قضية الإرث في المغرب .. لماذا؟

قضية الإرث في المغرب .. لماذا؟

30 أكتوبر 2015
+ الخط -
منذ إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب تقريره السنوي حول قضايا عديدة، يراها المجلس تدخل ضمن انشغالاته، مثل قضية المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، والتي قدم فيها المجلس توصية، تفجر على إثرها نقاش عمومي، بين مؤيد ومعارض، انشطرت أطراف المجتمع بين مؤيدين مدججين بأسلحة الحداثةْ، ومحافظينْ محميين بطبيعة المجتمع وأصوله الدينيةْ.
التوصية تختلف عن القرار، فالتوصية لا تعتبر إلزاما، يؤخذ بها أو لا يؤخذ، أما القرار، فيعتبر لزاما، وبما أن المجلس دستورياً غير مخول بذلك، اكتفى بذكر التوصية التي أخذت حجما كبيرا، وسقطت كالنار في الهشيم، لتحتل واجهة انشغال الرأي العام الوطني، من دون أدنى ذرة شك واستفهام حول دواعيها.
وفقا لدستور المغرب المعدل سنة 2011، المغرب دولة إسلامية. وعليه، تبدو مسألة الإرث محسومة سلفا، خصوصاً أن النقاش الحقوقي النسائي لم يتوقف عند المسألة، بقدر ما اهتم بقضايا العنف والتمييز، ليكون سؤال: من له علاقة بتفجير هذه القضية اليوم؟
تواقتت قضية الإرث المطروحة اليوم مع عدد من الأحداث، أولها معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها المؤرخ المغربي المعطي منجب، والتي استرعت اهتمام الرأي العام الدولي ومنظماته وهيئاته، ما وضع مغرب العهد الجديد في موقف اختبار حقيقي لشعاراته الرنانة، في علاقته بالحقوق والحريات. هذه القضية وحدها تكفي لأن تتجند لها القوى التي تشكل ما تعرف بأدوات النظام التقليدية، وامتداداته العميقة داخل المجتمع المغربي، ورغم صدور إشارات في هذا الصدد، وبضغط العديد من الجهاتْ، ارتأى المعطي منجب تعليق إضرابه عن الطعام. وعلى الرغم من ذلك، بقيت القضية معلقةْ، إذ يظل الإعلان غامضا ومبهماً، بالنظر إلى طريقة تصريف ملف المنع من السفر، الذي يطال العديد من الصحفيين.
وثانيها ما عاشته مدينة طنجة، في نهاية الأسبوع الماضي، والتعبئة الشعبية الواسعة التي عرفتها معركة الشموع في مواجهة بطش التيار، ما أعاد إلى الأذهان مسيرات طنجة الحاشدة، خلال الحراك المغربي سنة 2011.
وثالثها قضية فاجعة منى التي كادت أن تفجر سخطا شعبيا، بسبب هول الفاجعة وضريبتها الباهظة في أرواح المغاربة، والأسوأ حالة الصمت الرسمي، التي تلت أطوارها، وظهور كواليس الحج والكيفية الحقيقية التي يدار بها هذا الملف بين المنعم عليهم وآخرين تركوا ليواجهوا مصيرهم، في ظل الفوضى العارمة التي عمتْ أحد فصول هذا الركن من أركان الإسلام.
لا تغدو قضية المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة في المغرب أن تكون فصلاً قصيراً من فصول النقاشات التي يمكن اعتبارها من باب البرستيج السياسي والحقوقي، إذا ما مسحنا الغبار عن عيوننا، لنواجه حقائق الشعب ومواطنيه، كما أنه، مبدئيا، لا يمكن أن تمنح للإنسان يخت باذخ، بينما هو لا يملك البحر.
ومنه يبدو أن المسألة معقدةْ أكثر بكثير، وتتجاوز حدود النقاش الظاهرْ، لتمتدَ بذلكَ إلى عمق تفاصيل حياة المغاربة اليومية، ليكون الاستفهامُ واسعاً، هل هي قضية أولويات أم ضروريات أم ثانوية أم استعجالية، أم أن المواطنْ العربيِ، من فرط سعيهِ وراء المجتمع الغربيِ، أباح القفز الطوليِ على أمهات القضايا موهما نفسهُ ببلوغ الحلم الغربيِ، إلا أننا، في الواقعْ، نحتاج إلى اعتراف ضمني وإقرار علنيِ بفشلنا في عيش تخلفنا بتعاسةْ، وفشلنا في عيش ازدهار الآخرين، ولو على سبيلْ الوهمْ.
ليست ذاكرة الشعب قصيرةْ، كما يبدو لكثيرين، فهي حتما أطول بكثيرْ وحيةْ، ويتجددْ نورهاَ، بشموع أبناء هذا الوطنْ، من يحترقونْ تدريجياً لأجل تلك الذاكرة وقضاياهاَ.
2E63B9A3-EF1E-46F6-A1E0-B034637ED96A
2E63B9A3-EF1E-46F6-A1E0-B034637ED96A
محمد لعبيدي (المغرب)
محمد لعبيدي (المغرب)