تونس... تحدّيات أمام حكومة الشاهد

تونس... تحدّيات أمام حكومة الشاهد

12 اغسطس 2016

صعوبات كثيرة تنتظر يوسف الشاهد في تونس (3 أغسطس/2016/Getty)

+ الخط -
ليست هناك في تونس اعتراضات دستورية على حكومة يوسف الشاهد، فلقد تصرف رئيس الدولة، الباجي السبسي، طبقاً للصلاحيات المخولة له دستورياً. ولذلك، فإن محاجّته بالنص لغو غير ذي جدوى. بقي حق الاعتراض على نوعية الأشخاص الذين سينتدبهم في حكومته المنتظرة. وما جدوى الاعتراض على الأشخاص، إذا لم يكن هناك مقياس للكفاءة على غرار الانتداب في الوظيفة العمومية، فالحديث يجري عن حكومةٍ سياسيةٍ، حيث يسمح للزعامات الكاريزمية بالدخول والتأثير، بقطع النظر عن الكفاءة البيروقراطية. لكن شكليات التكليف والتكوين والحصول على الاعتراف البرلماني مسائل تمهيدية، للوصول أمام التحديات الحقيقية للحكومة التي يراد منها تحقيق معجزةٍ في وقت قياسي. تحتاج بعض هذه التحديات قدراتٍ خارقة، فهل يملك الشاهد وحكومته عصا سحرية لإحداث المعجزة؟
تحدي العمل تحت سقف عال من الحريات: حتى اللحظة، يمكن تلخيص مكاسب التونسيين من ثورتهم في مكسب الحرية. وقد ساعد الإعلام الافتراضي في تعزيز حقوق التونسيين في التكلم في الشأن العام، بعد أن كان محرّما عليهم الخوض فيه. كثير مما يكتب ويقال يحمل صبغة العفوية غير المسنودة بمعطيات، ولكن قولاً كثيراً آخر محمودٌ، وله نظر، ولا يصنف في الغفلة أو في الطفولية الثورية. ولذلك، ستجعل معالجة المسائل الإشكالية الحارقة الشاهد مكشوفاً أمام رأي عام حذر ومنتبه. فإذا فكّر، على غرار النظام القديم، في تمرير إجراءاته، عبر البدء بتخفيض سقف الحريات، فانه سيفقد كل شرعية محتملة. ربما لا يذهب الناس إلى حد إسقاطه في الشارع، ولكن سيعيد إنتاج حالة النكوص والتردّد المسيطرة، والقائمة على حالة من فقدان الثقة في النخب وأجهزة الحكم. كيف يمكنه أن يقلص من الدعم العمومي للمواد الأساسية، وهو برنامج مؤجل من حكومات سابقة، من دون أن يوجع الفئات الحقيقية المستحقة والمتحرّرة من الخوف؟ هذا تحد حقيقي. يمكنه أن يخرج منه مؤسساً للديمقراطية، أو أن يغرق فيه نهائياً، وينهي حياته السياسية في عامين.
تحدّي التنمية: كل المطالب الاجتماعية التي كانت في خلفية الثورة ومحرّكها ما تزال مؤجلة. وكل ما قامت به حكومات ما بعد الثورة هو تنفيس الاحتقانات، هنا وهناك. وكانت وسيلة التوظيف العمومي الأكثر استعمالا. حتى وصلت إلى سقوفها القصوى، وكذلك في زيادات الرواتب، بما يعجز الحكومة الحالية عن استعمال التوظيف العمومي آلية حلٍّ للبطالة المتفاقمة. يبقي أمامها إيجاد آليات أخرى مبتكرة، للنزول بنسب البطالة إلى منطقة العشرة بالمائة، وهو أمر محتمل في نمو سنوي دون 5 بالمائة. لكن الحلول المبتكرة تحتاج تمويلاتٍ عالية، وإذا صحّ ما يروج عن اختيار أميركي للشاهد، فإن التمويلات ستكون قريبة.
إن ضمانات أميركية لحكومة 11 مليون ساكن، مليون منهم موزعون بين عاطل وهامشي، تبدو ممكنة. لكن هذا سيطرح السؤال عن الثمن السياسي والأمني والعسكري الذي سيدفع مقابل التمويل التنموي الأميركي.
قد يجد الشاهد نفسه يحقق معجزةً تنمويةً بثمن قواعد عسكرية، أو تنسيق أمني متقدم، مع
