3 يوليو: ميلاد مثقفي الاستبداد الجديد

3 يوليو: ميلاد مثقفي الاستبداد الجديد

03 يوليو 2014
غرافيتي من شارع محمد محمود/ القاهرة
+ الخط -

تطرّف جديد يضاف إلى تطرّف بعض الجماعات الإسلامية في المجتمع المصري، تحمل لواءه هذه المرة "النخبة المثقفة" بعد مشاركتها في عملية تثبيت حكم المؤسسة العسكرية التي حدثت في 3 تموز/ يوليو 2013.

بهذا التطرف ساهمت النخبة المصرية في عودة "الدولة العسكرية" التي كانت ثورة "25 يناير" قد تقدّمت خطوة في إزاحتها، ليعود عصر الجنرالات من جديد، مستخدمين كل الوسائل التي تجعل حاجة الناس إليهم مطلباً شعبيّاً، وعن طريق هذه النخبة بالذات، من خلال الاعتماد على الوزن الرمزي للنخبة الثقافية عند عموم المصريين؛ فهؤلاء هم المثقفون والمستنيرون، وهم القريبون من دوائر الإعلام في مجتمع تم تجريفه خلال عقود عديدة من القهر والفقر والجهل.

وبينما كان على النخبة أن تساهم بالقدر الأكبر في رفع مستوى الوعي العام بمسألة الحريات، حدث أنهم ساهموا في تزييف هذا الوعي، لا سيما المخضرمين منهم، حيث غدوا أبواقاً لدى "الجنرال"، وروّجوا مقولات الاستبداد بدعوى الظروف التي تتعرّض لها مصر هذه الأيام، ضمن أسطوانة المؤامرات والإرهاب.

وضعت هذه النخبة نفسها تحت تصرّف برنامج تمكين السلطة. وبحجة الحفاظ على "هيبة الدولة"، وصل بها الأمر إلى تبرير ارتكاب مجازر كما حدث في فضّ الاعتصامات، بعدما طلب المشير عبد الفتاح السيسي تفويضاً من الشعب في حربه على الإرهاب المحتمل، في خطاب أقرب ما يكون إلى منهج المحافظين الجدد في أميركا. وبعد عام كامل على 3 تموز/ يوليو - صدرت فيه مئات أحكام الإعدام، وذهب خلاله آلاف المصريين إلى المعتقلات؛ تكاد النخبة لا تُرى إلا بين مؤيد للنظام يشدّ على يده، وصامت عما يحدث من انتهاكات للحريات.

ربما كان من حسن حظ الشاعر أمل دنقل أنه مات قبل أن يرى أصدقاءه وهم يلتفون الآن حول "الجندي الذي يحرس من يمنحهُ راتبه الشهري، وزيَّه الرسميّ، ليرهب الخصوم بالجعجعة الجوفاء، والقعقعة الشديدة/ لكنه إن يحنِ الموت فداء الوطن المقهور والعقيدة/ فر من الميدان وحاصر السلطان، واغتصب الكرسي، وأعلن الثورة في المذياع والجريدة".

الأصدقاء الذين فرّطوا بأحلام شبابهم مع أمل دنقل، كان من الطبيعي أن يفرّطوا بموقعهم في السيناريو المستقبليّ الذي رسمه الشاعر لانقضاض الجيوش العربية على الداخل بدلاً من الجبهات مع العدو في القصيدة نفسها، فها هي الجوقة ذاتها تفوّض "الجنرال" ضدّ من يدفعون "ثمن الكسرة والدواء".

وربما كان من حسن حظّ الشيخ إمام أيضاً أنه مات قبل أن يرى أحمد فؤاد نجم، رفيقه في حلم الثورة ومناهضة الاستبداد، وهو يرقص على أغنية "تسلم الأيادي". وبعد أن كان المثقفون يردّدون أغاني الشيخ، ها هو اليوم يقترحون بناء سجون جديدة. وبعد أن كانوا يحثون الطلبة على التظاهر، أصبحوا يدينون هذه المظاهرات ويتهمونها بالإرهاب!

ما يجري الآن يبدو لنا صراع مصالح أكثر من كونه صراع أيديولوجيات، فالجيل الذي حلم بالتغيير، وحين خطى خطوة في سبيله؛ ركب "الجيل الكبير" على ثورته التي كانت بلا آباء، وعندما قامت ثورة يناير حاولت هذه النخبة أن تسرق لحظة لا تخص إلا الشباب وحدهم، فكتب الشاعر عبد الرحمن الأبنودي قصيدته "آن الأوان ترحلي يا دولة العواجيز"، لكنه سرعان ما تراجع عن موقفه في 2013، وطالب بعودة هذه الدولة، حين أعلن تأييده للسيسي وغازله في أكثر من قصيدة.

هل يحق لنا أن نتساءل أيضا عن معنى "النظام القديم"؟ فالروائي جمال الغيطاني في تصريح عام 2011 يعتبر عمرو موسى من النظام القديم، وكأنه لا يعد هو الآخر أحد أعمدة النظام القديم ثقافيّاً، فهو الذي لم يطل وقوفه إلى جانب الثورة، ليصبح سريعاً أحد أهم أبواق مثقفي الثورة المضادة.

دلالات

المساهمون