لم نطوِ صفحة الأمل

لم نطوِ صفحة الأمل

10 أكتوبر 2018
(آشوك فاجبي)
+ الخط -

البيت مرّةً ثانية
كيف للأم أن تعرف
أننا عدنا
إلى بيتها
بعد كل هذه السنين؟

ستفاجئها
وجوهُنا المثقلة بالتراب
بعضاً من الوقت
ولن تُصدّق ما ترى
ثم تبدأ بالتعرّف علينا
تتدرّج صاعدةً إلى ذرى البهجة
وهي تزيل ما علق في الأعماق من حسرات

لن يكون بيتها
مجاوراً لنهر الجانجا
أو تحت ظلِّ
أجمة مقدّسة
ستكون استأجرَت بيتاً
كالعادة، في ناحية مكتظة
ممتلئة بالضجيج

ثم يجيء الوالد
ينظر إلينا كما هي عادته
من دون أن ينطق بكلمة
ينتهي من تناول عشائه
الجاهز على المائدة
يتنحنح
وهو يبحث عن شيء من الحلوى
في خزانة المطبخ

ولأننا وصلنا متعبين
سنستغرق في النوم
ونصحو في صباح اليوم التالي
كما لو أننا نعيش هنا
طوال سنوات
نغادر واحداً
وسننتقل إلى آخر
كما لو أن البيوت كانت
البيت ذاته


■ ■ ■


موت
مثل طائر
لا يكاد يكون مرئياً
بلا جهد
سيأتي ذات يوم
رسولُ الموت

لن نعرف هذا أبداً
سيرفرف أسلافنا
حول بيوتنا
مثل طيور غير مرئية

وذات يوم سيأتي
مثل ضوءِ شمسٍ
ودفءٍ ينتشر فوق أجسادنا
مثل طفل
يؤخذ بيده
إلى مسيرة في الصباح الباكر
سيأخذنا على امتداد الطريق


■ ■ ■


تكرار
إلى نهر ضحل
أُرسلت جثة الأب
الأم تواصل الظهور مراراً
ناشرةً ظلّها السلفي
أمام شجرة ليلك

الزمنُ العابرُ
يجيء ثانية
مثل متر للقياس
مكرّراً ذاته

نحن لسنا
ما كان عليه أسلافنا
وعائلاتنا
ومع ذلك، للمرة الثانية
نحن ما كانوا عليه

بيتُنا هو ذاك
الذي أقامه أسلافنا
نتدفّق مثل ماءٍ
هنا وهناك
نتسكّع، سعداءَ
منحدرين من صخرة
إلى قلب شلّال
في المساء
مثل زخّة غير متوقّعة
نوقظ الأشجار ليلاً
نُصبح أعجوبة
في أَلَق الصباح
هل نصل في النهاية
إلى شواطئ أسلافنا؟


■ ■ ■


بعد النهاية I
بعد النهاية
لن نظلَّ صامتين

لن نتشاجر ثانيةً
سنبحث ثانيةً
ونكسر الحدود مرّةً أخرى

للتراب
والماء والنار
والهواء
سنقول ثانيةً
تعالوا امنحونا شكلاً
امنحونا صورة

تلك التي
وُجدت من قبل
تلك التي يتلمّسُها الموت عن طريق الخطأ
وتُمحَى إلى الأبد

بعد النهاية
لن ينتهي عملنا
(سنُرفرف هنا حول الحياة)
منتشرين مثل شذا
مثل نسيم هاب
أحياءَ مثل ذكرى

وأخيراً
سنتفادى الموت
نعود ثانية
بعد النهاية
لن نظل صامتين


■ ■ ■


بعد النهاية II
بعد النهاية
لن يكون هناك شيء
لا عودة إلى الوراء
لا تغيير شكل
لا بداية أيضاً

لا مزيد
من وهج الجسد المدهش
من كآبة الروح المعتمة
ولا
من ذكريات الحب الدافئة

لا شاياً خفيفاً
مع مجرّد القليل من الحليب
لا غيظ
حين لا توافِق الأزرارُ عُراها

لن تكون هناك
شجرة حكمة
لا هدوء بحيرة
لا ريشاتٍ زرقاء تهبط بسكون
في غاباتٍ وأراض ممحلة

