، فيلمه الأخير الذي غدا مرجعاً عظيماً حول الموضوع، استلزم 6 سنوات من الإعداد وقاعدة قوامها 950 فيلماً، ولا نزال ننتظر بفارغ الصبر الجزء الثاني منه. لكن أيضاً عبر مؤلّفات كتبها وحوارات أنجزها، تشكّل كلّها مراجع مهمّة، خصوصاً حول السينما الأميركية التي يعرفها كما يعرف جيوبه (يُرتقب صدور طبعة ثالثة لمؤلّفه الأيقوني حول تاريخ السينما في بلد العمّ سام، بعنوان "100 عام من السينما الأميركية"، نهاية العام الحالي).

رحلة طويلة لم يكلّ فيها عن مشاركة شغفه بالسينما، ما يجعل الاستماع إليه بمثابة الركون إلى موسوعة سينمائية حيّة، تقرن سرعة البديهة بالذّاكرة المتينة والحماسة في الحديث. سخاء كبير معهود في برتران تافرنييه خبرته عن قرب بمناسبة حوار "العربي الجديد" معه في مرّاكش غداة تكريمه.


أحببتُ الطريقة التي اختتمْتَ بها حديثك بمناسبة تكريمك ("المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش الـ18")، لأنّها تقول الكثير عن المخرج الكبير والـ"سينفيلي" الفذّ، الذي يستقي جملاً من أفلام الآخرين كأنّه يحيا بها وفيها.
شاهدت "الإيرلندي" مرّتين. هذه مساهمة من زوجتي أيضاً. اخترت هذا الاقتباس (جملة من خطاب فرانك شيران/ روبرت دي نيرو: "لا أستحقّ هذه الجائزة، لكنّي أعاني التهاب المفاصل، ولا أستحقّ ذلك أيضاً" ـ المحرّر) لأنّي وجدته طريفاً للغاية، فوضعته في نسخة أولى من الكلمة، مع ذكر اسم كاتب السيناريو ستيفن زيليان. لكنّ زوجتي نصحتني بوضعه في النّهاية، ففعلتُ. أنا فعلاً أعاني هشاشة العظام، ويمكنني التّماهي مع هذا الاقتباس، فأتساءل: هل أستحقّ هذا التكريم؟ لكنّي لا أستحق هشاشة العظام أيضاً. لذا، كلّ شيء على ما يرام. صحيح أنّي من هواة الأفلام، لكنّي مخرج أولاً. هذا يعني أنّي أمضي الوقت في تلبية رغبة صنع الأفلام، وهي 10 مرات أكثر من رغبة مشاهدة أفلام الآخرين.

عندما أكون بصدد صنع فيلم، أكفّ عن التفكير كشغوف بالأفلام. أنا لست الوحيد من هذه الطينة. هناك مخرجون آخرون يحبّون السينما بشغف، ويرغبون في خوض صراع في سبيل أن توجد سينما الآخرين، لأنّ في ذلك وسيلة للذّهاب عكس نزعة التركيز على الذات أيضاً. نميل جميعنا إلى الاعتقاد أنّ أفلامنا هي الأكثر إثارةً للاهتمام، وهي الأفلام التي يجب أن تُشَاهَد، إلخ. رأيتُ مواهب كثيرة تخبو وتنكمش بسبب الاعتداد بالنّفس والتركيز المفرط على الذات.

الـ"سينفيليا" تجعل أفق الرؤية أوسع.
نعم. هناك عبارة أحبّها لفيكتور هوغو تقول إنّ الإعجاب يقوّي. أعتقد أن الإعجاب بأعمال الآخرين يجعلك "تنظر أقلّ إلى سرّتك"، وتكون بالتالي أكثر حرية عندما تصنع فيلماً. أصبت بالسرطان قبل أعوام، وبينما كنت في بداية فترة التعافي، اشتغلت على "رحلة عبر السينما الفرنسية". أمضيت الوقت في اختيار مقتطفات من الأفلام التي أعجبت بها وعشقتها، فشُفيت 3 مرات أسرع من التوقّعات كلّها. هذا يعني أنّ القتال ضدّ المرض، بواسطة الشغف، يجعل الجراح تلتئم بشكل أفضل. لا يمكن فصل هذا عن أفلامي نوعاً ما. الأفلام التي أخرجتها مواضيع غير نخبوية، وأرغب في مشاركتها مع المُشاهدين. أنْ أقول للنّاس: أنتم لا تعرفون كيف تبدو حياة مدير مدرسة في شمال فرنسا. أريد أن أشارك معكم معركة جندي فرنسي وقبطان وقائد يسعون إلى العثور على مفقودين في حرب 1914. رؤساؤهم لا يهتمّون إذا كان هناك قتلى أو مفقودون. بالنسبة إليهم، خلّفت الحرب مذبحة، وانتهى الأمر. ثمّ يأتي من يقول لهم: لكنّ الأرقام الرسمية خاطئة، نسينا 800 من المناوشين المغاربة أو السنغاليين، فنكتشف أنّهم تعوّدوا على ألّا يحصوهم حتى يهوّنوا من خسائر فرنسا. من خلال معارك حول مواضيع مغيّبة من هذا القبيل، بوسعنا جعل الناس تعي خطورة عدم المساواة بين البشر. هذه مواضيع تثير اهتمامي وتشحذ شغفي، لأنّي أجدها غنية. مواضيع لا يمكنك سوى أن تعانقها بكلّ كيانك. لم أتعامل أبداً مع ثيمات أفلامي بواسطة الفكر، أتبنّى دائماً المقاربة العاطفية.

