جدلية المؤامرة

جدلية المؤامرة

31 مارس 2016
+ الخط -
المؤامرة كلمة تستخدمها اصطلاحاً البنى السياسية والاجتماعية، للدلالة على الخطر المحدق بها، محاولة منها للتغطية على عجزها وفشلها في تحقيق أهدافها أمام مناصريها وأتباعها، ومن أهم أركان هذه الظاهرة جمع الناس على انتماء جمعي واحد على الأقل يوحدهم ضد أي "هجوم خارجي"، والتقوقع داخله، ومن أخطر تلك الانتماءات، الانتماء الديني (تنظيم الدولة الإسلامية وحزب الله مثالاً)، لأنه يجعلهم يصلون، في قتالهم، إلى حدَّ العدمية ومغالاتهم في الإقصاء، تصل إلى حدَّ قتل كل فكر أو شخص يجهلونه.
تختلف بالإسلوب كلمة المؤامرة بين التنظيمات الدينية والسياسية والاجتماعية والقومية والمناطقية، وحتى "الجندرية" منها، لكنها تبقى ذات معنى وصفي واحد، هو من جهة "المتآمر عليه" محاولة لشرح نشوء حدثٍ يعرقل مسيرته للوصول إلى هدف ما، أما من جهة المتآمر "إن وجد"، فهي قيامه بخطوات، بوعي أو بدون وعي، تهدف إلى السيطرة على الطرف المتآمر عليه، أو منعه من تحقيق مآربه.
يقول المفكر السعودي سلمان العودة: "جرت العادة أن الإنسان، حين يعجز عن تحليل حدث مفاجئ، يميل إلى نسبته إلى مؤامرة خفية، كانت تُعد له منذ زمن طويل. والعقلية العربية تميل غالباً إلى نظرية المؤامرة، لأنها تعفيها من تبعة المساءلة والنقد، وتجعلها ضحية لتكالب الآخرين عليها".
في حالة السلطة السورية، ما قبل الاستعصاء السياسي الذي تشهده البلاد كانت تجعل القوى "الإمبريالية" وإسرائيل شماعة لتحميل أي خطأ، أو عقبة تمنعها من الانخراط بالحداثة أو فعلها.
بعد انتفاضة 2011، بدأت تحاول تغليف كل فعل مناوئ لها بغطاء أجنبي، أو تخريبي، مفتت للدولة السورية، ما دفع أتباعها للالتفاف حولها، خوفاً على بقائهم، وحرصاً على استمرار مصالحهم بردة فعل مسبقة واندفاعية على هذا الكيان المتآمر المجهول الغايات والشخصيات، والذي قد يكون كتلة هلامية، لا يمكن التكهن بمدى خطرها.
هنا، تجب الإشارة إلى أنه لا بد لأي تنظيم سياسي أو اجتماعي للحفاظ على بنيته وكينونته أن يجعل لمناصريه عدواً مجهولاً بمثابة "البعبع"، ليجمع أتباعه عند الضرورة، وتشكيل قوة دفاعية تحافظ على استمرارية بقائه، مهما كان هذا الكيان سيئاً.
وتبرع الأنظمة الشمولية بخطابها الديماغوجي في فرض هذه النظرية وتداولها.
بالعودة إلى تنظيم داعش، فإنه لا يرى الدولة السورية على الخارطة، ولكي تكون فكرته مقنعة لمواليه، عليه كسب ود الإسلاميين المتشددين الذين لا يهتمون بالخرائط التي نجمت عن اتفاقية سايكس بيكو، وتم رسمها فيما بعد، ولا التقسيمات في البقع الجغرافية، ما يعني أن أي كيان يحاول تقسيم حلمهم إلى دول خطر تآمري، هدفه عدائي، وصولاً إلى الظن أنه يحاربهم لكونهم إسلاميين فقط، من دون النظر إلى أي منحى آخر، أو بُعد يَفصل بين أصوليتهم وراديكاليتهم المقرونة بالعنف من جهة، وكونهم مسلمين من جهة أخرى.
وهنا لا تختلف السلطة كثيراً عن "داعش"، لأنها أيضاً لا ترى سورية كياناً نهائياً، بل تعتبر، بفكرها البعثي ذي النهج الوحدوي والقومي، أن سورية منطلق مستقره الوطن العربي. لذلك، نرى أن الأيديولوجيا أداةً، بل ركناً أساسياً في مجتمع المؤامرة، حيث تكرس فرضية الأحكام المسبقة السيئة عن الآخر، وشيطنته، كونه يحاول إلغاء هذا الإنتماء بنظرهم.

6BC2C726-22A9-4173-945A-B07331970E47
6BC2C726-22A9-4173-945A-B07331970E47
عبد الرحمن فتوح (سورية)
عبد الرحمن فتوح (سورية)