مراسلو مجزرة قانا بعد 20 عاماً: ماذا تغيّر؟

مراسلو مجزرة قانا بعد 20 عاماً: ماذا تغيّر؟

19 ابريل 2016
تكرّرت المجزرة في قانا عام 2006 (Getty)
+ الخط -
20 عاماً مرّت على مجزرة قانا، التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان، خلال عدوان عام 1996... 106 شهداء، ومئات الجرحى الذين لم ينسهم اللبنانيون، خصوصاً بعد ارتكاب العدوّ الإسرائيلي المجزرة الثانية في قانا في عدوان عام 2006.

في ذلك اليوم، لم يفوّت مراسلو الشاشات اللبنانية، كزاهرة حرب وديانا مقلد وزافين قيومجيان وغيرهم، فرصة تحشيد الرأي العام العالمي، وتوجيه أنظاره إلى المجازر المتنقلة التي ارتكبها العدوّ والتي وحّدت اللبنانيين ضده. وقفوا أمام كاميراتهم، غير آبهين للأخطار المحيطة بهم ليظهروا الحقيقة وينقلوا الصورة والصوت بكل مهنية وموضوعية إلى العالم بأسره.

زاهرة حرب: نقطة مفصلية
بعد 20 عاماً على تغطية هذا اليوم، تقول أستاذة الإعلام في جامعة "سيتي" في لندن، ومراسلة "تلفزيون لبنان" آنذاك زاهرة حرب، إنّ مجزرة قانا كانت نقطة مفصلية بحياتها المهنية. وتضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "كنتُ في الجنوب لمدة 16 يوماً، حيث تابعت العدوان لحظة بلحظة، إن كان من مركز البث المباشر بصيدا أو بالجولات الميدانية على القرى، وما كنت أعرف مدى التصاق الناس بشاشة تلفزيون لبنان ومتابعتهم للأحداث لحظة بلحظة حتى في القرى المحاصرة".

وعن اللحظات التي لا تنسى، تقول: "لا أنسى اللحظة التي دخلنا فيها بلدة زبقين مع قوات الطوارئ الدولية، وما إن تقدمنا باتجاه الأهالي الذين لجأوا إلى أحد البيوت عند مدخل القرية حتى بادرني الأهالي بعد تبادل التحيات وإبداء الفرحة بوصول المؤن إلى سؤالي ما إذا كنت بحاجة إلى ملابس نظيفة بعدما انتبهوا إلى أنني لم أغيّر ملابسي مدة ثلاثة أيام من النقل المباشر على الهواء".

وعن المشاهد الدموية التي ظهرت على الشاشات، ترى حرب بعد كل هذه السنوات أنّه "ما كان يجب أن لا يحصل هو تكرارنا للمشاهد الدموية يوماً بعد يوم، كانت الصدمة كبيرة ولم نشأ أن نصدق أن إجراماً كهذا يُرتكب بدماء باردة. ولكن الآن أقول نعم المشاهد الحية التي بثيناها كانت ضرورية في ذاك الظرف والمكان وللإطار العام، ولكن كان علينا أن لا نكرّر المشاهد بالطريقة التي اعتمدناها". مضيفة: "حلّلت في دراستي الأكاديمية ماذا يعني أن تغطي مجزرة في وطنك ضحيتها أبناء بلدك، أناس كنت تحادثهم الليلة التي سبقت الاعتداء وفجأة تجد نفسك واقفًا بين أشلائهم. الموضوعية في هذه الحالة تصبح موضوعية مؤطرة، ما يسمى بالانكليزية contextual objectivity، ترتبط بالظرف والمكان والحادث نفسه".

