المقاصة وشقيقاتها في فلسطين

المقاصة وشقيقاتها في فلسطين

03 فبراير 2015
سلطة النقد الفلسطينية (أرشيف/getty)
+ الخط -

ليس أبغض على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، من كلمة "المقاصّة" التي ارتبطت في أذهانهم بالنمط القهري للتبعية الاقتصادية لإسرائيل، وفق بروتوكول باريس الذي يفرض على الجانب الفلسطيني، أن يتلقى احتياجاته من السلع الواردة، عبر الحدود الدولية من خلال إسرائيل التي تتولى استلام الرسوم الجمركية، المتعينة للفلسطينيين، فتستقطع منها لنفسها، رسوماً مقابل هذه "الخدمة" القسرية، على أن تحوّلها تباعاً الى الحساب المالي للسلطة الفلسطينية.

وبصرف النظر عن أثر الاستقطاع الإسرائيلي، على هيكل أسعار السلع الواردة، ارتفاعاً بالطبع؛ فإن هذه المقاصة، باتت سبباً للشؤم ولرثاء الحال، على صعيد الرأي العام الفلسطيني.
فاسمها نفسه، له تعريفه المرهق لكل مَدين، يتوجب عليه تسديد دينه غصباً، لدائن ضامن أن يكون في بطنه مال للأول، فيصبح الطرف الثاني مُطلق اليد، وحراً في استقطاع الذي له من الدين على الأول، دونما استئذان.

ويكون الاستثناء السلبي الذي هو أسوأ من التعريف الاقتصادي المرهق للمقاصة، أن من يُنصّبَ نفسه دائناً، في الحال الفلسطينية ــ الإسرائيلية، هو الذي انتهب الأرض والمياه والمقدرات، وسَفَك الدماء ظلماً وعدواناً، وهو، في الواقع، المدين للفلسطينيين في كل شيء، ذلك فضلاً عن التصرف القبيح، الذي يخنق الحياة الاقتصادية للفلسطينيين، عندما يقرر من جانب واحد، وبجملة واحدة تكون أحد ردود الأفعال على موقف سياسي؛ احتباس أموال هذه المقاصة، والمساومة عليها والضغط بها!

ترتسم أحياناً مفارقة عجيبة، وهي أن يتلقى المواطن الفلسطيني بكل الحزن، نبأ ارتفاع إيرادات المقاصة، مثلما حدث في العام المنصرم، عندما أعلنت وزارة مالية السلطة الفلسطينية، أن إيرادات هذه الذميمة، ارتفعت في العام 2014 من مليار و691 مليون دولار، الى مليارين و50 مليوناً. ذلك لأن هذا الارتفاع، يرفع الأسعار وأكلاف الحياة من جانب، ويزيد إيراد المحتلين من جانب آخر، ويُثقل أو يفاقم "عقوبة" الاحتباس من جانب ثالث!

على صعيد الجانب الأول، وهو رفع الأسعار وأكلاف الحياة؛ لم تتردد وزارة مالية السلطة، نفسها، في الإعلان عن انعقاد اجتماعات عدة، مع الجانب الإسرائيلي، لــ "تحسين جباية الضرائب" لكي تتخطى حاجز الـ 74% من الإيرادات الإجمالية للسلطة الفلسطينية، على أن تتولى السلطة نفسها، رفع الإيرادات "الداخلية" الضريبية وغير الضريبية، الى سقف 30% من إجمالي الدخل العام، وتسجيل زيادة معتبرة فيها، بدل ترشيد الإنفاق الإداري وأكلاف السيارات والسفر وموازنات متنفذين.

فمن الظواهر الأشد إيلاماً أن لهذه المقاصة البغيضة، شقيقات محليات، واحدة تتولى رفع كلفة الرسوم والجبايات على المواطن، والثانية تماليء التجار وتطلق أيديهم في السوق، وتمنع أية رقابة على أسعار البيع، وثالثة أمسكت بخنّاق السوق العقارية واحتكارات السلع، وبخاصة السجائر، وشقيقات أخريات غيرها.