عمّال بناء المواطَنة

عمّال بناء المواطَنة

05 مايو 2015
لن يخسروا بنضالهم غير القيود (فرانس برس)
+ الخط -
يوم الجمعة الماضي، في الأول من مايو/أيار، كان لبنان على موعد مع تظاهرة سنوية بمناسبة عيد العمال العالمي.

التظاهرة الحمراء التي اعتاد الحزب الشيوعي اللبناني تنظيمها ضمت بضعة آلاف من المشاركين. بعض هؤلاء يشارك لانتمائه للحزب. وآخرون يشاركون لارتباطهم بأهاليهم وانتمائهم السياسي. بينما تشكل التظاهرة لكثيرين موعداً سنوياً للمطالبة بحقوقهم كعمال في بلد يضيق حق المطالبة حتى على مواطنيه.

وقد يندفع آخرون إلى التظاهرة لأنّهم اشتاقوا إلى أصحابهم الذين يشاركونهم توجهاً سياسياً- يسارياً، أو علمانياً، أو مدنياً، أو حقوقياً، أو كلّ ذلك معاً.. هؤلاء ليسوا منعزلين في منطقة ما، ولا محصورين في كانتون اختياري. هم من كلّ المناطق اللبنانية، من الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، إلى أقصى الشمال والشرق، وصولاً إلى جبل لبنان والعاصمة بيروت وضواحيها، وحتى من داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

تظاهرة أول مايو هذه تجمعهم، فالمنتديات والمنابر والتظاهرات والمحافل الأخرى يحتلها طائفيون شبيهون بأعضاء البرلمان اللبناني، الذي يحتله نواب مددوا ولايتهم الطائفية "على عينك يا تاجر".

يرفعون هتافاتهم بأعلى صوت في شارع ضيق يمتد بضعة كيلومترات من جنوب بيروت إلى وسطها، حيث تتربع دوائر الدولة، وقصور حكمها. ويستمعون إلى أغانيهم الثورية والحقوقية. أغانٍ عن العمال والمستخدمين والفلاحين والأساتذة والطلاب في كلّ مكان من الأرض من "فلسطين ولبنان والأردن وبغداد إلى شيكاغو وروما وباريس وفيتنام وكوبا.. وفي أرجاء العالم كلّه" كما تقول الأغنية. أغانٍ "تذكّر العمال دوماً أنّهم عصب الوجود، وبأنّهم لن يخسروا بنضالهم غير القيود".

كيساريين، بالدرجة الأولى، فهم مميزون عن كثير من اللبنانيين. مميزون لأنّهم لا يدافعون عن طائفة بل عن وطن. ومميزون لانّهم لا يرفعون هتافاً من أجل زعماء يتفردون بالحكم، بل من أجل بناء دولة ديمقراطية مدنية.

ومع ذلك، يصرّ الشباب من بينهم على تميّز أكبر. مميزون هم فعلاً في عدم اللجوء لأبسط الحلول والخيارات في الانضواء تحت راية حزبية - طائفية تشعرهم بالقوة، وتمدّهم بزخم الاستفادة من خدمات الدولة، ووظائف أجهزتها وإداراتها والشركات المتعاقدة معها، الموزعة طائفياً بدورها.

هم يختارون الطريق الأصعب في وطن الطوائف. يختارون أن يشذوا عن الطائفية التي لطالما اختطفت من كان في الأمس القريب منهم، وضمته إلى أحزابها. هم يختارون المضيّ أبعد من أيّ خط مرسوم لهم.

وبذلك وغيره، هم يحتفلون بعيد العمّال.. عيدهم كعمّال بناء المواطَنة أيضاً.