كيف تنظر اليوم إلى تجربتك في كتابة النقد؟
في البداية، أصبحتُ ناقداً لأنّ هذا كان السبيل الوحيد لكسب عيشي. كنتُ أسعى إلى دخول عالم السينما. لم يرغب والداي في ذلك. أرغماني على دفع الإيجار، فاضطررت إلى كسب بعض المال. كنتُ أكتب المقالات وأبيعها لجرائد ومجلّات. لم أكن ناقداً، لأنّي أردت أن أكون ناقداً. شيئاً فشيئاً، استحوذت الكتابة على اهتمامي فقرّرت المواصلة. لكن النّقد لم يكن له تأثير كبير على اختياراتي للأفلام. أحاول دائماً ألّا أخضع نفسي للتحليل، وألّا أنظر إلى الوراء. أحياناً، أجد نفسي مجبراً على ذلك، عندما يُطلب مني معاينة قرص فيلم ما، فأقوم بمشاهدته للتحقّق مما إذا كان ضبط الألوان جيّداً. مثلاً، تحقّقت مؤخّراً من قرصي "بلوراي" لـ"النقيب كونان" و"الحياة ولا شيء غيرها". كانا جيّدين للغاية. لكنّي لا أزال أماطل في التحقّق من قرص "ل. 627". أجد صعوبة في النّظر إلى الماضي، وأميل دائماً إلى التطلّع نحو الأمام. مؤخّراً، اضطررت أيضاً إلى التعليق بالإنكليزية على قرص جديد لـ"يوم أحد في الريف" سيصدر في الولايات المتحدة، فقلت لنفسي بينما كنت أشاهده: "لم يكن هذا سيئاً البتّة". سررت حقاً بالفيلم، لكن من دون إصدار أحكام قطعية. هناك أفلام أنا مُتعلّق بها كثيراً، وأفلام أخرى كان يُمكنني القيام بعمل أفضل على بعض مَشاهدها. في المقابل، هناك عدد قليل، 4 أو 5 أعمال، أنا فخورٌ بها من الألف إلى الياء، كـ"الحياة ولا شيء غيرها"، وتحديداً "يوم أحد في الرّيف".

أنت معروف بكونك مدير ممثّلين كبيراً.
شغفي الأكبر هو العمل مع الممثلين.

ولكنْ، من أين أتى ذلك؟ ليس لديك خبرة في المسرح كما حال مخرجين بارعين في إدارة الممثلين.
أولاً، كنت متفرّجاً نهماً على المسرح. كان هناك شخص لعب تأثيراً عاطفياً وفكرياً كبيراً عليّ، هو جان فيلار، من المسرح الشعبي الوطني. اكتشفته بعدما شكّلت "الكوميديا الفرنسية" إحباطاً كبيراً لي، لأنّها تقليدية ومتحجّرة في طرق اشتغالها حينها، أمّا اليوم فعروضها رائعة للغاية. اكتشفت جان فيلار فجأة. لم يكن في مسرحياته أيّ ديكور تقريباً: طاولة، شمعتان، وكرسي. لكنّه جعلني ألامس القرن الـ18 بطرف أصابعي، بفضل بعض مسرحياته. ثمّ جاء الدور على أخرى، اقتبسها عن مؤلّفين مثل ماريفو وشيلّر وبوكنر، وكتّاب على غرار فيكتور هوغو ولوبي دي فيغا، أصبحوا جميعهم بفضل مسرح فيلار ملموسين للغاية بالنسبة إلي، ولم يعودوا مجرّد دروس مدرسية. أنا مدين بالكثير لذلك، ومدين أيضاً لمسرحياته مع جيرار فيليب. تلك النسخة من "السّيد" (بيار كورني) التي كانت حيّة ونشطة للغاية، مختلفة جداً عمّا درسناه في المدرسة، حيث بدت دائماً ثقيلة وبعيدة. كانت هناك حياة وطاقة وفرح تقريباً يحفّ جمال أبيات الشعر وكلّ شيء. هكذا، تكونّ لديّ ذوق جيّد للمسرح، فاخترت ممثّلين مسرحيين كثيرين، منحت الأدوار الأولى في السينما للعديد منهم.