لن تكون هناك آلهة باهتة
لا حمقى يلوّحون بالأعلام
بعد النهاية
لا شيءَ لنا
فقط لأولئك الذين
لن تكون لهم نهاية

بعد النهاية
ستكون النهاية
بالنسبة لنا فقط


■ ■ ■


ليست وحدها
في الحب
لا.. ليس الروح وحدها ما يحترق
الجسدُ يحترق أيضاً
في حرارة لهبه

لا.. ليس الجسد وحده ما سيحترق
في الطقوس الأخيرة
الروحُ ستتحوّل إلى رمادٍ
أيضاً

في الحب أو الموت
لا وجودَ لنارٍ
لا تحرق سوى الروح
أو الجسد وحده


■ ■ ■


هناك فحسب
لم نطوِ صفحة الأمل
مع علمنا
أننا في النهاية
سنعيشُ في المكان
الذي لا نرغب فيه

في البداية
سنكون محزونين
وقلقين
لن نحبّ
شجرةَ التين المقدّسة في الجهة المقابلة
جاراً يكحّ دائماً
أطفالاً يصرخون بأغاني أفلام
لا ألحان لها
قطعان، كلاب ضالة تنبح
طوال الليل
ومناخاً لا اسم له أيضاً

بعد ذلك سنُطمئن أنفسنا
بما سنفعله بكل هذا
بضعة أيام
ونرحل

وبمرور الوقت
سنجلس في الأمسيات
على الرصيف أيضاً
في ظلال شجرة التين المقدّسة
نُحيّي بأيدٍ مضمومة
عجوزاً عابراً
ننثر في الباحة حبوباً
لتلتقطها الطيور

وحينها سنُسيّج
قطعة أرضنا الصغيرة
مفكّرين ذات ظهيرة
بحاجتنا إلى فعل شيء ما
ما دام كُتب علينا أن نعيش هنا فحسب

سيكون هناك أمل
ولكن مثل ثوب مهترئ
ستبهتُ ألوانه
مع الزمن
وحينها
سنُعلّقه على مشجب

سنتوقف عندئذٍ
عن الذهاب للمشي
في ما بعد المنحنى
وننسى
مثل كلمة
من أغنية قديمة
أنه كان هناك مكان في ما بعد
حيث تمنّينا أن نعيش

لا هناك ولا هنا
لا في الأمل
ولا في اليأس
سنظل هناك فحسب
حيث لا نرغب أن نكون.


■ ■ ■


متوحدّون عند الغسق
سيمتلئ النهارُ بالناس حتى الحافة
وتكتظّ ملاجئُ الليل
لن نجد مكاناً لنا
إلّا عند الغسق

في سجلات حسابات الآلهة الهرِمة
لن نجد ما يُشير إلينا
والصحائفُ
التي تُسجّل الحسنات والسيئات
لن تكون فيها تقارير
بأسمائنا

عند بوابة السماوات
سنقف وجِلين
يحيط بنا ضجيج جهنم المرعب
ونكون مهزومين

في ما تبقى من لهبِ شجاعتنا
سنضيعُ
أسلافنا الضائعون
بين البيوت والأزقة
يتسكّعون بأيدٍ خالية

ومن نافذة سماوية
سننظر إلى الأرض
ولا نتعرّف
على بيتنا الصغير

متوحّدون في حبّنا
مثلما نحن دائماً
في شجاعتنا
متوحدون
عند الغسق
الكل متوحّد


* آشوك فاجبي (1941) Ashok Vajpeyi شاعر وناقد هندي بارز، ساهم في إنشاء عدد من المؤسسات الفنية والثقافية في بلاده، وله قرابة 38 كتاباً. يكتب باللغة "الهندية" المشتقّة من السنسكريتية، وترجمت أعماله الشعرية إلى لغات عدّة. يرى أن وظيفة الشعر هي النقد الحضاري، بمعنى حماية ما هو شخصي ضدًّ طغيان العام. هو ليس احتفاءً بالشخصي بقدر ما هو استكشاف يُترجم علاقة الإنسان بالعام ويحوّلها إلى علاقة إبداعية ونقدية في آن معاً.

** ترجمة محمد الأسعد

المساهمون