تحية إلى باسكال بونيفاس

تحية إلى باسكال بونيفاس

28 ديسمبر 2016
+ الخط -

 

قد لا يكون مجرد واجب بالنسبة لكل عربي ومسلم أن يقرأ باسكال بونيفاس، فالأمر لا يخلو من متعة أيضاً، فقدرته الكبيرة على السخرية وعلى طرح خصومه أرضاً لا تخفى على أحد.

لكن الأهم من هذا وذاك، أن باسكال بونيفاس لا يغير جلده كما لا يغير رأيه، إنه يقف مع الطرف العربي والفلسطيني الضعيف، في زمن تسيطر عليه الإسلاموفوبيا، وفي وسط إعلامي وثقافي منحاز.


بعد كتابه "المثقفون المزيفون"، الذي صدر عام 2011، عن أولئك الذين ينشرون حقائق كاذبة عن القضايا الاستراتيجية وفي حصانة من كل عقاب، محتكرين البرامج التلفزية والإذاعية وأعمدة الصحافة المكتوبة، سيصدر باسكال بونيفاس كتاباً لا يقل أهمية، يحمل عنواناً معبراً: "هؤلاء الإطفائيون الذين يشعلون الحرائق".

يتطرق هذا الكتاب لأولئك الخبراء الذين يغذون العداء للسامية 
والإسلاموفوبيا، يعرض لنا رؤى مفصلة لشخصيات تصنع الإسلاموفوبيا والعداء للعرب في فرنسا، على الرغم من أنهم يثيرون السخرية، وأحياناً ردات فعل غاضبة اتجاه خداعهم. إلا أنهم في الواقع كالغواصات النووية لا يقبلون الغرق. فهم يشغلون مركزاً أساسياً في وسائل الإعلام، وعلى رأسها خصوصاً كارولين فورست "ملكة النميمة"، كما يسميها، وبرنار هنري ليفي



يكتب عن هذا الأخير، قائلاً "من الجلي أن وسائل الإعلام ستواصل التشاور مع الوسيط الروحي، كاشف الطالع، برنار ليفي، عن السياسة الفرنسية، الأحداث الجيوسياسية أو غيرها من القضايا، وحدها التوقّعات الرياضية لا تزال خارج اختصاصه.  فإن أصدر في القريب عن السياسة، البستنة، وصفات الطبخ أو التنمية البشرية، سيكون مرة أخرى لوسائل الإعلام موقف القواد. دجلهم معروف ومثبت، وهو موضوع سخرية في شبكات التواصل الاجتماعي لكن مع ذلك يتم تجاهل الجمهور. إنه موضوع حقيقي للتأمل في المجتمع الفرنسي وربما الدليل الأكثر وضوحاً للقطيعة القائمة بين الشعب والنخب السياسية والإعلامية. ألا تعلم وسائل الإعلام أنها باعتمادها هذا النهج تضحي بمصداقيتها وتوليد فجوة هائلة بينها وبين الجمهور؟ هذا الجمهور الذي يعرف الفرق بين العملة الفكرية الحقيقية وتلك الزائفة. لكن كيف يمكن تفسير إفلاتهم من العقاب في وسائل الإعلام؟ هل الأمر يتعلّق بحالات فردية أم بظاهرة جماعية؟ هل هناك استثناء فرنسي في هذا المجال؟ ألا تدرك أن غاسل الأدمغة هذا، والذي فقد مصداقيته ومع ذلك لا يمكن تفاديه، المثير للسخرية أينما حل وارتحل، يولد هيجاناً عصبياً في الجمهور يصل حد الجنون؟".


أبرز فصول الكتاب هي تلك التي تتعرض بالنقد والفضح لشخصيتي كارولين فورست وهنري برنار ليفي. فالأولى تتخفّى خلف سحاقيتها من أجل نشر الإسلاموفوبيا ومهاجمة المسلمين.

ولا يخفى على المتتبعين لقضية الإسلاموفوبيا في الغرب عموماً أننا نعيش في أوساط المثليين انحرافاً باتجاه مواقف اليمين المتطرف من الإسلام وخوفاً كبيراً من العرب.

وطبعاً، فإن العرب يتحمّلون قسطاً من المسؤولية في الأمر، لأنهم لا يدركون أنهم يوجدون في الخندق نفسه مع المثليين والأقليات الأخرى في الغرب، بل يخطئون أيضاً بمهاجمتهم للكنس والمحال اليهودية، إذا كان صحيحاً ما تتناقله وسائل الإعلام. ولكن القسط الكبير من المسؤولية تتحمله شخصيات مثل كارولين فورست أو فريديك أنجل أو برنار هنري ليفي. والثلاثة من الحراس الأوفياء لإسرائيل في فرنسا.

ولا يتأخرون عن مهاجمة كل من ينتقد السياسة الإسرائيلية بتهمة معاداة السامية، ويسكنهم حقد مرضي على الإسلام والمسلمين، ولا ريب أن أمثالهم لعبوا دوراً كبيراً في انتشار الشعبوية في الغرب. لكن ما يثلج الصدر، هو وجود أقلام شريفة وموضوعية، تنتقد هذا الهجوم على الإسلام والمسلمين، وتفضح مناورات حلف العنصريين في فرنسا. 

وتبدو من خلال مناقشة باسكال بونيفاس لكتابات وتصريحات وأنشطة الإسلاموفوبيين، تلك العلاقة الصميمية بين الدفاع عن إسرائيل والإسلاموفوبيا. ولربما يطرح نفسه سؤال هنا، وهو لماذا تستعمل تهمة معاداة السامية لنشر الإسلاموفوبيا؟ كما أنه لا يخفى على أحد أن نيران القضية الفلسطينية قد وصلت إلى قلب الغرب، وأن من يتجاهلها أو يواصل تزييف وقائعها وحقائقها، إنما يمثل خطراً على السلم الاجتماعي في الدول الغربية، ويصب الزيت في نار الشعبوية، والتي آجلاً أم عاجلاً ستصل إلى باب بيته من حيث لا يشعر. فالعداء للإسلام في الأوساط اليمينية المتطرفة يخفي عداء أكبر لليهودية.

F4AF7B43-8571-431B-9B47-8AFEA4AA11F8
أحمد بوطيب

من المغرب. يقول: "البشرية هي الحياة والنطق والموت. البهيمية هي الحياة والموت".

مدونات أخرى