دير الزور: بين دول "إرهابية" وإرهاب بلا دولة

دير الزور: بين دول "إرهابية" وإرهاب بلا دولة

02 نوفمبر 2016
(في المدينة المنكوبة، تصوير: أحمد عبّود / فرانس برس)
+ الخط -

تشهد محافظة دير الزور، التي يسيطر عليها "داعش" منذ قرابة عامين ونصف العام، عمليات قصفٍ جويٍّ من قبل طيران التحالف استهدفت جسورها المشيّدة على نهر الفرات ودمرتها بالكامل؛ حيث تزيد عن عشرة جسور تشكّل المفاصل الأساسية ونقاط الوصل بين مناطق دير الزور على طرفي النهر، كان آخرها جسر السياسية الذي قصفه التحالف قبل قرابة شهر.

ما زاد في معاناة أهالي المحافظة التي تحالف عليها الموت من كل جانب، من قبل تنظيم الدولة من جهة، ومن القصف العشوائي المتواصل لطيران النظام السوري وحليفه الروسي من جهة أخرى بحجّة استهداف مواقع التنظيم، هو غياب تغطية إعلامية لما يحدث هناك، فأصبح الوضع أكثر غموضًا، وتجرّع الأهالي الويلات في صمت بعيدًا عن تضامن العالم وصخبه الإعلامي، باستثناء القليل من الأخبار التي تنشرها بعض الشبكات الإخبارية التي تعتمد على نقل الأخبار والصور الشحيحة، أو على ما ينشره التنظيم من أخبار يعتقد أنها تصبّ في مصلحته بشكل أو بآخر.

تضاف عمليات قصف الجسور بالمنطقة إلى سلسلة الانتهاكات التي زادت من مرارة عيش الأهالي، فمعلوم أن نهر الفرّات يُقسّم المحافظة إلى قسمين (شامية وجزيرة)، لكل واحد منهما خصائص اقتصادية؛ فمعظم حقول النفط التي تشكّل مصدر الطاقة والإيرادات المالية للمحافظة تقع في الجزيرة، أما الأسواق التجارية والمستشفيات فتقع في الشامية، واستهداف هذه الجسور ضاعف في أسعار السّلع والبضائع، بسبب صعوبة النقل الذي بات يعتمد على الطوافات المائية.

يخرج الأهالي، هنا، عن حسابات الدول الكبرى التي تدّعي محاربة تنظيم الدولة، وكل همّها تقطيع أوصال المحافظة وتضييق الخناق على سكّانها، بحجّة زعزعة هيبة التنظيم وقطع خطوط إمداده، تزامنًا مع من بدأ معركة الموصل آخر معاقله في العراق، يضاف إلى كل هذا تخندق النظام السوري في المطار العسكري للمحافظة وعدّة أحياء داخل مركز المدينة، بعد غياب الجيش الحرّ عن الساحة العسكرية، منذ هزيمته على يد "داعش".

إنّ غياب مشروع حقيقي للجيش الحرّ لتحرير دير الزور، لا يصبّ إلا في مصلحة الأسد وحلفائه؛ فمع تقدّم الحشد الشعبي المحسوب على إيران في العراق إلى الموصل، من المتوقّع أن يبدأ التنظيم بالانحسار والتراجع إلى سورية وتحديدًا إلى دير الزور ذات التكوين العربي السنّي النقي، ومن المتوقّع أن يستمرّ الحشد في حال نجاحه بالسيطرة على الموصل بالتوغّل في قلب الجغرافية السورية بحجّة تأمين حدود العراق، ملتقيًا بالحشود التي تتجمّع وتحضّر نفسها الآن في المناطق التي يسيطر عليها النظام في مطار دير الزور، ومعسكر الطلائع وحيي الجورة والقصور كما أظهرت بعض التسريبات.

ويأتي هذا كلّه؛ بعد فشل المشاريع العسكرية ذات التكوين السنّي "المعتدل"، كجيش سورية الجديد المدرّب أميركيّاً في الأردن بالتعاون مع العشائر السنيّة في العراق لتأمين الحدود العراقية السورية، حيث استدرجهم تنظيم "داعش" وكبّدهم طيران التحالف خسائر في الأرواح والعتاد، الأمر الذي فسّره محلّلون بأنه تفشيل متعمّد لأي تكوين عسكري سنّي "معتدل" قد يجابه مستقبلًا أطماع الأسد وحليفه الإيراني، بالإضافة إلى غياب التمثيل السياسي والقانوني والتغطية الإعلامية للمنطقة في الاجتماعات والمحافل الدولية .

ويرجع هذا التراجع أيضًا؛ إلى تشرذم فصائل المعارضة وتفرقهم، وعدم وجود رؤية واضحة لديهم عن مشروع جامع لكفاءات دير الزور ومقاتليها الذين يتوزّعون على فصائل في إدلب وحلب وحماه وحمص والقلمون الشرقي ودرعا، حيث يُستغل اندفاعهم وتُستنزف طاقاتهم بمعارك مختلفة لا تصب في خدمة المشروع الأكبر الذي يطمح لاستعادة دير الزور من تنظيم الدولة، قبل أن يصل إليها "الحشد الشعبي" الذي سيعمل لتثبيت حكم الأسد وحليفيه البارزين إيران وروسيا.

المساهمون