الحرب والحصار وهدم الأنفاق تشعل الأسعار في غزة

الحرب والحصار وهدم الأنفاق تشعل الأسعار في غزة

22 أكتوبر 2014
معاناة سكان غزة تزداد بسبب الارتفاع المتواصل للأسعار (getty)
+ الخط -
بلغت أسعار السلع في غزة خلال الشهور الأربعة الماضية، مستويات غير مسبوقة، ووصل بعضها إلى أربعة أضعاف سعرها الحقيقي، ووفقاً لمحللين، فإن هناك ثلاثة أسباب وراء الارتفاع هي: العدوان الإسرائيلي على غزة والحصار وهدم الأنفاق
وبحسب سلطة النقد الفلسطينية (المؤسسة القائمة بأعمال المصرف المركزي الفلسطيني)، فإن نسب التضخم ارتفعت من %1.2 خلال مايو/أيار الماضي، إلى 5% خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، الأمر الذي أدى إلى زيادة أزمات سكان غزة المعيشية.

الأسعار تشتعل

لم يكد الغزيون يخرجون من العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استمر 51 يوماً، ودمر مصادر رزقهم، حتى تولت أسواق التجزئة في القطاع زمام التحكم بأسعار السلع خاصة الأساسية منها، تزامناً مع نقص كمياتها في الأسواق.
وارتفع سعر كيلو البندورة (الطماطم) من شيكلين إلى ستة شيكلات، بينما ارتفع سعر كيلو بعض أصناف الأعشاب الطبية من ثلاثة شيكلات في مايو/أيار الماضي إلى أكثر من 13 شيكلاً خلال الأسبوع الجاري، وزاد سعر كيلو الدجاج إلى 28 شيكلاً، مقارنة مع 12 شيكلاً قبل العدوان (الدولار الأميركي يعادل 3.7 شيكل).
وقال وزير الزراعة السابق، وليد عساف، لـ "العربي الجديد": "إن العدوان على غزة كان
أحد أهم أسباب ارتفاع الأسعار والفوضى التي تسود أسواق قطاع غزة، مع نفاد غالبية السلع الأساسية خلال أيام العدوان، تزامناً مع إغلاق المعابر". وأضاف "لم يكن تدمير أكثر من 500 مصنع ومنشأة اقتصادية، عبثاً خلال فترة العدوان، هذه المصانع كانت توفر ما لا يقل عن 20% من حاجة السوق في غزة من السلع والبضائع المنتجة محلياً، واليوم فإن إنتاج هذه المصانع المدمرة يبلغ صفراً ".
وكان الاحتلال الإسرائيلي، قد قصف بشكل متعمد خلال أيام العدوان، المنشآت الاقتصادية والزراعية، إلى جانب نحو 30% من الأراضي المزروعة بأصناف من الخضراوات والفواكه.
وبعدما كان الاكتفاء في محاصيل غالبية الخضراوات الذاتي سيد الموقف، قبل العدوان على غزة، أصبح القطاع يستورد غالبيتها من الأسواق في الضفة الغربية وإسرائيل. وأشار عساف إلى أن الشهور التي تعقب أي عدوان على غزة، فإن الأسعار تشهد خلالها تقلبات كثيرة وبشكل يومي، بسبب زيادة الطلب على السلع، مقابل تراجع في العرض.
ودمر الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 140 مزرعة للدواجن والأبقار والمواشي، ما أدى إلى وجود نقص حاد في الثروة الحيوانية في الأسواق، إضافة إلى نقص مختلف أصناف الخضار والفواكه.

