كتاب البان حول التخييل وتفسير الزمخشري

كتاب البان حول التخييل وتفسير الزمخشري

18 ديسمبر 2017
+ الخط -
عُرض في معرض الدوحة للكتاب هذا العام (2017) كتاب في مجال الدراسات القرآنية، والبلاغية، للباحث الموريتاني الدكتور الشيخ أحمد البان، بعنوان "الأسلوب التخييلي في القرآن عند الزمخشري ـ محاولة للاقتراب".

وقد سعى الكتاب لترويج مصطلح من ضمن مصطلحات بلاغية قليلة ساهمت في صياغة بعض التآليف القديمة (تفسير القرآن) للنظر في استخدامها معرفيا ودراسة آلياتها، ويتعلق الأمر بمصطلح "التخييل"، وهو مسعى كان المفكر سيد قطب قد ساهم في تأسيسه بدراسة حول مصطلح آخر هو "التصوير" الذي أفرد له أحد كتبه.

جاء كتاب الدكتور البان في 74 صفحة من الحجم المتوسط، ويتضمن خمسة فصول، ويكمن دوره المهم في تناوله أحد أبرز التفاسير التي أحدثت أثرا في حقل الدراسات القرآنية (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري)، مسلطاً الضوء على آلية من الآليات الموجِّهة للأسلوب القرآني في هذا التفسير بناء على الرؤية التي تبناها الزمخشري.


الأمر الذي أدى إلى تداخل عدد من المجالات العلمية في النقاش المعرفي ضمن الكتاب وذلك نتيجة لانتساب الزمخشري إلى مدرسة فكرية لها رؤيتها التراثية (المعتزلة) إلى جانب اشتغاله بعلم البلاغة وتطبيق نظريات هذا العلم على القرآن الكريم، وهو ما ألقى بظلاله على المحتوى، وأتاح للقارئ الدخول إلى ورشة حيوية بأنماط من النقاش الفكري في التاريخ الإسلامي (التفكير لدى المتكلمين: الفارابي، ابن سينا) والحسم اللغوي (مؤلفو القواميس)، العقيدة وأسئلتها، حيث تم تمثيل هذه الأنماط جميعاً بحكم الاختصاص الذي يوجِّه الكتاب.

وفضلاً عن انطلاق الباحث من المرجعيات اللغوية لـ"التخييل" من خلال جولة في عدد من القواميس، فقد قام بدراسة آلية (التخييل) كما هي في رؤية صاحب (الكشاف) تحقيقا للهدف الذي جاءت الإشارة إليه في عنوان الكتاب بـ"محاولة للاقتراب"؛ تلك التي رأى من خلالها إمكانية الفصل بين الزمخشري/المعتزلي، والزمخشري/البلاغي، قبل عودته في آخر الدراسة إلى تعذر ذلك عند التأمل في كامل التفسير والمقارنة بين تناول الآيات العقَدية وما سواها.

كما توقّف عند الطرف العلمي المناهض للمصطلح وتطبيقه على النص القرآني ليقدم صورة متكاملة في هذا المجال جنح في أعقابها إلى اعتبار (التخييل) مصطلحاً أدبياً يستعمل للدلالة على توخي أدوار جمالية في النص، ولا تمكن مقاربته كتعبير عَقدي، حتى يتسنى تطويره وتقديمه كأداة من أدوات القراءة الأسلوبية، سواء في الموروث العربي أو للدراسات الحديثة والمستقبلية، حيث يعتبر ذلك من ضمن الأهداف التي أشار لها الكتاب وفي سبيلها سرَدَ مصطلحين مشابهين (التصوير، التمثيل) باعتبارهما وحدتين إلى جانب (التخييل) يمكن استثمارهما في مجال الدرس اللساني العربي، بالإضافة إلى ما يشير إليه الكتاب أيضا من أهمية الاقتراب من الدراسات التاريخية للتراث الإسلامي للتعديل في بعض الإطلاقات والاستخدامات التي غطت على كنهها العلمي أحيانا التجاذبات المدرسية والمذهبية، ويدخل في هذه الإطلاقات حسب الكتاب مصطلح "التخييل" في تفسير الكشاف بغض النظر عن التصنيف المذهبي لمؤلِّفه الزمخشري.

ومما تميّز به الكتاب محوريَّة المعالجة، وذلك بالارتهان المطلق للموضوع الذي تَقرر من العنوان والذي يعد أحد المجالات التي تجمع بين مكوّنات علمية تشكل الركائز الأهم في الحياة الثقافية الإسلامية والعربية: القرآن الكريم الكتاب السماوي، الحركات الفكرية والثقافية، البلاغة وآلياتها التعبيرية والأدبية.
6701F60C-A315-4C5C-ADDD-936286455754
أحمد مولود اكاه

موريتاني مقيم في الدوحة، أعمل في قطاع الإعلام، ومهتم بالأدب.

مدونات أخرى