تسعة وعشرون عاماً من الخديعة

تسعة وعشرون عاماً من الخديعة

12 ابريل 2018
تتزامن ذكرى الهبة مع احتجاجات تشهدها البلاد (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -
تحل بعد أيام الذكرى التاسعة والعشرون لـ"هبّة نيسان"، لتجدد في نفوس الأردنيين مشاعر القوة والعزيمة الممزوجة بمذاق الخديعة. اندلعت الهبّة/الانتفاضة في 18 إبريل/نيسان 1989، بعد ثلاثة أيام من قرار حكومي برفع الأسعار، لتكون بذلك أول رفض شعبي للتوجّه النيوليبرالي، الذي تتجلّى اليوم مفاعيله المتوحشة على نحو غير مسبوق، وقد سلّطته الدولة قدراً على رقاب الأردنيين.

حطّمت "الهبّة" في يومها الأول جدران الخوف التي شيّدتها الأحكام العرفية، وواصلت متحدية القوة المفرطة التي استخدمها النظام لسلب المواطنين حق الاعتراض، بعدما سلبهم طويلاً حق المشاركة في صنع القرار.
تجاوزت "الهّبة" البواعث الاقتصادية المنتجة للتحرك، وتطورت للمطالبة بإطلاق الحريات العامة وعودة الحياة البرلمانية والحزبية، وهو ما حدث، لتكون بذلك حدثاً استثنائياً في التاريخ الحديث للدولة، حين انتزعت الإرادة الشعبية نصراً نادراً على إرادة النظام المتفرد بالحكم.

بعد تسعة وعشرين عاماً، ما تزال "الهبّة"، مصدر إلهام لقطاعات كبيرة من الأردنيين المؤمنين بضرورة إنقاذ الدولة من براثن النهج الاقتصادي الذي حكم عليهم بالفقر والجوع وعلى البلاد بالضعف والتبعية، وسط إجماع شبه تام على رفض استنساخ التجربة بحذافيرها التاريخية، لإيمانهم بضرورة تجنيب البلاد موجة عنف جديدة قد تتسبّب بإزهاق الأرواح، فيؤثرون إيداع ذكراها رسائل في صندوق بريد النظام المتفرد بالحكم تحت غطاء ديمقراطي.

تتزامن الذكرى التاسعة والعشرون مع حركة احتجاجية "مثابرة" في مدينتي السلط (غرب العاصمة)، والكرك الجنوبية، احتجاجاً على القرارات الاقتصادية للحكومة والتي تفوق في قسوتها القرارات المتخذة في العام 1989، وهي احتجاجات على قدر كبير من المسؤولية، على الرغم من "استفزازات" التجاهل الرسمي والضغوط الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تمارس على المنخرطين فيها.

النقاش الدائر في مدينتي السلط والكرك، لا يختلف عما حدث في "الهبّة"، فالمحتجون تجاوزوا البواعث الاقتصادية ليواجهوا العوامل التي تقف خلفها. لذلك يطالبون بإصلاحات سياسية يكون فيها الشعب مصدر السلطات، معرّين "خديعة الديمقراطية" التي حولها النظام، منذ إعادتها "الهبّة" أداة لخدمة مصالحه التي تتناقض مع المصالح الشعبية. في ذكرى "الهبّة" ما أبشع مذاق الخديعة.

دلالات