تونس: البيئة في خطر

تونس: البيئة في خطر

28 سبتمبر 2019
من إحدى حملات تنظيف الشاطئ (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
يضع جلّ المرشّحين للانتخابات البرلمانية قضايا البيئة عنواناً بارزاً لحملاتهم الانتخابية، واعدين بتقديم حلول تخفّف من مشكلة التلوث في مدنهم ومحافظاتهم، لا سيما تلك التي تزيد فيها مخاطر التلوث الصناعي، في وقت ينتقد البعض غياب تحديد هذه المشاكل في برامج المرشحين، معتبرين أن ما يقدمونه لا يتجاوز الوعود غير القابلة للتحقيق في معظم الأحيان.

وتعدّ قضايا البيئة تفصيلاً أساسياً في برامج المرشحين، بحسب الناشطين والمتخصصين في البيئة، معتبرين أن أي تغافل أو إسقاط لهذا الملف ينم عن قلة إدراك لتداعيات قضايا البيئة التي لا يمكن فصلها عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأساسية.

وينتقد الناشط البيئي حسام حمدي ضعف تناول قضايا البيئة في برامج المرشحين للانتخابات البرلمانية. ويتحدث لـ "العربي الجديد" عن غياب حلول عمليّة أو برامج واضحة لمشاكل البيئة في تونس. يضيف: "كل ما ورد في البرامج الانتخابية لا يتجاوز الوعود ولا يمكن أن يرتقي إلى برامج عملية قابلة للتجسيد على أرض الواقع".

ويلفت المتحدث إلى ضرورة وضع المسألة البيئية في صدارة اهتمام المسؤولين، سواء في ذلك المرشحون للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، داعياً إلى الإحاطة بهذا الواقع من الناحية العلمية. وتصنّف تونس من بين البلدان ذات المخاطر البيئية المرتفعة. ويؤكد وزير الشؤون المحلية والبيئة مختار الهمامي أن "تونس مصنّفة من بين الدول التي لديها مشاكل تتعلق بالتلوث".
ويقول إن هذا التصنيف ليس جديداً ويجب الإعلان عنه من أجل التوعية، مؤكداً أن النقاش حول القضايا البيئية لا ينبغي أن يكون حكراً على الخبراء والمعنيين في البيئة فقط، لافتاً إلى أنها قضية محلية تعني جميع الأطراف. ويقرّ بأن "تونس خضراء، لكن هناك تحذيرات من مخاطر يجب أخذها بعين الاعتبار، مثل التلوث في الحوض المنجمي والمناطق الصناعية في بعض المحافظات على غرار قابس وبنزرت".



ويشدد الوزير على أن الأجيال المقبلة مهددة في ظل انعدام التوعية حول أهمية البيئة السليمة، لافتاً إلى "وجود مشاكل كبيرة في مياه الشرب ومياه الري". وأكّدت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها في عام 2016، أن تونس العاصمة تعدّ في مقدمة المدن الأكثر تلوّثاً في العالم إلى جانب صفاقس وسوسة وبنزرت. وكشف التقرير أن تلوّث الهواء يؤدي إلى وفاة أكثر من ثلاثة ملايين شخص في جميع أنحاء العالم. وتزيد نوعية الهواء السيئة في المناطق الحضرية من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي الحادة، خصوصاً الربو.

ونشر أحد المواقع المتخصصة في نشر الدراسات والأبحاث، المؤشر السنوي لنسب التلوّث البيئي على مستوى العالم، لتحتل تونس المرتبة 27 عالمياً بنسبة تلوّث تقدّر بـ 75.12، والثالثة أفريقياً بعد مصر والجزائر، ما يعد مقلقاً، خصوصاً أن تونس كانت خارج التصنيف الأفريقي سابقاً.

ودعا ائتلاف جمعيات بيئية إلى أن تكون الأحزاب فاعلة ونافعة للأجيال الحاضرة والمقبلة، وأن يعمل نواب البرلمان من أجل التنمية المستدامة. وانتقد ائتلاف الجمعيات المدنية غياب أية استراتيجية وطنية حول التنمية المستدامة، وغياب إدارة عامة تابعة لرئاسة الحكومة مسؤولة عن هذا الملف، وعدم صياغة استراتيجية وطنية وتنفيذها على مستوى جميع الوزارات والآليات الوطنية.

ويقول منسق شبكة جمعيات البيئة "فايقين لبيئتنا"، سليمان بن يوسف، إن الاهتمام بقضايا البيئة والتنمية المستدامة ما زال ضعيفاً، ويقتصر على بيانات وبرامج المرشحين. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن حضور قضايا البيئة في البرامج الانتخابية اقتصر على طرح مسألة التشجير، وآخر على الطاقات المتجددة، والبعض على الأمن الحيوي والمائي والبيئي، مؤكداً على أن جل منتسبي الطبقة السياسية والنخب يعتبرون البيئة نظافة وعملاً بلدياً فقط، على الرغم من أهميتها.

يضيف: "هذا لا يعني أن المرشحين ساهون أو غير مدركين لأهمية المسألة. لكن اعتبار البيئة مسألة ثانوية لن يؤدي إلى استقطاب الناس". وتنص المادة 12 من الدستور التونسي على سعي "الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات"، استناداً إلى مؤشرات التنمية واعتماداً على مبدأ التمييز الإيجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية".
وتضمن الدولة بموجب المادة 45 الحق في بيئة سليمة ومتوازية، والمساهمة في سلامة المناخ، وتوفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي.

بدوره، يقول رئيس منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمن الهذيلي إن تونس تمر بأزمة بيئية حادة. والمياه، وهي مصدر الحياة، لا توفر باستمرار لجميع المواطنين. كما يشكّل التلوث الصناعي وتغير المناخ تهديدات خطيرة لبقاء أجزاء كاملة من الإقليم وسكانها.



ويوضح الهذيلي أنّ الحكومة المستقبلية ستكون مسؤولة عن توفير حلول لهذه الأزمة لضمان الأمن الوطني واحترام حقوق الإنسان والحقوق الدستورية، كالحق في المياه والصحة والبيئة السليمة للتونسيين. ويرى المنتدى أنّ التلوث الناتج عن المجمع الكيميائي التونسي في خليج قابس (جنوب شرق تونس) تسبب في تدمير بيئي بري وبحري فريد من نوعه في العالم، فضلاً عن سبل عيش الفلاحين وصيادي الأسماك في المدينة.

ويرى المنتدى أن الانتخابات البرلمانية تضع المرشحين أمام مسؤولياتهم لوضع حد للتلوث الصناعي، من خلال الحرص كسلطة تشريعية على تطبيق المعايير الدولية في حماية البيئة في المناطق ذات المخاطر المرتفعة. ويقول إن الحكومة القادمة مطالبة بوضع سياسة طوارئ وطنية لإدارة النفايات المنزلية والصناعية، عبر تجميع ومعالجة أطنان النفايات التي تتناثر في المنطقة بأكملها، فضلاً عن وضع إجراءات للحد من إنتاج النفايات، وإنهاء المستودعات غير الخاضعة للرقابة، والفرز، وإعادة التدوير.