خنق القطاع

اعتبر الباحث الاقتصادي، مهند عقل، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الاحتلال الإسرائيلي، من خلال سيطرته المباشرة على المعابر وحصاره غزة، يعد سبباً رئيسياً في ارتفاع أسعار السلع إلى مستويات غير مسبوقة، وخاصة الأساسية منها. وأضاف: " أن
الاحتلال يتحكم بكمية ونوعية المواد الداخلة إلى غزة، حتى بعد التفاهمات على توسيع نطاق الواردات إلى القطاع بعد الحرب الأخيرة".
وأشار عساف إلى أن التسهيلات التي وعد بها الاحتلال الأسبوع الماضي، لم تكن إلا إعادة الأمور على المعابر كما كانت خلال فترة ما قبل العدوان. وأضاف: "القطاع ما زال بحاجة إلى كميات إضافية من البضائع حتى تستقر أسعار السوق في غزة".
ويفرض الاحتلال الإسرائيلي قيوداً مشددة على المواد الخام، التي يرغب التجار الغزيون في استيرادها، لاستخدامها بالإنتاج، ما يؤدي إلى شح المواد المنتجة، وكذا إجبار أهالي غزة على استيراد المنتج جاهز وبأسعار مرتفعة، فيتحمل المستهلك العبء الأكبر. وأكد أن المطلوب حتى تستقر أسعار السلع، هو إدخال نحو ألف شاحنة من السلع والبضائع الأساسية يومياً، "وهذا الرقم لا يشمل مواد البناء التي يحتاجها قطاع غزة خلال الفترة المقبلة لإعادة الإعمار".
وكانت معاناة الفلسطينيين في النصف الأول من العام الماضي أقل حدة، وكانت الغالبية العظمى من السلع والبضائع الأساسية وحتى الكمالية تدخل إلى غزة من مصر عبر الأنفاق، ولذا انتشرت في أسواق القطاع المنتجات المصرية أو المهربة.

اقتصاد الأنفاق

بعد ظهور ما يسمى باقتصاد الأنفاق، تراجعت أسعار جميع السلع الأساسية بشكل كبير، وتراجع حجم الاستيراد من إسرائيل أو من الخارج عبر الضفة الغربية، وذلك قبل شهر يونيو/حزيران من العام الماضي، إلا أن الفترة التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، فإن أول القرارات التي تم اتخاذها من النظام الحالي، إغلاق وهدم الأنفاق بين مصر وغزة.
وعاش القطاع آنذاك مرحلة من الانكماش الاقتصادي بسبب انهيار ما يسمى باقتصاد الأنفاق،
الذي كان يوفر للفلسطينيين الاحتياجات الغذائية والإنسانية في ظل الحصار الإسرائيلي منذ عدة سنوات. وبحسب اقتصاديين، فإن أكثر من 97% من الأنفاق بين مصر وغزة تم هدمها بشكل كامل، وأن جميع البضائع التي كانت تدخل عبرها أصبحت تستورد من الخارج أو من الاحتلال الإسرائيلي.
في قراءة لأرقام سلطة النقد الفلسطينية، فإن نسب التضخم بدأت بالارتفاع بشكل ملحوظ مطلع العام الجاري، وكذا في الفترة التي أعقبت هدم الأنفاق وحتى نهاية العام 2013، بسبب تراجع القوة الشرائية في القطاع بشكل كبير، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة.
وخلال العام الجاري، بلغ التضخم بالقطاع نحو 2.2% في يونيو/حزيران الماضي، ومع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، ارتفع ليصل إلى 5% في يوليو/تموز، و6% في أغسطس/آب، وتراجع 1% نهاية سبتمبر/أيلول الماضي ليصل إلى 5%.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قد أصدر مطلع الأسبوع الجاري، تقريراً حول معدلات الأجور في الأراضي الفلسطينية، والتي أظهرت أن عدد العاملين الذين يتقاضون راتباً أقل من الحد الأدنى للأجور في غزة، بلغ 60.6 ألف عامل، يبلغ متوسط أجرهم اليومي قرابة 689 شيكلاً (191.3 دولار).
بينما تبلغ نسبة البطالة في القطاع، قرابة 44.5% حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري، وفق أرقام الجهاز الفلسطيني، فيما أشارت تقارير غير رسمية إلى أن البطالة وصلت إلى أكثر من 55% بعد العدوان الإسرائيلي، ما أضعف القوة الشرائية في الوقت الذي استمر فيه ارتفاع الأسعار الذي أدى إلى زيادة معاناة الغزيين.