... عن وزارة الخارجية المصرية

... عن وزارة الخارجية المصرية

24 يوليو 2014

وزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحفي (يوليو/2014/الأناضول)

+ الخط -

دخلت وزارة الخارجية المصرية في جدل على وسائل الإعلام مع المقاومة الفلسطينية، أعطت مؤشرات أقوى ودلائل أوضح على وجهة مصر في السياسة الخارجية، في عهد الانقلاب، مصر التي يحاكم نظامها الحالي رئيسها السابق بتهمة التخابر مع حركة مقاومةٍ، تحكم القطاع المجاور!

ألقت الخارجية مبادرة سياسية، لم تُطلع عليها فصائل المقاومة الفلسطينية، أي أنها لم تُطلع عليها الطرف المعني بالقضية، وعلم قادة الفصائل بها من وسائل الإعلام. لقيت المبادرة تأييد خصم المقاومة، وهو السلطة، ورضا عدو الشعب الفلسطيني، وهي إسرائيل. خرجت الخارجية المصرية حتى عن أبجديات العمل السياسي، فضلاً عن التضامن الواجب، لمجرد أنها لا تريد الحديث مع حماس.

يمكن أن يبدأ الحديث ولا ينتهي عن دور وزارات الخارجية في الدول الحديثة. تصعد دول إلى واجهة الأحداث، وتكتسب النفوذ، بسبب خارجيتها النشطة والطموحة. يمكن لخارجية بلدٍ، ما أن تحقق ما كان يُظن أنه لا يتحقق إلا بالحرب والعنف المادي، ويُمكن لهذه الخارجية أن تبرر حرباً ظالمة وعدواناً غاشماً، وتقنع العالم بهما، يمكن لهذه الخارجية أن تبني التحالفات الكبيرة التي تؤثر في الإقليم والعالم .. الخارجية هي قوة الدولة الناعمة، إنها ذراع أخرى للدولة، لتحقيق مصالحها ومدّ نفوذها، إنها مؤسسة القوة الناعمة.

إن الخارجية في الدول الطموحة هي التي تحمل مهمة تحقيق طموح التمدد والفعل والتأثير، خارج حدود الدولة، إنها من تُسند إليه مهمة جعل وجود هذه الدولة مؤثراً وفاعلاً في الإقليم والعالم.

أشهر الأمثلة في المنطقة على فعالية القوة الناعمة والدبلوماسية الهجومية في تمدد نفوذ الدول النشاطان الإيراني والتركي في السنوات الأخيرة، تكاد طهران وأنقرة تنظران إلى المحيط العربي المجاور لهما كجوار جيو- استراتيجي ومجال حيوي، لا يُمكن إغفال أهميته لسياساتهما. بنى الإيرانيون تحالفاتهم، معولين أساساً على العامل المذهبي، فوثّقوا علاقاتهم بنوري المالكي، حليف الأميركيين في العراق، وبحزب الله، عدو إسرائيل في لبنان.

لا مشكلة لدى الإيرانيين في تباين حلفائهم، المهم أن يكون الإيرانيون قادرين على استخدامهم والاستفادة منهم. أما الأتراك الذين أُوصد في وجههم باب الاتحاد الأوروبي، فقد أتوا ليرووا تعطش الشارع السني لمقابل سني للدور الإيراني في المشرق العربي، مع انحسار أدوار الدول العربية الكبيرة. بحث الأتراك بمثابرة عن صفقات الاستثمار والتجارة، كانت حملة العلاقات العامة التركية رهيبة، امتدت من سورية إلى الصومال.

أصبحت كل من إيران وتركيا ملء السمع والبصر في الإقليم العربي، حدث ذلك من دون أن يطلق جيشا الدولتين رصاصة واحدة من أجل هذا التمدد والنفوذ وتلك المكاسب، حدث هذا

بالرؤية التي تحملها الخارجية في البلدين ونشاطهما وطموحهما. وعلى الرغم من التنافس الذي يتزايد بين الطرفين أخيراً، فإنهما يتفقان على دعمهما حقوق الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال ومواجهة الغطرسة الإسرائيلية ضد الشعوب العربية، وكأن فلسطين لدى الخارجيتين الطريق إلى قلب المنطقة.

بينما الأمر كذلك في إيران وتركيا، نجد مصر العربية تعتبر حركات المقاومة العربية خصمها اللدود في المنطقة، بل تستخدم ضدهما مصطلحاتٍ تجدها في القاموس الإسرائيلي عن حركات المقاومة العربية. الغريب أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أعلن أن تحركات الآخرين السياسية في المنطقة تأتي للحد من دور مصر التاريخي والنيل منه. في الحقيقة، كان هذا الدور يتآكل، بسبب السياسات المصرية وخياراتها. دخل الآخرون وتغلغلوا بسبب الفراغ الذي تسببت به السياسة المصرية.

وفيما يخص غزة تحديداً، لم يكن يعول الوزير المصري إلا على قدر الجغرافيا الذي لم يكن للخارجية المصرية دور فيه. التاريخ القديم والحديث، الذي يعرفه الوزير، أو لا يعرفه، يقول إن مصر اكتسبت دورها ونالت مكانتها، عندما اعتبرت الإقليم العربي المحيط بها من كل الجهات مجالَ أمنها القومي، واعتبرت أي اعتداء خارجي على أحد أطرافه اعتداءً عليها.

أطلق صلاح الدين الأيوبي حملته لتحرير بلاد الشام من مصر، بل وسع دولته إلى الموصل واليمن والحجاز، ليُقوي قدرته على المواجهة.

يأتي ثانياً محمد علي باشا الذي كان طموحاً وتواقاً إلى خلافة خاصة به على العرب، دحر الأتراك حتى أعادهم إلى الأناضول، قبل أن يوقف طموحه الأوروبيون بالقوة. يأتي ثالثاً جمال عبد الناصر الذي أعاد بث الروح في القومية العربية، وجعل مصر الممثل لمصالح العرب أمام العالم وفي الإقليم، وتحمل تكاليف ذلك في اليمن والجزائر وسورية وفلسطين.

ليس دور مصر ضرورياً للعرب فقط، بل لمصر أيضاً، فهذه الحالات الثلاث (صلاح الدين، محمد علي باشا، عبد الناصر) تراكمت حتى خلقت الدور المصري الريادي والكبير في المنطقة، ولم يُخلق هذا الدور لمجرد أنه دور مصري ما.

كان تفاعل الخارجية المصرية مع غزة يعول على الجغرافيا القاتلة فقط، وليس على أي إبداعٍ، أو إنصافٍ، أو فاعليةٍ لهذا الدور الذي كان بطيئاً، متأخراً، متردداً، هزيلاً بل ومتآمراً. في الحقيقة، كانت الخارجية المصرية تبحث عمّن تعتقد أنهم خصوم عبد الفتاح السيسي، ومن تعتقد أنهم حلفاؤه في فلسطين. ومن تعتقد هذه الخارجية أنهم خصوم السيسي في فلسطين هم أصحاب اليد الطولى في فلسطين. لم تبحث هذه الخارجية عن مصر في فلسطين.

والملفت أن هذه الخارجية التي تريد أن تحمي الدور المصري التاريخي من مؤامرات الآخرين كانت حاضرة في الاعتذار للمغرب عن تصريحات مسيئة أطلقتها مذيعة في عهد السيسي.

7DCBCDF9-9B50-4782-AA8C-FEDA3F7106B7
نايف السلمي

مهندس صناعي وكاتب سعودي مهتم بالفكر و الثقافة في الوطن العربي، ومؤلف مشارك في كتاب "في معنى العروبة .. مفاهيم و تحديات".