الموسيقى عنصر مهمّ في أفلامك. كيف تعمل على هذا الجانب؟
إنّها عنصر حاسم. أفضِّل دائماً العمل مع الملحّن قبل أنْ أبدأ الفيلم. كثيراً ما أفعل ذلك بالموازاة مع كتابة السيناريو. في حالة "القاضي والقاتل"، تمّ تسجيل ثلاثة أرباع الموسيقى قبل بدء التصوير. تحدثّت كثيراً مع فيليب سارد، واتفقنا على أنْ يكتب نوعاً من "كونشيرتو" للأكورديون والأوركسترا، فكتب ذلك مع تنويعات عدّة. ثم شغّلنا الموسيقى أثناء التصوير، فهتف ميشيل غالابرو أثناء الاستماع إليها: "الآن أعرف كيف ألعب الدور". أحتاج إلى الدردشة مع مؤلّف الموسيقى منذ البداية. حتى بالنسبة إلى "في الضّباب المكهرب"، أخبرني ماركو بيلترامي أنّي كنتُ أوّل مخرج ينهج هذه الطريقة. أحياناً كثيرة، يتمّ الاتصال بمؤلّف الموسيقى عند الانتهاء من الفيلم، ويقال له: "إليك الفيلم كي تشاهده. نحتاج إلى الموسيقى بعد 3 أسابيع". معي، يشرع في العمل قبل بدء التصوير. تحدّثنا، ثم بحث عن أدوات موسيقية آكاديانية (موسيقى متحدّرة من تقاليد سكان لويزيانا الفرنكوفونية ـ المحرّر). إنّه أمر رائع، لاعتقادي أنّ مؤلف موسيقى الفيلم هو ناقدك الأول. عندما تستمع أثناء جلسة التسجيل على موسيقى رائعة، تقول لنفسك إنّ صوري هي مصدر إلهامها نوعاً ما.

إذا كانت الصُور التي صنعتها ألهمتها موسيقى بهذا الجمال، فهذا يعني أنّ صُوري لا بأس بها. أعتقد حقاً أنّك إذا كنت على دراية بحقيقة أنّ الملحّن هو الناقد الأول لفيلمك، فإنّه يصبح بالنسبة إليك بمثابة أول شخص يردّ بخلق شيء ما انطلاقاً من رؤيتك. في بعض الحالات، هناك موسيقيون يفعلون ذلك من دون أن يُشاهدوا أي شيء. يمكن أن يحدث ذلك. لكنّي أتحدّث هنا عن غالبية الحالات. بالنسبة إليّ، عندما أستمع إلى موسيقى فيليب سارد في "ل. 627 " أو أنطوان دوهاميل في "الموت على المباشر"، أقول لنفسي إنّي لم أنجز فيلماً سيئاً.

نميل غالباً إلى وضع المخرجين في خانات. نتحدّث عن "الموجة الجديدة" و"سينما المؤلف"، إلخ. أنتَ صنعت أفلاماً في فرنسا والولايات المتحدة. هل تعتقد أنّه لا يزال يُمكننا اليوم الحديث عن تصنيفات من هذا النوع؟ وهل لا تزال هناك سينما وطنية؟
أكره الخانات والعلامات. أعتقد أنّ هذه طريقة سهلة لعدم الفهم. أنْ تجمع 5 أو 6 صانعي أفلام وتضع عليهم علامة، كوصف "الموجة الجديدة". أعتقدُ أنّ هذا لا يعني أيّ شيء. هناك عباقرة في هذا الوصف ومخرجون رائعون. لكنْ، ما هي العلاقة بين غودار وإريك رومير؟ بين أسلوبيهما في التصوير والكتابة، وحتى الرؤية السياسية والاجتماعية للعالم؟ يقول بيلي وايلدر على سبيل التندّر: لا يوجد شيء من قبيل صانعي أفلام كبار وصغار، أو الحداثيين والكلاسيكيين إلخ. هناك فقط نوعان من الأفلام: الأفلام الجيّدة التي يُمكن أن تأتي من أيّ مكان ومن أيّ شخص، ولديك الأفلام التي تبدأ في الساعة 8 مساء، وعندما يحين منتصف الليل، تشاهد ساعتك فتجدها تشير إلى الثامنة والرّبع (ضحك). من ناحية أخرى، لا تزال السينما الوطنية مهمّة. في الآونة الأخيرة، هناك دول دخلت عالم السينما وأفلام لها خصوصية وطنية قوية. أخمّن في مخرجين رومانيين، وأفكّر في سينمائيين مصريّين أو في سينما بلد مثل إيران. لا تزال الأفلام الأميركية العظيمة هي التي تشعر فيها بأميركا. "روما" لكوارون متجذّر في أميركا الجنوبية. لحسن الحظ لم يتم إلغاء السينمات الوطنية، تماماً كما أنّه مهمّ أنْ يبقى هناك في كلّ مكان تقريباً مطاعم وطنية، وألا تكون لـ"ماكدونالدز" سيطرة تامّة على الذوق العام.

