ثورة البنّ اليمني

ثورة البنّ اليمني

03 يوليو 2018
+ الخط -
يتميز اليمن بالعديد من الحضارات العريقة التي صارت بصمة تعلو جبينه كلما جاء ذكره، كسدّ مأرب، وناطحات السحاب في سيئون، والبن اليمني المشهور عالمياً، والذي يصنف من أجود أنواع البن في العالم.

إن البن اليمني ارتبط ارتباطاً وثيقاً باليمن وحضارته، و يُعرف عالميا باسم "mocha coffee" أو قهوة الموكا، نسبة إلى ميناء المخا الذي كان قاعدة لتصدير البن إلى العالم.

إلا أن زراعة هذا المحصول الذهبي أخذت بالتراجع على مدى السنوات السابقة، لجملة من الأسباب، أهمها انعدام أو قلة الدعم الحكومي لمزارعي البن، وهذا ما جعلهم لا يستطيعون مجابهة تكاليف زراعته ورعايته والاهتمام به حتى نضوجه، ومن ثم تصديره. وحينها بدأ الكثير منهم بالتخلي عن هذا الكنز، فلجأوا إلى استبداله بزراعة القات ذات المردود السريع والربح الكبير، وهذا كله قام على حياة البن.


إن البن بداية من زراعته حتى وصوله إلى كوب المستهلك ليس بالأمر اليسير. فحتى يصبح ذا جودة عالية، وطعم مميز، يحتاج إلى عملية شاقة من زراعته، إلى العناية بالشجرة، مرورا بمرحلة قطف الثمرة، ثم تنقية الجيد من الرديء، ثم نشره للتجفيف لأيام قد تصل إلى أسبوعين يتخلل اليومين الأولين عملية فرز للثمرة الناضجة شديدة الاحمرار، عن الثمرة قليلة الاحمرار ليتم تصنيفها كدرجة ثانية. ومن ثم متابعة يومية لمستوى الرطوبة حتى يصل إلى الدرجة المطلوبة من الجفاف. وبعدها يُخزن في درجة حرارة ومستوى رطوبة معينين. بعدها يتم تقشيره، وتحميصه حسب الشكل المرغوب، وأخيرا طحنه ليصبح جاهزا لأعداد كوب من القهوة ذات المذاق الرائع.

فالبن اليمني من أشهر الأنواع عالميا، فالظروف والتضاريس المناخية التي يزرع فيها هي التي جعلت منه مميزا في المذاق ومتفردا بالجودة، فمناخها المعتدل وجبالها الشاهقة ووديانها الغائرة، تشكيلة مناخية وتضاريسية أنعم بها الله على اليمن، وهي السبب في تميز البن اليمني عن باقي الأنواع.

في عام 2017 من وسط الحرب التي تشهدها اليمن، في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة، ودولة غير منتصبة الأركان، برز للنور مشروع للبن اليمني، أو كما يُطلق عليه ثورة البن اليمني، وصاحب هذا المشروع هو شاب ثلاثيني العمر، من محافظة تعز، من أسرة الشيباني، عاش حياته في بريطانيا اسمه "فارس الشيباني".

قهوة القمة، هذا هو اسم المشروع، ويعتبر أكبر مشروع لتجفيف البن في اليمن، فهو مكون من أربعمائة طاولة لتجفيف البن، ومن ثم تصديره.

قهوة القمة مشروع يسعى لإبراز وجه اليمن من زاوية غير زاوية الحرب والتخلف التي يرى منها العالم هذا البلد. هو مشروع خرج من وسط الحرب كما تخرج الزهرة من وسط الأشواك.

قهوة القمة مشروع المزارع اليمني نفسه، فالبن يتم تصديره باسم المزارع ومنطقته، وهنا يشعر المزارع بالفخر والاعتزاز من أن محصوله يُذكر عالمياً بجانب اسمه، وهذا ما يدفعه إلى تحسين محصوله، وبذل المزيد من الجهد والعناية ليحافظ على سمعة البن اليمني عالميا.

مؤخرا تم إيصال بن القمة إلى المعرض العالمي للبن المتخصص المقام في هولندا، وفيه تُقام جلسات تذوق للبن على أيدي خبراء التذوق في العالم.. رحلته لم تكن مذللة الصعاب، بل كانت شاقة مليئة بالعوائق مرورا في رحلتها البرية المليئة بمناطق الحروب للوصول إلى المطار، وانتهاء بعدم سماح السفارة الهولندية لمزارعي قهوة القمة بالدخول إلى هولندا للمشاركة في المعرض العالمي للبن المتخصص. وبعد محاولات متكررة، وأساليب متنوعة تمكن صاحب المشروع  فارس الشيباني باستصدار الموافقة من السفارة، وتم دخول الفريق، وقهوة القمة لتشهد مهرجان التذوق العالمي.

مشروع قهوة القمة، هو منجز اقتصادي للبلد، يهدف لإعادة مجد البن اليمني، رغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها البلد. هو وجه آخر لهذه البلاد يتم إبرازه للعالم، هو ثورة تحمل الحب والسلام للعالم، فكل ما نتمناه أن يتكلل هذا المشروع بالنجاح، وأن يكون وجها مشرقا لليمن واليمنيين.

دلالات