وعن الموضوعية في التغطية، تقول: "كل الزملاء الذين قابلتهم أثناء إعداد الدراسة أكدوا أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم موضوعيين لأنهم، وأنا منهم، نقلوا الوقائع والحدث كما هو، لم يحرّفوا، لم يفبركوا، لم يكذبوا، وبالتالي الموضوعية في هذا المجال عنت الالتزام بتغطية الوقائع كما هي". مضيفة: "قانا وحّدت الإعلام اللبناني يميناً ويساراً، التفّوا جميعاً حول أحقيّة المقاومة لتحرير الأرض، وهو ما كرّسه لاحقاً تفاهم نيسان/ أبريل، الذي كان عرابه رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. اليوم الانقسام حاد ويعكس بشكل كامل الانقسام السياسي بحدته. وسائل الإعلام تحوّلت أداةً في أيدي المجموعات والأطراف لتكريس الانقسام السياسي والطائفي والمذهبي".



ديانا مقلد: مجزرة متعمّدة
الإعلامية ديانا مقلد كانت مراسلة تلفزيون "المستقبل" آنذاك وغطت مجزرة قانا. وبعد 20 عامًا، تقول: "مجزرة أتت خلال حرب وقصف إسرائيلي متعمّد.. كنت هناك وغطيت الأمر، وكانت مساهمتي وزملاء آخرين في تغطية المجزرة خطوة إعلامية مهمة لكشف حجم الاعتداء الاسرائيلي الذي أودى بحياة مدنيين لبنانيين". وتضيف مقلد، في حديث لـ"العربي الجديد": "حتى اليوم وبعد عشرين عاماً لا زلت أقابل أناساً ترتبط ذاكرتهم بذلك اليوم بتغطيتي، فرغم كل ما عملت عليه في هذه السنوات بقيت تلك التغطية من أكثر ما علِق بذاكرة كثيرين".

وعن الأخطاء والمشاهد الدموية التي ظهرت على الشاشات، تؤكد مقلد: "أخطاء كثيرة، أهمها فكرة تصوير جثث الضحايا وعرضها كما هي وبكل القسوة التي تحملها.. لم نفكر كثيراً آنذاك ولم يكن لدي ذاك الوعي الكافي بضرورة تجنب عرض تلك الصور وكيف يمكن عرض محنة الضحايا والناجين بأسلوب أكثر احتراماً لهم. كنا جميعاً أسرى الغضب والحزن. وهذا درس تعلمته وهو في ذهني في كل تغطية مشابهة.. الارتباك العاطفي الذي أصابني آنذاك غلبني، وصدقاً كنت أود أن لا يحصل ذلك".

وعن الفصل بين العمل الصحافي والإنساني في هذا اليوم، تقول مقلد: "ليس في هذه المجزرة فقط لكن في أي مأساة لا يمكن الفصل بين ما نشعر ونؤمن به وبين القضية التي نغطيها صحافياً. الفرق هو كيفية عرض القضية بشكل يفيد الضحايا ولا يسيئ إليهم. ليس المطلوب الفصل بين الإنسان والصحافي، لكن المطلوب إحاطة أكبر بأسلوب التغطية وطريقة العرض.. علينا أن نكون أكثر ذكاء وأكثر مهنية".

وعن تأثير هذه المجزرة في حياة الصحافي وتغطيته، تقول مقلد: "ليست المجزرة وحدها، فأي تغطية صحافية تترك أثرًا وتجربة قانا طبعا أثّرت فيَّ وعلّمتني. وما أقوله اليوم بعد عشرين عاما من مراجعة لتغطيتي ونقد لها هو تماما ما يعنيه أن تستفيد من التجربة صحافياً. هناك جوانب إنسانية وسياسية، وتلك أيضًا علمتني الكثير، بدءًا من قانا ومرورًا بكل المناطق التي سافرت إليها وشهدت على حروبها وأزماتها ومآسيها. فالمأساة تنعكس على الأفراد وتصيبهم سواء أكانوا في قانا أم بغداد أم في كابول. الإنسان هو الحكاية قبل أي شيء آخر".

