رسالة إلى مواطن سوري

رسالة إلى مواطن سوري

25 فبراير 2015
+ الخط -

"..ودمشق الجسورة.. لا تكترث بالجبناء.. ومهما الرصاص يجزّ رقابا.. يظلّ على شفاه السوريين الغناء" (مظفر النواب)
اقتادتك دمشق من يد روحك إلى فردوس الطمأنينة، بل ربّما إلى النقيض. وما عليك بعد كل هذا الدّم، إلا أن تتأمل وتنتظر.
جرح مفتوح، وعدالة شائخة، وضمير إنسانيّ كسول وضرير. لا يفعل غير أن يعدّ حصيلة الخراب ويتأفّف من وفرة دماء الموتى!..وأيضا: ينتظر.
ضجرت ذاكرة التاريخ. ضجر الشهود. ضجرت الأسلحة والقوانين والمذاهب والسماوات، وضجرت أرواح الموتى. لكن، وحدها، شهوة القاتل إلى مزيد من الدم.. لم تضجر! الدّم يشحذ شهية الدّم.
أنتَ، الآن، وحدك في عراء الخليقة الدّامي، تقذفك الرّياح الكونية من زنزانة. إلى معتقل. إلى هواء يتهدّم. إلى أرض تنتفض. إلى عدالة عمياء. إلى قاض أخرس. إلى ضمير أعزل وكفيف. وإلى أمل يضيق ولا يتهدّم. وعلى شاشة الملأ الكوني، تترقرق الدّمعة الأكثر إيلاما وسطوعا في تاريخ صناعة العذاب، وتعلو صيحة الضمير الأعزل المعطوب، من دون أن تُسمَع.
ودائما: ثمة شهداء يسقطون. ودائما خلف القاتل، ثمة حلفاء وقضاة وجيوش. وخلف الضحية. العماء والصّمت. وخلف العماء والصّمت شعب يقيم أعراسه على حواف المقابر: أعراس مجلّلة بالسواد ومبلّلة بالنحيب أعراس دم.
لكن. ثمّة أمل ينبثق من دفقات الدّم ووضوح الموت. أمل يتمطى عبر التخوم.
وإذن؟
إذن، وحدك بإمكانك أن تحمل بين ضلوعك أملا وضّاء ينير عتمات الدروب أمامك. ووحدك، بإمكانك، أن تقايض سخط الرصاص الحاقد بكلمة الأمل الغاضب. فقد علّمنا التاريخ، يا ابن دمشق، أنّه، في أحيان كثيرة، يمكن للأمل الأعزل أن ينتصر على جنون القوّة المدرّعة، كما علّمنا كذلك، أنّ السفّاح بما يريقه من دم يحدّد الثمن النهائي لدمه.
لهذا، يمكنك أن تذهب بأحلامك من حافة الموت إلى حافة الحياة، حيث سترى خلف دخان الجنون وجلبة القوّة، دمشق وشمسها ونخيلها وبساتينها ومساجدها وسماءها، وتحت سمائها تلألأ الرنّة السخيّة لفرح الإنسان.

avata
avata
محمد المحسن (تونس)
محمد المحسن (تونس)