ما أهمّ ما تستخلصه من فيلمك الوثائقي حول السينما الفرنسية؟
أنّ مخرجين كنتُ معجباً بهم وبات عليّ أن أُعجب بهم أكثر، وأنّ بعضهم يتعيّن علينا حقاً أن نكافح من أجل أنْ يكتشفهم الناس. أثناء صنع الفيلم، كان هناك مخرجان أو ثلاثة نما حبّي لهم مع إعادة مُشاهدة الأفلام وتحليلها. أناس كجاك بيكير. سيكون أسفي الأبدي أنّي لم أتعرّف إليه، ولم أتحدّث إليه، لأنّه كان حتماً شخصاً عظيماً. جوليان دوفيفييه أيضاً. كان الأمر غباء منّي، لأنّي كنتُ أستطيع مقابلته بسهولة. لكنّنا كنا آنذاك نعيش في نوع من الازدراء لهؤلاء الناس، وهذه حماقة كبرى. يجب ألّا تحتقر الناس أبداً. لاحظتُ أيضاً أنّ العديد منهم واجهوا المشاكل نفسها التي نواجهها اليوم كسينمائيين: ديكتاتورية بعض المموّلين، وصعوبة التعامل مع المنتجين والرقابة، ولو كانت الرقابة اليوم خفيّة أكثر. رقابة اقتصادية وذاتية، لكنّها لا تقلّ خطورة.

أعرفُ أنّك تقرأ كثيراً، وأنّك اشتغلت على اقتباسات كثيرة من الرواية. من هم الروائيون الذين صنعوا رؤيتك كمخرج؟
بدأ الأمر باكراً جداً مع فيكتور هوغو وألكسندر دوما، اللذين طَبَعا حياتي، وأعيد قراءتهما باستمرار. أعدت قراءة "الكونت دو مونتي كريستو" منذ فترة، وأجد أنّها لا تزال رواية رائعة للغاية. لكنّي أكتشف روايات جيّدة طول الوقت، من فيليب روث إلى صديقي جيمس لي بورك الذي اقتبسته للسينما، والروائيين الفرنسيين مثل نيكولا ماتيوه. كما أنّي أدير مجموعة روايات حول الغرب الأميركي أو الـ"وسترن" تسمى "الغرب الحقيقي"، أشرف من خلالها على ترجمة روايات، معظمها لم يُترجم قطّ إلى الفرنسية، بينها روائع أدبية حقّة. "مغامر ريو غراندي" لتوم لي، و"نفير ما بعد الظهر" لإرنست هايكوكس، و"الأسيرة ذات العيون صافية" لأ. ب. غوثري. روايات رائعة جداً، وغالباً كانت سبّاقة على هوليوود، وأقوى منها، فيما يتعلّق بطرح المسألة العرقية والعدالة والبيئة. سعيدٌ جداً بتقديم هذه الروايات. "رياح السّهل" لآلان لو ماي أو "الغضب" لنيفن بوش، روايتان عظيمتان، ليس لأنّ حبكتيهما جيدتان، بل لأنّهما مكتوبتان بأسلوب رائع. عندما تجد في "رياح السّهل" جملة: "الابن الأصغر لعائلة زاكاري كان الشخص الوحيد الذي يتقن لهجة "الكييُووا" الغريبة، التي تحتوي على 84 حرفاً متحرّكاً"، تتساءل كيف يمكن للمرء استيعاب هذه اللغة. يعني ذلك أيضاً أنّ المؤلّف بحث حول حضارة "الكييُووا" ولغتهم، وأنّ هناك احتراماً حقيقياً منه لهؤلاء الناس. أجدُ هذا مذهلاً، وهذه الجملة بالضّبط هي التي دفعتني إلى ترجمة الرواية.

المساهمون