وعن تغيّر المشهد الصحافي بعد 20 عامًا، تشرح: "الكثير تغيّر بعد 20 عاماً، التقنيات باتت أهم وأسرع وأكثر دقة وباتت هناك وسائل تواصل اجتماعي، لكنّ المفارقة هي أنه ومع ازدياد الوعي وتعرضنا لتجارب مهنية مفيدة ومع معرفتنا بأصول المهنة، لا تزال الأخطاء هي ذاتها. أعني ما اعتقدت أنه لن يتكرر في تغطية قانا، بقي يتكرر ويتوسع وكأننا لم نتعلم شيئا، وهذا مؤسف جدًا".

وعن تغيّر نظرتها تجاه المقاومة، تقول مقلد: "في قانا عام 1996 كنت أغطي مجزرة إسرائيلية بحق مدنيّين. لو عاد الزمن إلى الوراء لفعلت الأمر نفسه. أرفض المنطق الذي يزاوج ما بين الضحايا والاعتداءات الإسرائيلية وما بين "حزب الله". وتضيف: "نعم، اليوم موقفي أكثر حدة وتشددًا من حزب الله. لم أكن يومًا من داعميه أو مؤيديه حتى في زمن الاحتلال الإسرائيلي. فحزب الله ساهم في إضعاف الدولة اللبنانية، وأنا ضد أي سلاح خارج إطار الدولة. أعتقد أن النقاش حول حقيقة دور حزب الله خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لم يناقش بعمق بعد.. كانت المجازر الإسرائيلية العمياء تعمينا جميعاً عن حقيقة دور الحزب في تقويض الدولة، وكان هناك تواطؤ باسم مقاومة إسرائيل على تحويل البلد إلى ما هو عليه اليوم.. نحن اليوم في لبنان ندفع ثمن كذبة اسمها المقاومة".



زافين: أهم حدث غطّيته
الإعلامي اللبناني زافين قيومجيان كان مراسل "تلفزيون لبنان" آنذاك أيضاً، وغطى مجزرة قانا. يقول: "مجزرة قانا تركت أثراً كبيراً في حياتي، لأنها كانت أهم وأكبر حدث أغطيه، فأنا تعمّدت في تراب الجنوب، وهذا كان حلمي منذ دخولي عالم الصحافة أن أصبح مراسلاً حربياً. مجزرة قانا حدث تاريخي غيّر لبنان، ومجرد وجودي فيه هو نقلة جديدة في حياتي المهنية".


وعن الأخطاء والمشاهد الدموية التي ظهرت على الشاشات يؤكد زافين: "بعد 20 عاماً لا يمكن أن نتحدث عن أخطاء، لكن هناك نقاش حول المشاهد الدموية التي ظهرت على الشاشات، لكن بالنسبة لي كان شيئاً طبيعياً آنذاك لأنها صور حديثة، ولكن المؤثر أكثر من صور الشهداء هو صوت صراخ المدنيين بعد دقائق من المجزرة".

وعن الفصل بين العمل الصحافي والإنساني في هذا اليوم، يضيف: "لحظة مجزرة قانا كانت لحظة وطنية وهي أهم وأشمل من اللحظة الصحافية أو الإنسانية، فكان وطننا في خطر، وكانت أول حرب بعد انتهاء الحرب الأهلية، وكان لها تأثير كبير على اللبنانيين، لأنها ذكّرتهم أن الخطر الإسرائيلي لا يزال موجوداً".

وعن التغير في المشهد اللبناني، يشرح: "في 1996 توحّد جميع اللبنانيين واكتشفوا العدو المشترك وهو إسرائيل، وتحولت المقاومة الإسلامية إلى مقاومة لبنان، تعبّر عن كل اللبنانيين، أما اليوم فالأعداء كثر، وهناك انقسام مذهبي، وتغير اسم المقاومة إلى حزب الله، وهذا أسوأ وأخطر شيء بالنسبة لي".



دلالات