حتى لا تتمزّق شِباك الخليج

حتى لا تتمزّق شِباك الخليج

09 ديسمبر 2016
+ الخط -
بات التباهي بعلاقات "وثيقة مع دولٍ عربية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل" لازمة في محاججة رئيس حكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب، بنيامين نتنياهو، خصومه في الداخل، للتدليل على العوائد الاستراتيجية التي تحققها حكومته، على الرغم من مواقفها المتشدّدة من الصراع مع الفلسطينيين. ولا يفوّت نتنياهو فرصة من دون أن يحدّد مجالات التعاون مع هذه الدول، وهي: التصدّي للمشروع الإيراني ومواجهة "الإسلام المتطرف". وإن كان نتنياهو، ولدواعٍ دبلوماسية وأمنية، لا يحدّد هوية هذه الدول العربية، ولا أنماط التعاون وآلياته، فإن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسل هليفي، أشار، أواخر الأسبوع الماضي، إلى "طاقة كامنة وواعدة" في علاقات إسرائيل بشكل خاص مع دولتين تمثلان الثقل الأكبر في مجلس التعاون الخليجي. وفي المقابل، يشير الجنرالات المتقاعدون وكبار المسؤولين الصهاينة السابقين، وكذا وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، بالتفصيل إلى مجالات التعاون، والتي تشمل تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الأمني والتنسيق السياسي وتصدير التقنيات العسكرية.
لا تعد العلاقة الخليجية الإسرائيلية أمراً مستجداً، حيث تبين، حسب وثائق "ويكليكس"، أن إسرائيل عينت مبعوثا سريا لها في دول الخليج، هو الدبلوماسي برويس كشدان، المولود في بريطانيا، وقد عرضت هذه الوثائق محاضر لقاءات جمعت كشدان وأكثر من وزير خارجية خليجي. في المقابل، الدول الخليجية التي تعي طابع الاحتفاء الإسرائيلي بالعلاقات السرية معها، ليس فقط لم تبادر إلى نفي هذه العلاقات، بل منحت إشاراتٍ تدلل على أن وراء الأكمة ما وراءها. لم تنف الإمارات العربية نبأ استقبال وزراء ودبلوماسيين إسرائيليين، وسمحت للرياضيين الإسرائيليين بالمشاركة في الأنشطة الرياضية الدولية التي تنظم على أراضيها. في حين تحتضن الإمارات شركات خليجية تقوم حاليا ببناء سفن حربية لصالح سلاح البحرية الإسرائيلي، كما كشفت "يديعوت أحرنوت" قبل أيام. وفي المقابل، يزور مسؤولون سعوديون سابقون إسرائيل ويلتقون ممثلي حكومة اليمين المتطرف، من دون أن تتم مساءلتهم، على الرغم من دلالات الحدث وإيماءاته.
ترتكب دول الخليج في رهاناتها على عوائد العلاقة مع الكيان الصهيوني خطيئة استراتيجية، لن تسهم إلا في زيادة مستوى المخاطر على أمنها، وتفاقم من حدة التحديات التي تواجهها. فلو
تجاهلنا لحظة الاعتبارات التي تمثلها المنطلقات القيمة والأخلاقية والقومية، فإن إعمال منطق الواقعية السياسية يدلل على أن العلاقة والتنسيق الإسرائيلي الخليجي أفضى إلى مكسب صهيوني خالص، وخسارة خليجية كبيرة. فلو أخذنا، مثلاً، التنسيق الثنائي بشأن مواجهة المشروع النووي الإيراني، الذي احتفى به الصهاينة، سنجد أنه أسهم في تعاظم الخطر الإيراني على دول الخليج. وظفت إسرائيل الموقف الخليجي في زيادة فاعلية ضغوطها على الغرب، وتحديدا على إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لكي يتم التوصل إلى اتفاق مع إيران، يستجيب بشكل خاص لمتطلبات الأمن "القومي" الصهيوني. بدليل أن الصهاينة يرفضون حالياً أية خطوة من الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، لإلغاء أو تعديل هذا الاتفاق (هآرتس 21-11). إلى جانب ذلك، حصل الكيان الصهيوني في مقابل الاتفاق الذي يرفض حاليا تعديله على 38 مليار دولار من الولايات المتحدة، معونة عسكرية على مدى عقد. وفي المقابل، سمح الاتفاق بتوفير بيئة لتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، بضوء أخضر أميركي، بما فاقم التهديد على دول الخليج وأمنها.
أما "الإسلام المتطرف" الذي تدّعي إسرائيل أنها تنسّق مع بعض دول الخليج في مواجهته، فيشمل، وفق المنطق الصهيوني، أيضاً حركات المقاومة الفلسطينية ذات التوجه الإسلامي، وكل ما يمكن تصنيفه أيضاً تحت قائمة "الإسلام السياسي"، ولا يقتصر على هوامش الحركات الجهادية. قد تكون هناك مبالغات إسرائيلية في الإشارة إلى هذا التنسيق، وقد تتعمد تل أبيب تضخيمه. وإن كانت الأمور كذلك، فإن هناك حاجة لموقف واضح من دول الخليج إزاء التصريحات والتلميحات الصهيونية، حيث إنه عادة ما تتم الإشارة بشكل خاص إلى دول بعينها.
لا تتمثل مخاطر التنسيق مع الكيان الصهيوني في بؤس عوائده المباشرة فقط، بل إن الانشغال الإسرائيلي الرسمي والإعلامي به يمسّ مصداقية الحكومات الخليجية أمام شعوبها والأمة، ناهيك عن أنه يمثل وقوداً فاعلاً في ماكينة طهران الدعائية ضد الخليج لتبرير توسعها وتغوّلها.
ومما يزيد الأمور تعقيدا أن حكومة نتنياهو الحالية الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني
توظف التنسيق مع الخليج، وكل من مصر والأردن، لتبرير مخططاتها الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، بترويج فكرة "السلام الإقليمي" التي تعد نتاج نظرة استشراقية عنصرية تبسيطية، تمثل منتهى الاستخفاف بوعي العرب، نخبا وجماهير. فحسب نتنياهو، التوصل إلى تسويةٍ مع العالم العربي يجب أن يسبق التسوية مع الفلسطينيين. وإن كان نتنياهو يتعمد عدم تقديم تفاصيل حول هذه الصيغة، فإن أستاذه موشيه أرينز الذي اكتشفه ودفع به إلى عالم السياسة، يجاهر بأن هذه التسوية تقوم على صفقةٍ تساعد بموجبها إسرائيل أنظمة الحكم العربية على البقاء، في مقابل تكفل هذه الأنظمة بإقناع الفلسطينيين بالتوقف عن المطالبة بدولةٍ، والاستعداد لطرح صيغ حل تعفي إسرائيل من الانسحاب من الضفة الغربية (هآرتس، 1-11).
قصارى القول، الرهانات على العلاقة والتنسيق مع الكيان الصهيوني في غير محلها، ولن تفضي إلا لمراكمة مزيد من المخاطر والتحديات أمام الخليج، فمواجهة التحديات الخارجية تتطلب تحصين الجبهة الداخلية، وتعزيز الارتباط بالعمق العربي، وضمنه توثيق العلاقة مع القوى الحية في الشارع العربي.