الولايات المتحدة وحلف الأطلسي (الناتو). وهذا سيضعف حكومته، وسيقول له كثيرون "تجوع الحرّة". والحقيقة أن هناك سؤالاً تأسيسياً ليس الشاهد وحده معنياً بالإجابة عنه، بل كل أطياف الفكر والسياسة معنية بإيجاد الجواب، وأولهم النقابة ذات الصوت العالي في المسألة الوطنية، والتي وضعت البلد على حافة الإفلاس في إطار مناكفات داخلية. وما يقال عن التنمية الاجتماعية بشكل عام يقال عن تحدٍّ من الجنس نفسه، بشكل خاص، هو حل معضلة شركة فوسفات قفصة الوطنية، والتي توشك على إعلان إفلاسها نتيجة السبب نفسه.
تحدّي الحوض المنجمي: الفوسفات هو الثروة الوطنية الخام الأكثر تأثيراً في الموازنة، وقد دفعت النقابة، في إطار حروبها مع حكومات الإسلاميين، إلى تفليسها تقريبا (ارتفاع حجم العمالة من 8 آلاف إلى أكثر من 25 ألفاً)، ثم انفلت الأمر من يد النقابة، ليقع عند مضاربي الاعتصامات، فتوقف الاستخراج والنقل، إلا بشاحنات خاصة، بما يرفع الكلفة إلى أضعافها عند التصدير. كما أن الحوض المنجمي منطقة ذات مزاج خاص، لا يمكن قهرها بالعسكر، ولا يمكن اختراق نسيجها القبلي والعشائري بخطاب الوطنية المسطح. لذلك، يجد يوسف الشاهد نفسه أمام معضلة مركبةٍ، وعليه علاجها بسرعة، ليجد روافد داخلية قوية لموازنة 2017.
سيكون اختبار الحوض المنجمي الذي فشلت في حله ست حكومات بعد الثورة تحدّياً فعلياً، فإما أن يعيد الشركة إلى الإنتاج الكامل، من دون اقتحام عسكري وفرض إدارة عسكرية للشركة. أو أن ينضم إلى قائمة الفاشلين في الحوض المنجمي. وتأخر عائدات الفوسفات عن الموازنة المقبلة يعني مزيداً من التداين المذل.
فضلا عن ذلك، فان تحدّي الاقتصاد الموازي الذي ينتظر الأعراف كسره في مقابل إسناد الحكومة سيظل معضلةً/ كابوساً، يؤرق حكومة الشاهد. الأرقام المفزعة عن الاقتصاد الموازي (اللاشكلي) إحدى صور الفساد المستشري في البلد، وتقتضي مقاومته ضربات استباقية للرؤوس الكبيرة، وبعض هذه الرؤوس يمول الحزب الذي أوصل الشاهد إلى رئاسة الحكومة. يشبه الأمر، هنا، أن يقطع الرجل الغصن الذي يجلس عليه فوق شجرة الإنقاذ.
تحدي الإرهاب: كل الذين انتقدوا حكومة الحبيب الصيد، في ملفاتٍ مختلفةٍ، أكبروا نجاحها في
الحدّ من العمليات الإرهابية. وقد كان لمعركة بن قردان ضد دخول "داعش" دور مهم في تخفيف الرعب من اختراق إرهابي واسع ومدمر. وكان للفريق الأمني للصيد دور مهم، أكبره الجميع. وإذا اعتزم الشاهد مواصلة النجاحات نفسها، فإن الفريق المنتصر يحتاج تثبيتا في مواقعه، وإطلاق يديه في مقاومة الإرهاب، غير أننا نعرف أن وزارة الداخلية والدفاع أهدافٌ مرغوبةٌ للرئيس الذي كلف الشاهد، وسيكون من أهدافه فيما هو سائد الآن من توقعات تغيير الفريق. وهنا، على الشاهد أن يوازن بين فريق قديم ناجح، وربما غير مطواع، وفريقٍ جديدٍ يعيد العمل من الصفر. كان لاتهام بعض مكونات حزب نداء تونس المدير العام للأمن الوطني ووزير الداخلية بالتجسس على الرئيس وقع سيئ، وربما يكون مقدماتٍ لتغيير الفريق. وفي هذا رهان غير مضمون العواقب، في مرحلة حرجة، زادها حرجا التدخل الأميركي في سرت الليبية، موطن الدواعش الذين قد يحتاجون مهرباً إلى تونس، وقد زاد خطر ذلك بانغلاق الجبهة السورية، في وجه مقاتلين محمولين جواً إلى معارك ليست لهم.
كثيرة هي التحدّيات التي على الشاهد مواجهتها. وهو مكشوف الغطاء أمام شعبٍ تحرّر من خوف نقد السلطة. التونسيون الآن في وضع الترقب، فليس منهم من اعترض دستورياً على وجود الشاهد. ولكن، قد يكون الصمت على سلامة الشكل مقدمةً للتحرك، على قاعدة تأخر الإنجازات التي وعد بها في فترة قصيرة. يجب أن يكون لدينا الآن إيمانٌ كبيرٌ بالمعجزات، لنصبر على استبدال الخيول المتعبة بأخرى لم نرها في أي سباق.